كلما اردتُ أن أكتب شيئا , أنظر الى قلمي المسجى على كومة أوراق تعبت من الانتظار , فتتزاحم الافكار والموضوعات كأنها مظاهرة حاشدة تطالب بحرية البوح في زمن الاستبداد واستلاب الحريات العامة والخاصة فتتداخل وتتشابك كعصف الرياح بأوراق متنوعة في ليال حالكات , فلا تتميز ورقة من أختها , لكثرة القضايا الساخنة على الساحتين اللبنانية والاقليمية التي ينبغي الحديث عنها .

 فما عساي أن اقدم كأولوية , هل اقدم حديثا سياسيا لان الازمة سياسية بامتياز ويتفرع عنها كل الازمات , وقد ملّ الناس من السياسة والسياسيين حتى بات الحديث فيه يجرك الى موقف قد تكون بالغنى عنه , لان الوعي السياسي غاب بفعل سيطرة المصالح الشخصية عند الكثيرين في لبنان , حيث الانقسام السياسي فرض انقسامات فكرية ومذهبية وطوائفية , وفرض معايير لتوصيف الاخر المختلف سياسيا , توصيفات ليس لها علاقة البتة بالواقع والحقيقة , ولا تمت الى ادبيات السياسة الراقية باي صلة , اذ برز في لبنان معيار اما ان تكون معنا واما ان تكون علينا , وساد الخطاب الاتهامي التخويني , وهذا المعيار الذي يمارسه الكل بلا استثناء جعل البعض يبتعد عن الخوض في غمار السياسة والنقد السياسي خوفا من الترهيب والارهاب والتخوين والاتهام والتحريض والتحريض المضاد , فان دل هذا على شيئ , فإنه يدل على عمق الازمة الثقافية والفكرية وبالتالي أزمة وعي , بل أزمة عقل لبناني , بل أكثر من ذلك , إنه يدل على أزمة بنيوية في القعل اللبناني , لطالما تغنى اللبناني بوعية الحضاري , وقدّم نفسه على أنه الارقى في العالم العربي , وأعتبر ان الشعوب العربية تتعلم منه كل شيئ , فلذلك قد أعطى اللبناني نفسه الحق بالتدخل بشؤون الدول كافة , وإعطاء النصائح للشعوب العربية والاسلامية , ونسيّ نفسه وبلده ووطنه ومصلحته , فوقع الاجتماع اللبناني في أول تجربة عندما أعاد تاريخة القريب بدون غربلته , ومن دون التمعن في التجربة اللبنانية التي أهلكت الحرث والنسل بحرب سُميّت أهلية , فتبين ان اللبناني ليس أرقى من غيره , بل هو أقل وعيا وإدراكا من الشعوب التي حرص اللبناني على إسداء النصائح لها على مدى عقود من الزمن .

متى أيها اللبناني ستتوقف عن التدخل بشؤون الدول كافة , وبخصوصيات الشعوب العربية والاسلامية , وتتوقف أيضا عن إسداء النصح والارشاد لغيرك , وتلتفت هنيهة الى شؤونك وظروفك التي باتت الاسوأ في العالم , وتعمل من أجل مصلحة وطنك الذي تتناهشه الاحزاب المرتبطة بمشاريع اقليمية ودولية , وتتنبه الى أن أكثر الزعماء الذين تسير خلفهم قد خاضوا حروب لبنان الاهلية , وهم أمراء حرب بامتياز , وهم على استعداد دائم لإعادة التجربة من جديد لان الذي يحكمهم ليس مصلحة لبنان وشعب لبنان , بل تحكمهم مصالحهم الشخصية ومصالح أسيادهم , فيا أيها اللبناني مَن لم يكن له من نفسه واعظ لن تنفعه المواعظ , فاتعظ بمَن كان قبلك , قبل أن يتعظ بك مَن جاء بعدك .