في أول إطلالة له، بعد صدور مرسوم تكليفه بتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، تعهد الرئيس سعد الحريري بأن تلتزم الحكومة التي سيشكلها بسياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً، والتي أساسها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وأيده في ذلك رئيس الجمهورية المعني حسب نصوص الدستور بالتشكيل وكل الكتل النيابية والقوى الحزبية والسياسية المعنية بهذا الأمر.


وما أن انطلق الرئيس المكلف في عملية التشكيل بالتشاور مع رئيس الجمهورية واستطلاع مواقف الكتل النيابية ومطالبها واقتراحاتها حتى فوجئ الجميع، بخطاب الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله ينسف فيه كل ما يمت بصلة إلى سياسة النأي بالنفس التي يعتبرها الرئيس المكلف الأساس الذي يُبنى عليها أمر تشكيل الحكومة، حيث انه (الأمين العام) أكد ان قوات حزبه لن تنسحب من سوريا إلا بطلب من رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأي كلام آخر لا معنى له ولا قيمة له في قاموس الحزب.


وهذا الموقف لأمين عام حزب الله الذي يُصرّ الرئيس المكلف على ان يكون شريكاً فاعلاً في الحكومة يعني أمراً واحداً، هو نسف مقولة أو سياسية النأي بالنفس التي يعتمدها الرئيس المكلف أساساً لسياسة الحكومة التي يعتزم تشكيلها بالتعاون مع كل القوى السياسية الموجودة على الأرض ، ومنها بواقع الحال حزب الله، ووضع لبنان مجدداً في مواجهة الدول العربية التي وبناء على القرار الذي اتخذته حكومة تصريف الأعمال باعتماد سياسة النأي بالنفس، وانسحاب حزب الله من سوريا، والدول العربية الأخرى ووقف تدخله في الشؤون الداخلية لهذه الدول، أعادت فتح أبوابها أمام لبنان واللبنانيين، متجاوزة كل الاتهامات التي تناولها بها حزب الله وفريقه، ومبدية كل الاستعداد لمساعدة لبنان للتخلص من أزماته الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.


والسؤال الذي يطرح نفسه الآن كيف يُمكن للرئيس المكلف ان يُشكّل حكومة يشترك فيها حزب الله الذي دفن بموقفه الأخير ما يسمى بسياسة النأي بالنفس وعدم التدخل في شؤون الدول العربية الداخلية، الا إذا رضي هو بعودة لبنان إلى ما كان عليه قبل استقالته من الحكومة الحالية وعودته عن هذه الاستقالة، وهل هو في وضع القادر على الاقدام على هكذا خطوة ودفع نفسه ولبنان كلّه في مواجهة مفتوحة مع الدول العربية بدّءاً من المملكة العربية السعودية التي أبدت بعدما أعلن لبنان التزامه سياسة النأي بالنفس كل استعداد ورغبة في دعم لبنان ومساعدته على مواجهة التحديات، بصرف النظر عن ادائه السابق لسياسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً.


من المستبعد جداً أن يقبل الرئيس المكلف بالنظر إلى تعهداته تجاه العالم وتجاه الدول العربية عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً بالتعاون في حكومة واحدة، مع حزب الله الذي أعلن بكل صراحة عدم التزامه بسياسة النأي بالنفس، وتمسكه بسياسة المحاور والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وسيجد الرئيس المكلف نفسه مضطراً إلى الاعتذار عن الاستمرار في عملية تشكيل حكومة جديدة، ويدخل لبنان في أزمة سياسية خطيرة لا يستبعدنّ أحد من ان تتحول إلى أزمة كيان في الوقت الذي يتوجّب فيه أن تنصب كل جهود المعنيين لابعاد لبنان عن تداعيات ما يحصل في الإقليم على ان يبدأ ذلك بتطبيق سياسة النأي بالنفس وليس بالانقلاب عليها كما أصبح الحال بعد كلام الأمين العام لحزب الله.