رئيس الوزراء سعد الحريري خفف من رهاناته الإقليمية مستسلما لشروط الداخل اللبناني
 

كرست التحالفات التي نسجها تيار المستقبل للمشاركة في الانتخابات النيابية اللبنانية المقررة في مايو المقبل والتي التقى فيها في بعض الدوائر بعدد من القوى والشخصيات تصنف ضمن الطرف المقابل، حجم التحول الحاصل في نهج التيار الذي بات يستند على براغماتية مفرطة تتناقض أحيانا والثوابت التي تأسس عليها.

وتقول مراجع سياسية لبنانية إن تيار المستقبل تحول من واجهة سياسية تطرح شعارات وأهدافا وطنية عامة قادته لتزعم تحالف 14 آذار منذ عام 2005، إلى حزب يناور وفق واقعية هدفها احتلال المكانة الأفضل في قلب السلطة.

وتضيف هذه المراجع أن لوائح تيار المستقبل في الانتخابات التشريعية، تكشف عن براغماتية قد تتناقض مع ثوابت التزم بها التيار منذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري.

وتضم بعض اللوائح التي شكلها تيار المستقبل عددا من الشخصيات التي يشتبه في علاقاتها السابقة مع النظام السوري (لا سيما في البقاع والشمال) على نحو يتناقض كليا مع خطاب التيار المناهض لنظام الرئيس بشار الأسد والداعم للمعارضة السورية.

ويرى مراقبون أن حسابات الربح والخسارة هي التي أملت شروط تشكيل اللوائح كما قرار التحالف مع هذه الجهة أو تلك، خاصة في ظل القانون الانتخابي الجديد القائم على النسبية زائد الصوت التفضيلي.

وتعتبر أوساط سياسية أن التحالفات الانتخابية وإن كانت مظهرا بارزا من مظاهر التحول الذي يشهده التيار، إلا أن هناك عنصرا آخر لا يقل أهمية ويعكس هذا التغير وهو أن المستقبل لم يعد يعوّل كثيرا على أي امتدادات إقليمية، سياسية أو مالية.

وتؤكد بعض المصادر أن الظروف التي أحاطت باستقالة رئيس التيار سعد الحريري من رئاسة الحكومة التي أعلنها من الرياض في نوفمبر الماضي، قد فاقمت من التوجه المحلي للحريري وتيار المستقبل لجهة الاستسلام لشروط الداخل اللبناني والتأقلم مع موازين القوى اللبنانية البيتية.

وتقر أوساط داخل تيار المستقبل أن هذه الواقعية هي تحوّل سابق على مسألة الاستقالة وظروفها وإن كانت هذه الاستقالة قد زادت من هذا التوجه.

وتذكّر هذه الأوساط بأن فترة المنفى التي قضاها زعيم التيار في السعودية لمدة خمس سنوات بعد إقصائه عن رئاسة الحكومة عام 2011، جعلته يقلب الكثير من القواعد والمعايير في إدارة الشأن السياسي وجعلته يميّز بين الممكن والمستحيل وما بين المُثُل وتوفر وسائل تطبيقها.

ويعتبر الخبراء أن ذهاب الحريري إلى دعم ترشح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، الذي يقدم بصفته “الصديق الشخصي” لبشار الأسد، لرئاسة الجمهورية اللبنانية وضع اللبنة الأولى للتحوّل الذي يريده الحريري لتياره.

ويضيف هؤلاء أن الزلزال الذي أحدثه داخل تياره إثر الموقف من فرنجية تحول إلى تسونامي حين تحوّل دعم الحريري باتجاه ميشال عون بما اعتبر انقلابا تاما في القواعد والثوابت والتقاليد التي تحضن “المستقبل” وزعيمه.

ويشير الخبراء إلى أن سعد الحريري الذي ورث عام 2005 التيار الذي أنشأه والده، بدأ في السنوات الأخيرة يبني حزبه الشخصي بحيث تتمحور الولاءات حول خياراته السياسية كرجل دولة وليس حول شعارات جميلة ثبت بالدليل أنها لم تحظ بالدعم العربي والدولي.

وتشدد جهات عارفة ببواطن الأمور داخل المستقبل أن التيار لم يعد يعوّل على المال السياسي الذي كانت توفره السعودية، وأن الأزمة المالية التي تعرضت لها شركة “سعودي أوجيه” تمثل وجها بارزا من وجوه ارتباك العلاقة المالية بين الرياض و”المستقبل”.

ورغم انفراج العلاقة السعودية المستقبلية وقيام الحريري بزيارة للمملكة في 28 فبراير الماضي بناء على دعوة رسمية حملها المستشار الملكي نزار العلولا إليه في بيروت، إلا أنه لا توجد أي معطيات أو معلومات عما إذا كان الدعم المالي السعودي قد عاد إلى التيار.

 
التحول الذي يعيش على وقعه تيار المستقبل ليس وليد الظروف التي أحاطت باستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري- وإن كانت لها تاثيراتها- ويرى مراقبون أن التيار اليوم ليس ذلك الذي برز في العام 2005 وأن زعيمه بات يتعاطى مع الشأن اللبناني بواقعية أكبر ويقيم علاقاته وتحالفاته على أساس منطق الربح والخسارة.

وتكشف هذه الجهات أن التيار بات يعتمد على شبكة تمويل محلية يفسر جانب منها وجود شخصيات على لوائح “المستقبل” قد لا يكون مبرر وجودها إلا مالي للإنفاق على اللوائح، أو اقتراعي يتعلق بقدرات المرشحين على النهل من خزان الكتل الناخبة.

وتشكو أحزاب حليفة تقليديا مع تيار المستقبل من التحوّلات القاسية التي طرأت على مزاج “المستقبل” وزعيمه. فقد تراجع تحالف التيار مع حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع ولم يتم هذا التحالف إلا في الدوائر التي تؤمن مصلحة انتخابية مشتركة.

وتأتي الشكوى نفسها من الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط الذي استطاع التحالف مع “المستقبل” بشق النفس في بعض الدوائر، فيما ذهب التيار إلى التحالف مع خصم لجنبلاط، وهو طلال أرسلان، في الجنوب بما يثير توترا في علاقة الطرفين.

ويملك تيار المستقبل كتلة من 35 نائبا في مجلس النواب اللبناني الحالي، وتقول بعض التوقعات إن أقصى ما يمكن أن يحققه في الانتخابات المقبلة لن يتعدى الـ25 نائبا.

ويقول النائب المستقبلي محمد الحجار إن كتلة المستقبل لن تبقى على نفس حجمها “لأنه عندما ارتضينا بقانون الانتخاب الجديد ارتضينا بأن ينخفض عدد كتلتنا النيابية لأن القانون النسبي يتيح التمثيل لجميع القوى، ولكننا نعمل لأن نكون الكتلة الأكبر في البرلمان المقبل”.

وتكشف بعض المعلومات عن إمساك نادر الحريري، ابن عمة الحريري النائب بهية الحريري، بملفات كثيرة داخل التيار بما في ذلك ملف الانتخابات، إضافة إلى أنه كان عراب المفاوضات التي جرت مع رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية جبران باسيل لإتمام الصفقة الكبرى التي أتت بميشال عون رئيسا للجمهورية.

وترى بعض المصادر أن عملية إعادة هيكلة للتيار جرت بعد حدث الاستقالة والعودة عنها في نوفمبر الماضي، وأن هذه الهيكلة غيّبت وجوها معروفة داخل التيار في مقدمهم رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة والوزير الأسبق أحمد فتفت.

وتلفت مصادر دبلوماسية إلى أن الحريري يستفيد من أجواء دولية تثني على دوره على رأس الحكومة اللبنانية وتحضر المناخات الدولية لعودته إلى ترؤس حكومة ما بعد الانتخابات.

وترى هذه المصادر أن المؤتمرات الدولية الداعمة للبنان في باريس وروما وبروكسل تمنح الحريري دفعة دعم واضحة أوروبيا، كما أن إشادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في بيان صادر عنه، “بالجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري”، بعثت بإشارات أميركية حول دعم واشنطن لزعيم المستقبل وحضوره داخل المشهد السياسي الحالي والمقبل في لبنان.