لجوء قوى المعارضة السورية إلى تسمية رئيس لحكومة مؤقتة وانتقالية، ما كان ليحصل لولا التدخل والضغط المتواصل من جانب فرنسا وبريطانيا من جهة وتركيا وقطر والسعودية من جهة ثانية. لكن ما الذي يعنيه هذا القرار، وما الذي يضيفه إلى جدول الأعمال؟
في جانب ما، يعتقد رعاة المعارضة السورية أن الخطوة تتيح فرصة جديدة لإلزام قوى المعارضة بالتوحد. وإن آلية تشكيل الحكومة المؤقتة أو الانتقالية، سيفسح في المجال أمام توزيع مقبول للحصص على صعيد التمثيل من جهة وعلى صعيد الدور من جهة ثانية على جميع مكونات المعارضة. ويعتقد الرعاة أنفسهم أن تشكيل الحكومة المؤقتة سيحوّلها إلى عنوان يقصده من يريد التواصل الفعلي مع قوى المعارضة، بما في ذلك الفصائل الميدانية، ذلك أنه سيكون إطاراً عسكرياً وأمنياً وإنمائياً بهدف توحيد مصادر التمويل وطريقة توزيعها على الناشطين على الأرض. وإن هذه العملية ستقود تدريجاً نحو إجبار جميع قوى المعارضة السياسية والميدانية على التعاطي مع هذه الحكومة كأمر واقع؛ لأن القوى الممولة والمسلحة ستحصر دعمها بقناة هذه الحكومة فقط.
الأمر الثاني، يخص الدول الراعية ويتعلق بوضع سقوف مسبقة أمام أي وساطة تقوم بها روسيا والولايات المتحدة، سواء مباشرة مع الأطراف المعنية أو من خلال الموفد العربي – الأممي الأخضر الإبراهيمي، وذلك من خلال استغلال خطوة تشكيل حكومة مؤقتة لتحقيق الآتي:
ــ نقل مقعد سوريا في القمة العربية وفي مؤسسة الجامعة العربية وفي جميع المؤسسات العربية المشتركة إلى هذه الحكومة المؤقتة، وبالتالي إلزام جميع الدول العربية بالتعامل مع هذه الحكومة على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري.
ــ فرض نظام مساواة لناحية اعتبار أي محادثات أو حوار مع النظام يجب أن يكون على قاعدة أن هذا الأخير لا يمثل مؤسسة الدولة، بل إنه في أحسن الأحوال يتقاسم هذه الصفة مع الحكومة المؤقتة التي سيعمل على تثبيت حضورها ميدانياً في المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين المعارضين.
ــ اعتبار أن الشخصية القيادية الممثلة للحكومة الانتقالية، هي شخصية محورية، وأن أي خلافات بين أركان المعارضة على تسمية الشخصية القيادية لن يكون لها أي تأثير فعلي. وبالتالي، إن المشكلة المثارة بفعل الموقف الخاص لرئيس «الائتلاف» معاذ الخطيب، ستكون قابلة للحل على قاعدة أنه سيكون ملزماً بما تقرره هذه الحكومة، وأنه في حال إقدامه على مبادرة منسقة مع الأميركيين والروس ولم تكن تحظَ بتغطية الرعاة الآخرين، كما حصل أخيراً، فسيكون عرضة للمساءلة، وحتى لنزع الصفة التمثيلية عنه إن لم يأخذ الموافقة المسبقة على أي موقف أو طرح من هذه الحكومة.
ــ اختيار شخصيات هامشية لتولي المسؤوليات الظاهرة للعيان، على أن يترك للقوى أو الشخصيات الممسوكة مالياً وأمنياً وعقائدياً من جانب تركيا وقطر والسعودية أمر الإدارة التنفيذية، بما في ذلك وضع هيكلية للمجموعات الميدانية. وأحد أهداف هذه القوى إجبار تنظيم انخراط «جبهة النصرة» مع الآخرين بعد دفعها إلى التوقف عن العمل بصورة منفردة.
ــ محاولة فرض متغيرات ميدانية برعاية هذه الحكومة الانتقالية، وفرض معادلة جديدة على كل المعنيين، وخصوصاً الجانبين الأميركي والروسي، بغية عدم وضع سقف زمني أو سقف للمطالب لأي مشروع تسوية. ويأمل الأوروبيون، كما ثلاثي تركيا – قطر – السعودية، أن تنجح هذه الحكومة الانتقالية في فرض نفسها على الآخرين، وهم يظهرون استعداداً لرفع مستوى الدعم المالي والعسكري، حيث يؤدي ذلك إلى فرض وقائع ميدانية مختلفة على الأرض.
لكنّ ثمة أهدافاً أخرى تبدو حاضرة في المفاوضات الجارية بعيداً عن الضجيج، أهمها أن الثلاثي السعودي – القطري – التركي بات يتصرف على أساس أنه لن يقبل أي تسوية تُبقي بشار الأسد في قلب المعادلة، وأن فرنسا وبريطانيا تدعمان هذا التوجه، وأنه يجب فرض مجموعة ممثلين على النظام، ما يساعد على التخلص من مجموعة من مساعدي الأسد.
الأمر الآخر يخصّ تركيا بما يوضح الدور القذر الذي تؤديه اليوم في مناطق الشمال السوري. فهي تريد فرض وصايتها الأمنية والاقتصادية على كل هذه المنطقة، وأن تتولى برامج إعادة بناء الدور الاقتصادي والأمني هناك. كذلك فإنها تهتم بالوصول إلى نتائج عملية تتعلق بالأكراد في سوريا، من ضمن مسعاها للوصول إلى تسوية مع الأكراد عموماً ومع الحزب الذي يتزعمه عبد الله أوجلان على وجه الخصوص.
وبينما يراقب الجميع الخطوة العملانية التالية، فإن الوسطاء المفترض أنهم يتحركون على خط الحل السياسي، يعيشون اليوم أكثر اللحظات دقة وحراجة. فهم يظهرون استياءً من كون النظام لا يقدّم لهم التنازلات المفيدة في جذب الآخر إلى طاولة المفاوضات. وهم يعانون أصلاً من «الأدوار المنفوخة» التي تنسبها فرنسا وبريطانيا والسعودية وقطر إلى نفسها في هذا الملف. كذلك فإنهم يخشون عملية التدمير الممنهج لمناطق سوريا، التي تشارك تركيا فيها.
ولأنّ الجميع يعرف صعوبة التوصل قريباً إلى علاج، فإن النتيجة الأكيدة لخطوة تشكيل حكومة مؤقتة للمعارضة، هي جولة جديدة من العنف الدموي، التي لن تقود إلى تغيير جوهري في المعادلة السورية، بل سيكون ثمنها فقط الآلاف من الضحايا السوريين.