لم تبرد حماوة الانتخابات النيابية وانقساماتها بعد حتى دخل اللبنانيون في منافسة لا تقل حماوة وانقساماً. إنه مونديال 2018، الذي لن يعلو صوت فوق صوت هديره في روسيا وأرجاء المعمورة على مدى شهرٍ بدءاً من 14 حزيران. وكما تمترس اللبنانيون خلف أعلام أحزابهم سيوزع قادتهم السياسيون بدورهم ولاءاتهم خلف المنتخبات العالمية.

"النهار" غاصت في ملاعب السياسيين ومتاريسهم الرياضية لترسم خريطة تموضعهم، ليتبيّن أن مفارقة كروية جمعت غالبية أضداد السياسة في خانة واحدة، وهي منتخب "السامبا". ومن أبرز هؤلاء السياسيين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري وأمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله. وإن كان النائب السابق وليد جنبلاط يبدي برودة وقلة اكتراث في التعاطي مع "المونديال"، فان رئيس حزب القوات اللبنانية، وعلى الرغم من تأييده القديم لمنتخب "المانشافت"، فانه لن يتوانى عن ابداء الاعجاب باللعب الجيّد.

صحيح ان الرئيس بري "برازيلي عتيق"، لكنه يقول اليوم لـ"النهار": "بدّي شوف مين بدّي شجع".

أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فدأب على تشجيع ألمانيا، لكنه يكشف اليوم لـ"النهار" أنه "سيشجع اللعب الحلو". 

فوسط زحمة الملفات الضاغطة من سياسية وحياتية والاستحقاقات المنتظرة وأبرزها تشكيل الحكومة، سيجد سياسيون ووزراء ونواب الأمة متسعاً من الوقت لمتابعة مباريات كأس العالم كما يؤكد النائب علي خريس الذي يشجع البرازيل منذ صغره والذي يتحمس لـ "جمعة" الأصدقاء وولديه "كلنا بالبيت جو واحد". على عكس زميله الياس حنكش الأقل حماسة لكون المنتخب الإيطالي خارج المنافسة. أما كتلة "الوفاء للمقاومة" فلها وكيل رياضي كما يقول النائب حسن فضل الله. المناكفات السياسية لن تمنع النواب والوزراء من تشجيع المنتخب نفسه من بين 32 منتخباً مشاركاً في "العرس الكوني" والتباري في رفع علمه واضعين جانباً ألوان أعلامهم الحزبية لفترة موقتة ستختلط فيها الخيارات لتنتج خلطة رياضية خرقتها "وطنية" النائب نديم الجميل الذي لن يشجع أي منتخب ما دام المنتخب اللبناني غير مشارك.

 

منتخب "السامبا" في الصدارة 

تأتي البرازيل في المرتبة الأولى من حيث التأييد، وأغلبهم لأسباب كروية. فوزير الشباب والرياضة محمد فنيش "معجب باللعب البرازيلي، مذ كانت البرازيل سيدة الكرة ولو أصبح هناك دول متقدمة ومنافسة، فالإسبان لا يستهان بمهاراتهم"، أما النائب زياد أسود الذي يهوى لعب كرة القدم منذ الصغر فهو يصف لعب منتخب "السامبا" بـ "السريع والخفيف وفيه حرفية عالية، وتكتيك جميل". كان يستهويه لعب بيليه، وفي منزله تنقسم العائلة إذ زوجته وبعض من أولاده في ضفة مشجعي ألمانيا فيما هو والبعض الآخر في الضفة البرازيلية.

 اضطلاع النائبة رلى الطبش الكروي متواضع، تشجع البرازيل بلا سبب معيّن وتجد أن "من الإيجابية مشاركة الناس اهتماماتها وتشجيع الرياضة مهم". النائب علي خريس برازيلي منذ الصغر في حين أن النائب حسن فضل الله رد في اتصال مع "النهار" ممازحاً: "بدك تحكي الحاج علي عمار هو وكيل الكتلة بالفوتبول"، وعند اتصالنا بالنائب عمار علمنا انه لاعب كرة قدم سابق وربما لهذا السبب أوكله زميله أمر الكتلة. عمار يشجع البرازيل لـ "حرفيتهم العالية والممتعة" وسيتابع المباريات في الأوقات التي ستسمح فيها ظروف عمله.

 

الأولوية للعرب

المونديال بنسخته الحادية والعشرين يضم أربعة منتخبات عربية هي المغرب وتونس والسعودية ومصر، يعطيها وزير التربية مروان حمادة أولوية التشجيع ويتمنى أن تحقق مصر مع اللاعب محمد صلاح أو المنتخب السعودي نتائج مهمة. وفي حال لم يحالفها الحظ بالتأهل للدورة الثانية سيجع حتماً فرنسا. وهنا يستذكر حمادة الانتصار الفرنسي في مونديال عام 1992 حيث كان اللاعب زيد الدين زيدان يقود الفريق. "الحنان الكروي" يتوزع في منزل حمادة الديموقراطي بين فرنسا وحفيده الألماني. وفي غياب إيطاليا، إسبانيا "محبوبة". النائب فيصل كرامي كحمادة يفضل تشجيع المنتخبات العربية وتحديداً مصر، ومن ثمَ البرازيل.

النائبة في تيار "المستقبل" ديمة جمالي تتفق مع زميلها الكتائبي الياس حنكش في تشجيع المنتخب الإيطالي، إلا أنها ستستعيض هذا العام عنه بتشجيع المنتخب البرازيلي بينما حنكش مشجع ملتزم ولن يبدل تبديلاً. "الشعب الإيطالي يشبهنا"، تقول جمالي التي تتابع المباريات بدءاً من الدور ربع النهائي فقط. الا أن أسباب تشجيع حنكش رياضية "لعبهم جميل وبخاصة اللاعبين القدامى أمثال باولو مالديني".

 

نائبان ووزير لـ "المانشافت"

يعيش مشجعو المنتخب الألماني على أمجاد فوزهم الساحق على البرازيل بـ7 أهداف مقابل هدف يتيم في مونديال 2014. ومن مشجعي المنتخب النائب سامي فتفت "منذ الصغر ألعب كرة القدم وأتابع مبارياتها" وللبرازيليين يقول: "موفقين وانشالله ما يتبهدلوا هالدورة كمان". بالدرجة الثانية يفضل فرنسا تشجيعاً للاعبي المنتخب الجدد. وكلاعب مفضل، اختار فتفت، محمد صلاح فهو من مشجعي ليفربول أيضاً. زميله في كتلة "المستقبل" النائب طارق المرعبي، ألماني الهوى أيضاً "أحترم عقلية الألمان، هم شعب منظّم حتى في الرياضة ولديهم استراتيجية في اللعب". المرعبي سيتابع كأس العالم مع الأصدقاء ويقرّ بامتلاك المنتخب البرازيلي لروحٍ رياضية أكثر من نظيره الألماني.

المد الألماني وصل الى وزارة الإعلام، إذ إن الوزير ملحم رياشي "ألماني الهوى" وهو الذي صرّح في حديث تلفزيوني "لا أتابع جميع المباريات لكنني أشجع المنتخب الألماني"، وأضاف ممازحاً: "إذا خرجت ألمانيا مبكراً من كأس العالم سأقطع البث عن اللبنانيين".

 

فرنسا والأسباب ليست رياضية

عدد لا يستهان به من ساسة لبنان تربطهم علاقة تاريخية بفرنسا، منهم من نُفِيَ إليها قسراً على إثر الحرب اللبنانية ومنهم من عاش فيها طوعاً وفترات طويلة. فكان لتلك الروابط أثرها على ميولهم الرياضية. هو حال النائب في "تكتل التغيير والإصلاح" سيمون أبي رميا الذي يشجع المنتخب الفرنسي وفاء للسنوات الـ24 التي عاشها فيها، وحصل على جنسيتها. يستهويه معظم لاعبي المنتخب كما يحب نيمار في المنتخب البرازيلي الذي يشجعه بالدرجة الثانية.

كذلك النائب سامي الجميل يشجع فرنسا وهو الذي أمضى فيها وقتاً طويلاً. والجميل "لاعب فوتبول قبضاي" كما يقول عنه الياس حنكش. 

واليهم ينضم وزير الخارجية جبران باسيل بتشجعيه لفرنسا أولاً.

 

 خرق وحيد 

يرفض النائب نديم الجميل تشجيع أي فريق طالما أن المنتخب اللبناني غائب عن ساحة كأس العالم. يتابع المباريات، يستمتع باللعب ولا يشجع أحداً.

رئيس الوزراء سعد الحريري مع وزراء ونواب من مختلف الاطياف السياسية في مباراة لاحياء ذكرى الحرب الاهلية عام 2010.

على غراره لا تهتم النائبة بولا يعقوبيان بالمونديال لكون لبنان غير مشارك، إلا أنها ستشجع المنتخب الإنكليزي مسايرةً لابنها.

جمع الحدث الكروي الأعرق ما فرّقته السياسة، فمتى ستجمعهم الغيرة على منتخب البلد الأم؟