لا أخافُ من شيءٍ في حياتي إلاّ من العراق بمرحلة ما بعد السيستاني أطال الله عمره
 

قبل قرنٍ واحد، والقرن الواحد مجرّد لحظة في حياة الشعوب، كان المرجع الدينيّ الشيعيّ الذي بحجم السيد السيستاني اليوم، يحرّم الذهاب الى المدارس الحكوميّة، واليوم، هذا الرجل، هو الداعم الأوّل للدولة! 

يقولون: لماذا لا تنتقد السيستاني؟ حسنٌ، سأنتقده، وهو بكلّ الأحوال شخص غير مخيف، ليس لديه قتلة، ولا مسلّحون، بل ستجدون في كل منشوراتي غزو الجيش الإلكتروني الصرخي وهو يشتمه، ورغم أنني أحذف في اليوم ما لا يقل عن 300 تعليق "صرخيّ"، لم أسمع عن صرخيّ واحد قُتل بسبب استهداف السيستاني.

الصدريون الذين استهدفوه، حتى بالشتائم، ومن ضمنهم شعراء وسياسيون، حتى الآن هم موجودون، ولم يقل لهم أحد "على عينك حاجب".

هذا الرجل، ليس ضرورياً أن تتعامل معه بقدسية تامة، فهو ليس معصوماً، وليس نبياً، لكن يجب أن تتعامل معه بموضوعية، أن تعرف بالضبط ماذا فعل، وكيف ما فعله أثّر في تاريخ العراق الحديث.

بعد عام 2003، قام السيستاني، أولاً، بتحريم "الفرهود" الذي طال مؤسسات الدولة، في فتوى شهيرة، حرّم النهب، والبيع والشراء، وأوصى بالحفاظ على المال العام.

تدرّج الموضوع، ودعا السيستاني بالتصويت على الدستور، وبذلك نرى - نحن المهتمين بالحفاظ على الدولة - أهمية التصويت على هذا القانون الذي يحفظ قيمة الفرد، وكان باستطاعته أن يقول "كفى بالقرآن قانوناً"، كأيّ مرجعٍ دينيّ آخر! 

دعم السيستاني الائتلاف الوطني العراقي، وهنا أسألكم سؤالاً ربما لن يعجب كثيرين: هل تقرأون الموقف ضمن السياق الواقعي المنطقيّ؟ أم ضمن النتيجة؟ 

السيستاني مرجع دينيّ شيعيّ، وبعد تهميشٍ للشيعة سياسياً منذ لحظة ثورة العشرين، حتى لحظة التاسع من نيسان، كان مُطالباً بأن يدعم تواجداً شيعياً سياسياً، وبكل الأحوال، دعمهم في لحظة الانطلاق، وبعدها، حين بدأت بوادرُ فساد هذه الطبقة الشيعية، رفع عنهم دعمه، ومنذ تلك الانتخابات الشهيرة بـ"169" وحتى اليوم، لم يدعم أيّ سياسيّ شيعيّ عراقيّ، أو سنّي!

- هذا الرجل، أنقذَ الصدريين من مذبحةٍ كانت تنتظرهم في النجف، وكلنا نتذكرها.

- هذا الرجل، حين تمّ المساس بواحدٍ من أهم مقدسات الشيعة، وتفجير مرقديْ الإمامين العسكريين، أوّل ما فعله هو قوله "أوصيكم بضبط النفس".

- هذا الرجل، قال في ظروفٍ محتقنة "السنةُ أنفسنا". قال أيضاً "الإيزيديون منا وتحت حمايتنا".

- هذا الرجل، وقف ضدّ تفرّد المالكي بالسلطة، وكان ضغطه هو الذي لم يمنحه ولايةً ثالثة.

- هذا الرجل قال بشكلٍ واضح "المُجرّب لا يُجرَّب"، ودعا لانتخاب وجوه جديدة، وتكنوقراط.

- هذا الرجل دعم التظاهرات الشعبية، وكان داعماً كبيراً لها بانطلاقتها الأولى.

- هذا الرجل، يؤمن أصلاً بمشروعية الدولة، وأنّ دوره هو الإرشاد، وليس التدخل المباشر بالسياسة، وهو بكل الأحوال مشتومٌ مهما فعل! 

- هذا الرجل أطلق "الحشد الشعبي" بفتوى الجهاد الكفائيّ، بقانونٍ واضحٍ وتعليمات محددة، بالقتال الإيجابيّ الذي لا يمسّ الدولة، ووفق وصاياه تستطيع ببساطة فرز: الحشد الشعبي عن الميليشيات.

- هذا الرجل يدعم سيادة العراقيين، ولم يكن هواه لأيّ بلدٍ سوى العراق.

- هذا الرجل يحذر من التشكيك بولاء الشيعة لوطنهم.

- هذا الرجل هو مرجعٌ علمانيّ بامتياز، ومدنيّ، يؤمن بفصل السلطات، والديمقراطية، والحريات العامة، ويرى أن رجل الدين وظيفته النصح والإرشاد، وليس التوجيه والتدخّل المباشر.


منذ عام 2009، وأنا أعمل في الإعلام السياسي، وأتعامل مع نصوص هذا الرجل، والخطب التي يلقيها الكربلائيّ والصافيّ، ما وجدتُ رجلاً أحرص على العراق منه، إطلاقاً.

ولا أخافُ من شيءٍ في حياتي إلاّ من العراق بمرحلة ما بعد السيستاني "أطال الله عمره" .

علي وجيه