الأم نبع عطاء لا ينضب! 

تلك الأم التي قال فيها جبران خليل جبران: "الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوّة في الضعف، هي ينبوع الحنوّ والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمّه، يفقد صدراً يسند اليه رأسه، ويداً تباركه، وعيناً تحرسه".

تلك المرأة التى تختصر العالم أحياناً بكل ما فيه من فرح وحزن، اصبحت اليوم تُختصر بعيدٍ تحوّل مناسبة خرقاء، تعزّز الظلم الواقع على النساء كافةً وعلى الأمهات خصوصاً، لعيدٍ يكرّس الدور الاجتماعي المقيت الذي فُرِض عليها منذ الولادة بحكم الجنس والدور المسند اليها في مجتمع يتطور فقط لما يلائم الذكور من مصالح وامتيازات، ويمتقع أشد الامتقاع من مطالبة الإناث بحقوقهن ومساواتهن بحجج واهية أبرزها انهن خلقن ليصبحن أمهات وربّات بيوت فقط!!

لا ضير في دور الأمومة. بيولوجياً هي التي تحمل الطفل وتغذيه وترعاه، ونفسيّاً هي صاحبة الدور الأساسي في تكوينه النفسي السليم وفقاً للعالِم سيجموند فرويد. ولكن، من قال إن التربية الاجتماعية يجب أن تعنى فقط بالأم؟ أين دور الأب؟ ولما يُسمح للأمهات بالعمل خارجاً ولكن لا يسمح للآباء بالعمل داخلاً؟ من قال إن رعاية الطفل منذ الولادة وحتّى الوصول الى سنّ النضوج هي مسؤولية فرديّة تقع على الامهات من دون أي مساعدة؟؟

  إنه لأمرٌ مثير للغثيان أن نسمع ونقرأ ونرى كمّ العبارات والشعارات المستفزّة في كلّ مكان (الأم هي التى تربي، تعلم، هي الممرّضة، والجليسة، عاملة النظافة، المدرّسة، هي الشخص الذي يضحي بحياته من أجلك، هي التي تحضّر الطعام، وتنظف الأواني والمنزل، هي كل شيء، أي بمعنى أدقّ، فالاب لا يعنى في هذه الامور بأي شيء. ولا ننسى اليوم أنها باتت أيضاً المعيل للأسرة حتى ولو كانت غالباً معيلاً ثانويّاً، ليس لأنها تعمل لعدد ساعات أقل، وإنما لأن ارباب العمل يميّزون في الأجر فقط لأنها أنثى من دون حسيب أو رقيب...

    الأم هي إنسان ذات كينونة خاصة ولا تختصر بهذه الأعمال لكون الأب الذكوري (مع وجود بعض الاستثناءات المضيئة طبعاً) الذي يفتخر بعمله خارجاً، لا يقوم بشيء داخل منزله سوى الأكل وزيادة الغسيل والجلي والكوي...إلخ، رغم وجود كثير من الأمهات العاملات ولنفس عدد الساعات. غالباً هذا النوع المنتشر بشدّة من الرجال يرفض حتى الاعتناء بطفله/ته ولو لبعض الوقت حتى يتسنى للأم انجاز ما هو واجب على الطرفين المشاركة في إنجازه.

وفي النهاية يأتي عيد الأم هذا ليكرّس كل هذا الظلم تحت شعار التضحية والعطاء.

 عيد الأم ليس إلا تعزيزاً إضافياً للدور المفروض على الإناث منذ الولادة لأنهن إناث من غير مراعاة حاجاتهن البشرية الطبيعية للراحة وإثبات الذات والحرية والمساواة والمشاركة واللائحة لا تنتهي. وبالرغم من تقدّم البشريّة الا انها ما زالت تميّز جندرياً، وهذا التمييز هو احد اهم اشكال العنف ضد المرأة.

آن الأوان لتحرير عيد الأمّ من كل الموروثات البالية والنمطية الملصقة به، آن الأوان للكفّ عن استعباد المرأة المقنّع ونعطي الأم حقها ونكرّمها حتى ولو تكن آلة للعمل والتضحية التي تعلم الآخرين الكسل والاتكالية، فدور الام أعظم بكثير من كلّ ما ذكر، ومساعدة الزوج لزوجته في تقديم كل الخدمات والرعاية اللازمة لكل منزل وكلّ أسرة لن تزيدها سوى حبّاً وسعادةً ستنعكس على أسرتها. فهي كانت وستبقى مصدراً للحب اللامحدود واللامشروط.

كل عام وأنتن بخير.

(سارة البيطار)