من فوجئ أكثر، خلال اللقاءات التي عقدها السيّد حسن نصرالله مع مسؤولين فلسطينيين مخوّلين من قياداتهم، بالوضع الفلسطيني العام والشعبي أساساً، وبالحالة العربية العامة تالياً؟

بداية، حصول اللقاءات بحدّ ذاته مهم جداً، فهي ضمّت السيد حسن نصرالله مع مسؤولين ـــ كل منهم على حدة ـــ من: «فتح» و«حماس» و«الجبهة الشعبية»، و«الجبهة الديموقراطية» و«حركة الجهاد» (ولم يلتقِ السيّد نصرالله ممثلاً عن الجبهة الشعبية – القيادة العامة لأنّ العلاقات قائمة والتنسيق بينهما متواصل خصوصاً في كل ما يتعلّق بسوريا). أهميّة اللقاءات أنّها جاءت بعد انقطاع وصل إلى حد القطيعة في بعض الحالات مع الفصائل، منذ حوالى ست أو سبع سنوات. «الحروب السورية» حفرت عميقاً في هذه العلاقات، وامتد كل ذلك إلى إيران التي انقطعت علاقاتها خصوصاً مع «فتح» و«حماس» إلى درجة الطلاق والحصار المالي، رغم كل خطابات إيران الحماسية عن فلسطين واستمرار الارتباط تأكيداً لإسلاميّة الثورة الإيرانية رغم التباعد السنّي – الشيعي.

الصراحة كانت «سيّدة» الحوار خلال كل لقاء من اللقاءات الخمسة التي كانت تصل مدة كلّ واحد منها أحياناً إلى سبع ساعات. في هذه الحوارات التي يبقى الكشف عن وقائعها جزئياً أو أحادياً لأنه من جهة واحدة وليس من الجهتين، تأكد «عمق الإحباط الفلسطيني الشديد، فالشارع الفلسطيني الذي بدا وكأنه دخل مرحلة الانتفاضة الشعبية الضخمة بعد قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان مجرّد شعلة غضب سرعان ما انطفأت. ذلك أنّ أكبر التظاهرات لم تضمّ سوى ما بين 200 إلى 300 متظاهر. كان لدى الشباب الفلسطيني الذين خرجوا أو كانت لديهم الرغبة بالخروج إلى الشارع القلق من أن يتم استغلال تضحياتهم في تسويات لا علاقة لها بهم جملةً وتفصيلاً».

هذا العرض جاء دائماً بعد أن كان السؤال الأساسي للسيّد حسن نصرالله لمحاوره: «ماذا عندك وماذا أنت (كفصيل) قادر على فعله؟». هدف نصرالله كان أساساً محاولة من قائد عسكري وأمني وسياسي، رسم خريطة للوضع الفلسطيني، لذلك فإن السيّد كرر: «ماذا يمكنكم أن تفعلوا ونحن ندعمكم؟». لم يطلب من أي فصيل شيئاً محدداً. ولا شك أنّ طوفان اليأس الفلسطيني بسبب انعدام القدرة وفقدان الرغبة الشعبية والشعور العميق، بأنّ الفلسطيني يتيم عربياً في هذا الظرف رفع منسوب العجز. وقد سمع السيّد نصرالله مرات عدّة قول الفلسطينيين بأنّه «لا توجد حرب أو صدام شعبي واسع ولا رغبة بالحرب ولا حاضنة شعبية حالياً لمثل ذلك».

ويبدو أنّ «النقل اكتمل بالزعرور» كما يقول المثل الشعبي، عندما سمع الفلسطينيون من السيد حسن نصرالله بأنّه «يدعمهم سياسياً ومادياً وجماهيرياً، لكنه لن يذهب إلى حرب مع إسرائيل إلا إذا هاجمتنا»، أي أنّه ليس مستعداً لشن حرب بقرار ذاتي. لذلك كلّه لم يطلب السيّد من الفلسطينيين كما لاحظوا أي شيء عن استعداداتهم لخوض حرب إلى جانبه طالما أنّ خيار الحرب ليس مطروحاً. لكن ذلك لم يمنع السيّد نصرالله من القول وكأنّه يعمل على إخراج العلاقات المستقبلية مع الفلسطينيين من «الحالة العربية» التي ضربت العلاقات الفلسطينية مع الحزب وضمناً مع إيران، بأنّ «حزب الله» لم يعد له دور في العراق، وأنّ الحرب في سوريا دخلت مرحلة الانتهاء (التي وإن طالت سنة أو أكثر فإنها لم تعد متطلّبة كما في السنوات السابقة) وأنّه لا نيّة لدى الحزب بالتوجّه والانخراط في اليمن لأنّ الحزب غير موجود هناك (كما في العراق وسوريا).

لا شكّ أنّ السيّد حسن نصرالله أصبح يملك خريطة تفصيلية عن الحالة الفلسطينية، وبما يملك من اطلاع شامل وعميق على الوضع اللبناني، يعرف جيّداً أنّ الاستعداد للحرب في مواجهة عدو مثل إسرائيل واجب. بينما التهديد بالمواجهة جزء من الحرب النفسية التي تردع ولا تخيف، تحافظ على الجهوزية النفسية، هذا في الجزء الخاص من الخريطة بلبنان، فماذا عن الجزء الفلسطيني؟

لا شك أنّه يجب العمل على ترميم الحالة الفلسطينية، ولذلك فإن ضخ جميع مستلزمات الصمود الشعبي مقدّمة ضرورية ولازمة للانتقال إلى النهوض الشعبي. ومن المهم أن يخرج الفلسطينيون من حالة «اليتم» عربياً، وأن لا تكون العلاقة مع إيران أسيرة الوضع السوري والانشداد المذهبي، فالفلسطينيون مهما قدّموا تنازلات للحصول على المساعدات، لا يمكنهم أن «ينسلخوا عن سنّيتهم».

وقد أكدت تجربة السنوات الماضية أنّهم رغم الحصار والانفصال خصوصاً من إيران فإنهم لم يتخلّوا عن انشدادهم العربي – السنّي.

استعادة الجسم الفلسطيني لعافيته لن تكون غداً، لذلك لا يمكن لفترة طويلة تحميله أكثر مما يمكنه أن يحمل ويتحمّل، حتى «لا ينكسر ظهر هذا الجسم طويلاً».