هناك نكتة متداولة على وسائل التواصل تقول: 

"ضربة أميركا مثل مداهمات الدولة اللبنانية:

اميركا أخبرت روسيا

روسيا أخبرت سوريا

سوريا اخلت المطار..

أهرب يا نوح زعيتر وصلوا التحرية"

  لكن هذا لا يمنع انها كانت ضربة ضرورية؛ على الاقل من اجل صحة الجميع النفسية. فلقد خرجوا جميعا منتصرين وراضين مرضيين. 

جماعة الممانعة لم ينتصروا فقط او يبرهنوا صمودهم وبطولاتهم، بل هم اضافوا الى سجل انجازاتهم مأثرة جديدة فلقد انضموا الى قافلة الابطال الملحميين، إذ تبيّن ان العدوان الاخير هو صنو العدوان الثلاثي الشهير. وهكذا ارتفعوا الى مرتبة الابطال من صنف عبد الناصر نفسه.

حتى تعليق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عندما برر محدودية الضربة، بمعنى عدم فاعليتها الكبيرة، قائلاً : انا لم اعلن الحرب على بشار الاسد. عدت مديحا لهذا الأخير و اعترافاً بسلطانه.

ومن مآخذهم على الضربة المعلن عنها في جميع انحاء الكوكب: انها حصلت تحت جنح الظلام. طبعا فضربات النظام لا تحصل الا في وضح النهار ، وفي اوقات الازدحام الشديد امام الافران وفي المدارس والمستشفيات والاسواق كي يلاقي المزيد من الشهداء وجه ربهم.

كذلك الامر مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي برهن عن بطولة تخاذل عنها سلفه، فهو إذ يقرن الاقوال بالأفعال، ولو ان هذه الاخيرة كانت محدودة في الزمان والمكان والفاعلية، إلا انه فعلها وشعر بالاكتفاء والنصر؛ إذ مجرد تغريدة بسيطة من هاتفه الذكي تتحول مهمة تهز العالم. ولو ان فاعليتها كانت قبل حصولها أكثر مما هي بعدها؛ بل ان حصولها جعل منها لزوم ما لا يلزم طالما ان كل شيء سيظل على حاله اذا لم يكن اسوأ.

الا اذا اعتبرنا ان التمرين المقصود كان في معاينة المدة المطلوبة للقفز من العالم الافتراضي الى عالم ترامب الواقعي.

لكن المدهش يكمن في هذه القدرة العجيبة على الامتصاص لدى جماعة الممانعة، وكيف ان في استطاعة قياداتهم الديكتاتورية قلب الحقائق رأساً على عقب او بالأحرى تصنيع الحقائق بمجرد نطقها وتوزيعها على الجمهور المتعطش لهطول مطر الحقيقة المنعش عليه.

وهكذا امام اي ضربة يلحسون بطولاتهم ويبتلعون تهديداتهم بالردود المزلزلة وينتصرون بمجرد بقائهم يتفرجون كيف صارت البلاد ملعبا فالتا من دون سياج او حام. وكيف ان الغربي أرحم بالشعب السوري من حكامه وممانعيهم.

واذا كانت الضربة "المدروسة بعناية" لم تغيّر في الواقع شيئاً! فما بال دول "العدوان الثلاثي" الذي ذهب مثلاً، تحرك اساطيلها وطائراتها وصواريخها الجميلة الذكية كي تقصف أبنية مهجورة ؟ هل هي تمارين لحسن التنسيق بينها؟

لكن يبدو، على الاقل من الجانب الفرنسي كما تكتب النوفيل اوبسرفاتور، انهم ارادوا التأكيد على ما يلي:

"منع الاسد من استخدام الاسلحة الكيميائية.

الحرص على احترام الاتفاقيات الدولية.

محو عار آب 2013.

إعادة تأكيد التحالف الغربي".

المسألة اذن متمحورة حول التجاذب الغربي الروسي وتتعلق باحترام اتفاقية منع استخدام السلاح الكيميائي حصراً لأن في ذلك تهديداً لإسرائيل بشكل أساسي؛ كما انها تذكّر بوتين انه لم يف ما وعد به من القضاء على ترسانة الاسد الكيميائية.

لا يتعلق الامر لا بإنهاء الحرب في سوريا ولا بصحوة ضمير من أجل إيقاف المقتلة السورية ولا من يحزنون.

واذا تساءل مواطن بريء: ماذا بعد الضربة؟ الجواب كما قبلها على الارجح.

اما من ينتظر الحلول القريبة للحرب في سوريا فعليه ان ينتظر طويلا بعد.

فالعداوات التي ستعيش طويلا كفيلة بإطالتها وتغذيتها.

والأمرة الآن لترامب الرئيس الذي يبيع الوهم ويجعله واقعاً مقابل شعوب تعيش الواقع وتجعله وهما.

اما نحن فلنضحك على مسرح انتخاباتنا التي أنجزت مهمة مستحيلة بخلطها الاعداء والاصدقاء والعملاء والوطنيين ومن هم ضد السلاح مع مناصريه وعملاء النظام السوري مع أعدائهم على لائحة واحدة.

انها المعجزة اللبنانية في زمن المهازل.