في فرنسا، حيث للوطنية والديمقراطية مفهومٌ تكرَّس بثورة الدم، حين تسلّم الجنرال ديغول الحكم قال: كيف أحكم بلداً كفرنسا وفيه أربعمئة صنْفٍ من الجبنة.

وفي لبنان حيث موسم تأليف الحكومة والتنازع الجشع على قوالب الجبنة، هل يتساءل الجنرال اللبناني قائلاً: كيف أستطيع أن أحكم بلداً فيه «128» صنْفاً من الجبنة، ومن الجبنة الخالية من الدسَم، ومن أَكَلَةِ الجبنة، وأكَلَةِ حقوق الإنسان، وبدَل أن يتنافسوا بشجاعة على خدمة لبنان، يتنافسون بجبنٍ على قوالب الجبن.

في سوق عكاظ المقايضات، تتساجل قصائد المطالبة بحصص حكومية وسيادية وازنـة، كلٌّ يطالب بحقائب على مقدار حجمه، والحجم المطلوب منفوخ «كالبالون» المثقوب.

الذين يطالبون بوزارة سيادية، يجب أن يكونوا سيادّيين...!

والذين يطالبون بوزارات خدماتية يجب أن يكونوا أطهاراً وإصلاحيين..!

والذين يتقاسمون المناصب المسيحية في «معراب»، يجب ألاَّ يخلطوا بين «معراب» والسرايا، وهمُ الذين يقتلون المرحوم ويتقاتلون على إرثـهِ..!
والذين يتهافتون على المقاعد بهدف محاربة الفساد، يجب أن يشرحوا لنا، «مِنْ أينَ لهم هذا..!»

النظرية الإصلاحية المعاكسة التي اعتمدها يوماً عُمدَة مدينة نيويورك وقد عجز عن التخلص من اللصوص فأمَرَ بضمِّهم الى الشرطة، بحجة أنهم يُتْـقنون فـنَّ اللصوصية وأسرار المهنة... هذه النظرية أثبتت فشلها عندنا.

المشكلة، ليست في السلطة بل في طبيعة الرجال حسبما يقول برناردشو: «السلطة لا تفسد الرجال إنما الأغبياء إذا وُضعوا في السلطة يفسدونها..»
حكومة وحدة وطنية.. نعم، لأنَّ القدرة الديمقراطية المتشاركة في القرار هي التي تصنع الوحدة، وتحوّل الفئات المتنافرة الى أمّـةٍ واحدة.

ولكن، هل تستطيع حكومة متنافرة أن تحقق انصهاراً بين الفئات التنافرة وتحوّل لبنان من هيئة أمم مذهبية صغيرة ، الى أمّـة متَّحدة متعاضة...؟

حكومة الوحدة الوطنية هي التي تحقق المشاركة الوطنية، نعم... ولكن، من دون أن تشاركنا فيها القوى الخارجية بالإستشارات والتأليف، ومن دون أن يكون الوزراء فيها ودائع بشرية على غرار الودائع المالية في البنك المركزي، ومن دون أن يكون الوزير فيها لبعض الأرض وبعض الطوائف وبعض الشعب، بل لكل الأرض وكل الشعب وكل الطوائف.

وحكومة الوحدة الوطنية، هي حكومة الشعب التي تضمّ الذين أحجموا عن انتخاب النواب، وهم الأكثرية الساحقة والأكثرية المسحوقة، وهي بالأخص حكومة لبنانية، وليست حكومة «عونية» أو حكومة «حريرية...»

عندما قال سعد زغلول كبير المجاهدين المصريين في سبيل الإستقلال، إنني أؤلِّفُ حكومة «زغلولية» تصدّى له كبير الأدباء المصريين طـه حسين قائلاً: «يجب أن تضم الحكومة من يريده الشعب لا من تريده أنت...»

والحقيقة المـرّة عندنا هي أن حكومة الوحدة الوطنية، التي يريدها شعب لبنان العظيم، هي التي تتألف من أمثال طه حسين والأخطل الصغير الذي يقول:

وزراءَ لبنانٍ سَلَـوْا لبنانَكُمْ أأَنا الذي زيَّنْـتُهُ أمْ أنـتُمُ مرَّغتُـمُ بالمخزياتِ جبيـنَهُ ولثَمْـتُهُ فأضاءَ منْهُ المبْسِمُ