وقفتُ كثيراً عند تلالِ الواقع - أو انعكاساتِ وهمه في دواخلنا – في مسألة سوريا وعلائقها المستعصية في جسد العقل المثقف العربي اليوم ... هل حقاً أَن ما يحدث هو مخطط تخريبي ذي اجندة أمريكليجية أم أَنها ثورة شعب مُضطهد ؟!

وأَين أَضع النظام " الأسدي " في هذه المعادلة الشائكة اليوم ... لا شك أَن الناظر في المتابعين للوضع السوري ... يجد أَنهم حزبين مختلفين , فهناك قسم مؤيد للنظام مقابل " الثورة المؤمركة كما يراها " وآخر هو ضد النظام " الشيعي المتوغل في إقصائية الاخر" ...

والناظر في عمق المسألة سيجد تعميمات مهولة لدى كلا الطرفين ! ... فبينما الأول ألغى الخيار الشعبي السوري الخارج ضد نظام " فاسد / قمعي " ... الثاني حول نقاط الخروج والثورة على النظام " لتشيعهِ العقائدي" !

وهذا ليس هو الرأي السوري الداخلي ... ولكن كل 
إعلام طرف هذا ما ينشره ضد الآخر.

لن أَقف هنا محايداً ... ولن أُبرر أَخطاء فريق لحساب الآخر ... ولكن قبل الشروع علي أَن أُعطي ذاتي مسلمات:

أولاً : النظام السوري " الأسدي " نظام فاسد ... وقد أذى الشعب الفلسطيني في لبنان جداً ... وكذلك عانى منه الأحرار وأَصحاب الأصوات العادلة – من شعبه – الويلات ... ولطالما كان مستبداً إقصائياً ظالماً

ثانياً : أَمريكا لا تفعل شيء لوجه " الخير " – أَقصد هنا الحكومة وأصحاب القرار السياسي – وهي وجه بشع للأمبريالية السافرة في عالمنا المعاصر ... وتبجحاتها في قضايا حقوق الأنسان والديمقراطية والعدالة الكونية ... الخ / هي أَضحوكات فارغة...

ثالثاً : القتل المتعمد لكل إنسان بريء ... وتخريب الممتلكات العامة ... وترويج ثقافة التطرف والأصولية الدينية ... ومحاربة التراث التنويري في تاريخنا ... مرفوض بالنسبة لي وبشدة ... وغير مبررة تحت أي ذريعة

رابعاً : " إسرائيل " , رأس الأفعى في هذا العالم ... وهي كيان قائم على كره المحيط العربي من حولها ... ومخططاتها الداخلية القضاء على كل شكل من أَشكال الخطر " الأمني " الذي يُحيط بها...

خامساً : الطائفية , والعنصرية , وارتفاع التفرقة على أُسس دينية / مذهبية / حزبية ... وجه جلي من أوجه الرجعية الفكرية والثورية وغير مبررة بتاتاً

بعد كل هذه القناعات التي أَراها في ذاتي ... ولأكون واضحاً وغير منافق في هذه الأبعاد ... أقول/

إنّ ما يحدث في سوريا اليوم هو ضربٌ من القمع السلطوي لشعبٍ قام من أجل المطالبة بشيءٍ من حقوقهِ " العادلة " ... ولم تكن الثورة " السورية " في بدايتها مؤمركة ضد " نظام مناضل مقاوم !!!! " ... والواقع والتاريخ يشهد بتردي المساندة السورية للقضية الفلسطينية ! ... وأَنهُ نظام قام على عنصرية مهولة ... تأخذ من إلتفات المخلصين لمذهبيتهِ سياجاً لاستمراريتهِ وبقاءه..

ولكن هذا لا يُلغي أَن الثورة قد داخلها الكثير من الشوائب ... وكان السبب الأساسي فيها ... هو القمع السلطوي لها ... وما فعله بشار من جرائم فادحة في المتظاهرين " السلميين " من شعبه ! ... وهذا ما شجع أُناس لا يريدون الخير لسوريا أَن يجدوا متنفس لهم في صفوف الثورة...

إذاً هناك أَخطاء " خارجية " لا تمت للحضارة السورية العريقة بصلة ... خارجة من صفوف " أُناس مدفوعين " في صفوف الثورة السورية ... هدفها الأصلي العمل على تخريب النقاء الثوري لأبناء سوريا...

وهذا ما استثمرهُ النظام لصالحهِ ... لتجيش الرأي العام ضد منتقديه ... وهذا ما أوقع الكثير من " اليسار الشرفاء " في فخ المؤامرة الأمريكية على سوريا ! ... من خلال الخليج ومتطرفي الأصولية الإسلامية – رغم عدم أَنكاري لها – ولكن أَمريكا والخليج لم يجدوا متنفس حقيقي لهم الا بسبب الدموية " البشارية " ضد نظامه...

مما أَدى إلى تنقية " النظام ! " من دمويتهِ واستهتاره بأدنى مقومات الحرية المواطنية لشعبه ! ... وذلك بسبب خوفهم من أسلمة الحكم في سوريا ... وإعطاء " إسرائيل " الضوء الأخضر في ارض سوريا ! ... ونزع الأوسمة الإلهية على نقاء النظام السوري ونضاله ضد " إسرائيل" !!!

في حين أَن هذا النظام لم يكن مناضلاً بهذه الأسطورة ... حتى أنهُ لم يستطيع إرجاع أرض الجولان من أَحضان " إسرائيل " !! ناهيكَ عن أَن يدافع عن فلسطين!!

إذاً من حق كل شعب أَن يطالب بحياة شريفة عادلة ... وأَن يتمتع بحقهِ بالديمقراطية والحرية والكرامة كمواطن ... وهذا ليس ترفاً من قبل الحكومة بل واجب عليها تنفذه على أكمل وجه ... وهذا ما لا يستطيع زاعم من جبهة الموالين للنظام السوري أَن يدعي توفره للشعب السوري...

وعلى النقيض من يُبرر " للمعارضة ككل " جميع سلوكياتها ... والتي أَحياناً تكون غير مبررة ... بل وإجرامية ... مثل التعرض للممتلكات العامة وقتل الأبرياء ... وهذا كله مرفوض ... فنحنُ نريد ثورات تتوج بمبادىء انسانية راقية ... ونظم حكم توفر معاني المواطنة الحديثة لشعوبها ... بغض النظر عمن يوفر هذه المبادىء وما هو منهجه الفكري والإيديولوجي .... فالعدالة / المساواة / الحرية / الكرامة هي المتتالية الأهم لنا ... وخلفيات مطبقها لا تعنينا إلا أذا تداخلت مع هذه القيم سلباً وإقصاءً