احتالوا على فادي وسرقوا أمواله: أراد تسويق مشروعه السكني.. وهكذا وقعت الكارثة!
 

تحت عنوان "إحذروا النصّاب والمحتال..." كتبت ساسيليا ضومط في صحيفة "الجمهورية": "جنّ جنون فادي، الذي يعمل في مجال البناء منذ عقدَين من الزمن بعدما تعرّض لعملية إحتيال كلفته ما جنى لسنوات طويلة. فقد عرّفه ابن عمه وصديقه على شاب شكر فيه ومدح، ونصحه بأن يتّكل عليه في تسويق مشروعه السكني الجديد. "عادة أنا لا أمنح ثقتي بسرعة لمَن أتعرّف اليهم، إلّا أنّ هذا الشاب بدا مميّزاً، غيرَ مهتمّ بكسب المال، وما شجّعني هو أنه يحمل ساعةً باهظة الثمن، ويتحدّر من عائلة معروفة، لكنه ضحك عليّ وسرقني، أخذ مالي من زبائني واختفى".

نصب، إحتيال، غدر، خداع، تزوير، تبييض أموال، شيكات بدون رصيد، غش، رشوة، إبتزاز، إنتحال شخصيات، كلها عبارات تطال مَن يستغلّ الغير والظروف بطرق غير مشروعة.

ترى ما هي مواصفات الشخص المحتال؟ ما هي تركيبته النفسية؟ كيف يتصرّف؟ كيف نحمي أنفسنا منه؟ ما هي المعاناة النفسية لضحايا عمليات الإحتيال؟ وما الذي يدفع إلى هذه الميول الإجرامية؟

إنه المحتال

تنتشر عمليات النصب في كافة المجتمعات، ولا يمكن أن نستثني أنفسنا مِن تعرّضنا لها، إذ قد يكون ذاك المزوّر على قاب قوسين منا دون أن ندري. لا يتساوى جميع مَن يقوموا بهذه العمليات، فمنهم مَن ينفذون نشاطهم في مجتمعات راقية، ويخفّ مستوى الهدف والناصب المالي تدريجاً.

ومنهم الأذكى، مَن يتمتع بالمهارات والحيل لجذب الغير، ويساعده المظهر الجميل واللائق، فيعمل منفرداً أو يكون رئيساً لعصابة من عدة أفراد، أما بقية الفريق، فأدنى مرتبة منه، يتواجدون معه داعمين، يصفقون له، يصادقون للضحية على خططه ويتقاضون جزءاً من الغلّة في نهاية العملية.

للمحتال مواصفات تساعده على القيام بفعلته وتسهّل مهمّته، فهو يهتمّ بشكله الخارجي، يظهر في المجتمعات حيث تتواجد ضحاياه، وهو في حال تنقّلٍ دائم حيث لا يتعرّف اليه مَن اعتدى على رزقهم سابقاً.

يتقرّب بشكل سريع وودّي من ضحيّته من خلال الدعوات والهدايا، وغالباً ما يصرّ على أن يدفع مبالغ لا بأس بها، متظاهراً بأنّ المال ليس هدفاً له. يتكلّم مع ضحيّته بشكل متواصل، ويتطرّق لموضوعات تخصّ الضحية وخصوصياتها، غير سامح لها بأن تسأله بالمقابل".

يتظاهر بعكس ما هو عليه فتراه هادئاً رصيناً حين يشعر بالتوتر والقلق. يحاول أن يؤثر في مشاعر الضحية ويسيطر على تفكيرها ويشتّت أفكارها. كما أنّ النصّاب يُقنع الضحية بأنه يستطيع أن يساعدَها، وبأنّ ما يتمكّن من القيام به مستحيل على أيِّ شخص آخر. يكرّر المحتال عباراتٍ معيّنة ويحلف دائماً لإثبات ما يقول.

أما نفسياً، فعيش المحتال هوس جمع المال وهستيريا مرضية تجاهه. أكثر ما يغويه هو موضوع عمليات نصبه، كما أنه يشعر بالدونية تجاه الأشخاص المتموّلين، فيسعى بكل ما له من قوى للتعدّي على رزقهم، خالقاً نوعاً من التوازن بينه وبينهم.

يعاني من تدنّي مستوى العاطفة والإنسانية، القيَم والمبادئ والأخلاق، لا يحب العلاقات الإجتماعية، عدواني، ومستعدّ لارتكاب جريمة في حال انكشف أمره. لديه ضعف في الإنتماء للعائلة والوطن، فهو جاهز للفرار والسفر بعد الإستيلاء على مبالغ طائلة من المال بطرق غير شرعية. لا يشعر بالذنب ولا يفكّر بجني المال بعرق جبينه، فالمال الحلال لا يجذبه.

كيف نحمي أنفسَنا؟

يغتصب الشخص المحتال رزقنا وعواطفنا وخصوصيّاتِنا لكنّ جزءاً كبيراً من المسؤولية يقع علينا، إذ نسمح له بذلك. بداية علينا التنبّه للشكل الخارجي للأشخاص الذين نحتك بهم، ونمهل أنفسنا وقتاً قبل منحهم الثقة التامة، كذلك علينا التنبّه والحرص على أمورنا الخاصة، خصوصاً المالية منها، بالإضافة إلى عدم التباهي بمقتنياتنا. والأهم من كل ذلك، لنلجأ إلى الطرق والأوراق القانونية قبل إتمام أيِّ عملية.

بعد التعرّض للخسارة جراء الإبتزاز والغش، تشعر الضحية بعدم الثقة بالنفس وبالغير. تميل إلى الحزن وقد تصل إلى مرحلة الإكتئاب، بعد رفض تصديق ما قد حصل، هذا بالإضافة إلى القلق والتوتر الشديدَين محاوِلةً استرجاعَ ما أضاعته. كما قد تعاني من صدمة نفسية عاطفية، تحتاج معها للعلاج من قبل إختصاصيين نفسيين.

يقوم مَن يعتدون على ممتلكات وخصوصيات الغير بسلوكيات مرفوضة، سلبية وغير إنسانية، إلّا أنّ تجنّبَ هؤلاء الأشخاص لا يكفي، فهم يشوّهون عائلاتنا ومجتمعنا، ويقومون بالجرائم بحقّ الجميع.

هؤلاء الأشخاص يتحدّرون من عائلات معيّنة، وهنا بيت القصيد، حيث إنّ سببَ هذا الإنحدار قد يكون إهمالاً من أفراد عائلاتهم، جوعاً وعطشاً للحب، كما قد يكون هروباً من ضغوطات ومعاناة وصراعات داخل جدران تلك البيوت، هذا إذا لم نذكر الإدمان والعنف والتحرّش الجنسي وغير ذلك من آفات إجتماعية.

صحيح بأنه من الموجب تأهيل الأشخاص المحتالين من خلال العلاج النفسي، ولا بدّ من فرض قوانين وأنظمة لردعهم، لكنّ الأهم هو الإلتفات إلى الأجيال التي تنمو في غياب الأهل، في ظلّ انشغالاتهم الكثيرة، أو انفصال الأبوَين أو تعنيف أحدهما الآخر، وربط كل هذه الظروف بالنتيجة التي يدور حولها هذا المقال.