في اطار حملة مكافحة الفساد في السعودية، تعتزم المملكة استرداد اموال اشخاص تتهمهم بالفساد من الخارج. فهل تسمح الانظمة المالية المتبعة في لبنان بالتجاوب مع اي مطلب سعودي في هذا الخصوص؟ والى اي حد يمكن للتحويلات اللبنانية من السعودية ان تتأثر بهذا المناخ؟كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن خطط للسلطات السعودية تهدف إلى مصادرة أرصدة وأموال تابعة للمحتجزين بتهم ​الفساد تبلغ قيمتها ما يقارب 800 مليار دولار.

ولفتت إلى أن «السلطات السعودية​ تعتزم مصادرة مبالغ تتراوح بين 2 و3 تريليون ريال أي ما يعادل نحو 800 مليار دولار»، مشيرا إلى أن «كافة الأرصدة المصادرة من المعتقلين بتهمة الفساد ستصبح ملكا للسعودية».

وأشارت إلى أن «حملة ​مكافحة الفساد​ في السعودية أدّت إلى اعتقال أكثر من 60 شخصا، من بينهم أمراء وموظفون ورجال أعمال ومسؤولون رفيعو المستوى»، ​مضيفة​ أن «البنك المركزي​ السعودي جمّد حسابات مصرفية للأشخاص المتهمين، لكنه لم يوقف عمل شركاتهم».

واعتبرت الصحيفة أن «هذه الخطوات هي بداية لحملة اعتقالات واسعة تهدف إلى اجتثاث الفساد من السعودية»، مشيرة إلى أن «التحقيق لا يزال جاريا في مراحله الأولية»، وأن «جزءا كبيرا من تلك الأرصدة يُحتفظ بها في الخارج، الأمر الذي سيعقّد محاولات إعادة الأموال إلى السعودية».
وأفادت أنه «سيكون في مقدور السعودية تجاوز صعوبات مالية تواجهها، في حال استطاعت الحصول ولو على جزء يسير من هذه الأموال».

الارصدة الموجودة في لبنان

حيال هذه التطورات، هناك سؤال بدأ تداوله في الاوساط اللبنانية، وهو يتمحور حول ما اذا كانت الانظمة المالية اللبنانية تسمح بالتعاون مع المملكة لاسترداد الاموال في حال طلبت ذلك؟ وما سيكون تأثير ذلك على الاقتصاد وعلى حجم التحويلات؟

يجزم الخبير القانوني بول مرقص انه يحق للسعودية اليوم استرداد اموالها من لبنان، وشرح ان القانون 44 تاريخ 24 /11/ 2015 أُقر في جلسة تشريع الضرورة، وأُدرج جرم الفساد ضمن جرائم تبييض الاموال حسب المادة الاولى من القانون، وتكرّست كجرم من جرائم تبييض الاموال حتى ان هذا القانون جاء كتكريس للتعديل الاخير الذي لحق بالقانون 318 الصادر عام 2001 الخاص بمكافحة تبييض الاموال والذي جرى تعديله لاحقا، واتاح لهيئة التحقيق الخاصة لمكافحة تبييض الاموال في مصرف لبنان ان تتلقى من السلطات الاجنبية لا سيما من نظيراتها في العالم ولا سيما من وحدة الإخبار المالي من السعودية ان تتلقى اي طلبات للاستعلام عن وجود اي حسابات او موجودات بلبنان للاشخاص المتهمين بالفساد وصولا الى تجميد موجوداتهم ووضع اشارة منع تصرّف على العقارات.

كما يحق للدولة التي تخاطب لبنان ان تطلب استرداد هذه الموجودات لصالح الدولة المستعلِمة عن ذلك، شرط ان يكون هناك تحقيقات جدية. كما يحق لهيئة التحقيق الخاصة ان تستعلم عن صحة وجود هذه التحقيقات والى اي مرحلة وصلت، حتى تتجاوب الهيئة مع هذا الطلب.

ولفت مرقص الى ان هذه التدابير لا تطاول الشركاء في شركات حتى لو كانت هذه الشركات لا تملكها هذه الشخصيات المتهمة، بمعنى ان طلب التجميد من السلطات السعودية لا يطال الشركات ولا الشركاء. فعلى سبيل المثال اذا كان لدى احد المتهمين حسابات في المصارف اللبنانية افراديا يمكن تجميده.

ورداً على سؤال، اكد مرقص انه يمكن للسعودية ايضا ان تسترد اموالها من مختلف دول العالم، رغم تفاوت الانظمة القانونية بين دولة واخرى.

غبريل

وفي السياق نفسه يُطرح سؤال أخر، اذا ما كانت التحويلات اللبنانية من السعودية ستتأثر بما يجري؟

الخبير الاقتصادي نسيب غبريل شرح لـ«الجمهورية» ان من المفترض ان يتأثر لبنان ايجابيا بحملة مكافحة الفساد خصوصا انها تستهدف الرؤوس الكبيرة .

اما عن التحويلات، فأوضح انها تصل الى لبنان من مغتربي كافة انحاء العالم بمعدل 7 مليارات و200 مليون دولار سنويا والتوقعات ان تصل في العام 2017 الى 7 مليارات و 900 مليون دولار، بما يعني ان هبوط اسعار النفط وتراجع سعر الصرف في بعض العمولات في بلدان افريقيا لم يؤثر على حجم تحويلات المغتربين اللبنانيين الى لبنان.

وعزا غبريل الأسباب الى عوامل عدة منها ان اللبنانيين المغتربين هم متعلمون اي اصحاب شهادات ويتمتعون بالخبرة ويتوظفون في مراكز ادارية متوسطة او مرتفعة، كما ينتشرون في كافة انحاء العالم وليس فقط في الدول المنتجة للنفط، بل من اوروبا ايضا حيث اقتصاد بعض بلدانها الى انتعاش.

وأشار الى ان تحويلات المغتربين الى لبنان لغاية اليوم لم تتأثر، لكن ما يؤثر على ميزان المدفوعات هو تراجع الاستثمارات الاجنبية المباشرة التي هبطت من نسبة 15 في المئة من الناتج المحلي في الـ 2008 الى اقل من 5 في المئة في العام 2016، بسبب عدم وجود رؤية طويلة الامد واستراتيجية عملية لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى لبنان وعدم وضع لبنان على الخريطة التنافسية لاستقطاب هذه الاستثمارات. من هذا المنطلق، طالب غبريل بضرورة تحسين المناخ الاستثماري وتطوير بيئة الاعمال في لبنان.

ومن العوامل المؤثرة ايضا على ميزان المدفوعات هو تراجع واردات الصادرات الناتجة عن اغلاق الحدود البرية بسبب الحرب الدائرة في سوريا، وعلى سبيل الذكر فقد تراجعت الصادرات هذا العام فقط بنسبة 5 في المئة لغاية ايلول، الى جانب تراجع الواردات السياحية مقارنة
مع العام 2010.