بعيدا عن الخطابات الديماغوجية، على الداعين إلى رحيل اللاجئين السوريين من لبنان أن يدركوا أن ضرر مغادرتهم أكثر من نفعها، وأنهم اليوم -أكثر من أي وقت مضى- جزء أساسي من اقتصاد لبنان الهش، حسب ما جاء في صحيفة فرنسية.

في بداية مقالها بصحيفة "أوريان 21" قالت الكاتبة روزالي برتيي إن لبنان باستيعابه لهذا العدد الكبير من اللاجئين الذين يمثلون اليوم ربع سكانه، وذلك رغم اقتصاده الصغير وإمكاناته المحدودة؛ يستحق الإشادة والمساعدة.

اقتصاد اللاجئين
صحيح أن هذا التدفق الهائل للاجئين السوريين مثّل مصدر ضغط في مجالات الأمن والإدارة والتعليم والنقل والخدمات كتوفير الماء والكهرباء، لكن السياسيين اللبنانيين جعلوا من هذا الوجود السوري كبش فداء يلقون عليه باللوم في جميع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لبلدهم، ولا سيما ركود الاقتصاد وتدهور البنى التحتية العامة، وهو ما اعتبرته برتيي منافيا للحقيقة على الأقل من وجهين:

أولا- لم يتسبب وصول أكثر من مليون لاجئ سوري إلى لبنان منذ العام 2011 في بزوغ مشاكل جديدة بقدر ما فاقم مشاكل كانت موجودة أصلا نتيجة عقود من الحكم السيئ والسياسة الاقتصادية الفوضوية.

ثانيا- يميل هؤلاء السياسيون إلى المبالغة في التأثير السلبي لوجود اللاجئين وإخفاء جوانب هذا الوجود الإيجابية.

وثمة غموض بشأن عدد اللاجئين السوريين في لبنان، وإن كانت المفوضية العليا للاجئين قدرت عددهم بمليون نسمة في تشرين الأول 2017، فإن الحكومة اللبنانية تقول إنهم يتجاوزون 1.5 مليون.

تضخيم وتجاهل
ولا يمكن تسوية أي من هذه الأمور عبر مجرد عودة اللاجئين إلى بلدهم، بل إن أي تقدم سيعتمد على تسوية الصراع السوري وعلى الانتعاش الاقتصادي المحلي الذي لم يتحقق بعد، على حد تعبير برتيي.

لكن الكاتبة أقرت بأن اللاجئين السوريين أثروا بالفعل على سوق العمل، إذ وفروا يدا عاملة متخصصة رخيصة نسبيا، مما جعل رواتب اللبنانيين العاملين في مناطق تواجد اللاجئين تنخفض إلى النصف في بعض الأحيان. لكنها لفتت إلى أن ثمة واقعا آخر مهما ينبغي أخذه في الاعتبار، وهو أن سوق العمل اللبنانية لم تكن على ما يرام حتى قبل اندلاع الصراع السوري.

وحذرت الكاتبة من أن طرد السوريين بشكل جماعي سيحرم لبنان في نهاية المطاف من الدعم الذي يحتاجه وهو يواجه أصلا وضعا غير مستقر هو وحده المسؤول عنه، وستتوجه مساعدات المانحين والخدمات التي تقدمها إلى المناطق التي سيصبح فيها السوريون، ويمكن أن يؤدي انخفاض رأس المال إلى خلق تحديات مالية جديدة للبلاد.