يلجأ غالبيّتنا الى الفحوصات الروتينية للتأكّد والوقاية من غياب الأمراض العضوية، إلّا أنّ قلّةً هم الاشخاص الذين يعطون أهمية للاضطرابات العقلية التي يمكن أن تصيبهم، وليس ذلك فحسب فالكثير من المصابين قد يهملون حتّى العلاج لأسباب عدّة.
 

كثير من الناس يخافون الإصابة بالأمراض الجسدية، عكس الأمراض العقلية التي لا يعطونها الأهمية اللازمة. ويعود السبب الى قلّة المعرفة بالاضطرابات العقلية، لا سيما أنه يكثر الحديث عنها بمعلومات مغلوطة من دون أيّ سند علمي. في هذا الاطار، نشرت حديثاً منظمة الصحة العالمية تقريراً للتوعية حول أبرز الحقائق المتعلقة بالصحة العقلية.

وجاء في التقرير أنّ الصحة العقلية لا تتحقق لدى الفرد حين يكون معافى من اضطراب عقلي، بل انها تتأثر أيضاً بالقلق وسوء المزاج وانفصام الشخصية.

ومن الأفكار الخاطئة المتداولة لدى الناس أنّ صغار السن في منأى من الأمراض العقلية، الّا أنّ الطب ينبّه من العوارض التي قد تظهر عند من تقلّ أعمارهم عن الـ14 عاماً، والسبب في ذلك قد يكون بيولوجياً أو نفسياً أو اجتماعياً.

العنف ليس مؤشراً

وفق المنظمة، فإنّ نحو 75 في المئة من اضطرابات الصحة العقلية لدى الإنسان تبدأ علاماتها قبل بلوغ سن الرابعة والعشرين.

أمّا المغالطة الأخرى فهي تصوّر أنّ الاشخاص الذين يعانون أمراضاً عقلية هم أشخاص عنيفون بالضرورة، في حين أنهم قد يكونون في قمة الهدوء. وتوضح التقديرات أنّ 5 في المئة فقط ممّن يعانون اضطرابات الصحة العقلية يُقدمون على سلوك عنيف.

وتبعاً لذلك، فإنّ الشخص المريض عقلياً قد يكون هادئاً جداً، كما أنه قد يصبح ضحية للعنف في الوسط الذي يعيش فيه، نظراً لقصور إدراكه وضعف قدرته على حماية نفسه.

وينفي الأطباء وجود علاقة بين ضعف الشخصية والإصابة بالأمراض العقلية، لأنها تنجم في الغالب عن أمور مثل الصدمة وعوامل وراثية وبيولوجية أو التعرّض لاعتداءات.

إمكانية العلاج

يذهب ظنّ البعض أنّ الأمراض العقلية غير قابلة للشفاء، فيما يقدّم الطب في يومنا هذا خيارات علاجية متعددة، الأمر الذي يساعد في بعض الأحيان على تحقيق الشفاء التام، ويمكن للمريض أن يعود عندها إلى حياته الطبيعية.

وقاية ضرورية

إذا كانت الأمراض العضوية تستوجب الوقاية، فإنّ الأمراض العقلية تتطلّب بدورها حذراً مماثلاً، فالاضطرابات التي تصيب الإنسان تنجم عن عوامل محددة. لذلك، كلما استطاع المجتمع إبعاد الصغار عن الصدمة وأن يضمن لهم خدمات جيدة في الصحة والتعليم، فإنه يحميهم بصورة غير مباشرة من الأمراض العقلية.

الوصمة الاجتماعية

وبحسب التقرير، يُقدم 800 ألف شخص في العالم على الانتحار كل سنة، وتظهر الإحصاءات أنّ 75 في المئة من حالات الانتحار تقع في الدول ذات الدخل المُتدني أو المتوسط.

ولا يقف خطر الأمراض العقلية عند الجانب المتعلّق بالسلوك وقدرة ضبط المرء لنفسه، بل يزيد عرضة الإصابة بأمراض خطيرة مثل القلب والسكري وفيروس فقدان المناعة المكتسَب.

ويجد المرضى صعوبات في مباشرة العلاج، سواء بسبب الوصمة الاجتماعية التي تصوّرهم بمثابة حمقى فيتفادون زيارة الطبيب، أو لأنّ البنيات التحتية المُتاحة للعلاج لا تبشّر بأمل التعافي، فيما تطالب منظمة الصحة العالمية بإيلاء عناية أكبر للصحة العقلية، على اعتبار أنها لا تقلّ خطورة عن المتاعب العضوية.