استقبل الوسط السياسي اللبناني الاستقالة المفاجئة لرئيس الحكومة سعد الحريري بمواقف تباينت في تفسيرها للاستقالة وتحديد أسبابها تبعاً لتباين المواقف السياسية من العناوين التي طرحها الحريري كأسباب لخطوته. إلاّ أن المواقف أجمعت على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الأمني والاقتصادي.

وكان رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط أوّل المعلّقين على إعلان الحريري استقالته، وغرّد على «تويتر» قائلاً: «بصراحة فإن لبنان أكثر من صغير وضعيف ليتحمل الأعباء الاقتصادية والسياسية لهذه الاستقالة. كنت وسأبقى من دعاة الحوار بين السعودية وإيران ومهما كانت الصعوبات فإن التضحية من أجل الحد الأدنى من الوفاق والحوار يجب أن تكون الأساس من أجل لبنان. أما حياة المرء فمرهونة بالأقدار». وأضاف: «ألم تسمعوا بالآية الكريمة «يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة». واجب الخدمة العامة فوق كل اعتبار وما من يد سحرية لتنقذنا. نحن القضية. وعلى هذا نتابع المسيرة مدركين صعوبتها وتعقيداتها، لكننا نقول للقاصي والداني نحن أصحاب البيت والقضية وعليه نتوكل على الله ونتابع واجب خدمة البلد».

وأكّد الرئيس ميشال سليمان على تويتر: «دخلنا في نفق يحتّم على جميع السياديين رصّ الصّفوف. لبنان وشعبه يستحقان التضحية».

 

«المستقبل»:دعمنا الكامل للحريري

وعقدت كتلة «المستقبل» النيابية اجتماعاً استثنائياً برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة، وتداولت باستقالة الحريري وحيثياتها، وأكدت «تأييدها ودعمها الكاملين له ولمواقفه».

واعتبر وزير العدل سليم جريصاتي أن «الاستقالة ملتبسة ومرتبكة ومشبوهة في أربعة: التوقيت والمكان والوسيلة والمضمون». لكن رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل طلب إثرها من «المسؤولين في التيار والوزراء والنواب والقياديين بضرورة التزام الصمت وعدم التعليق على استقالة الرئيس الحريري حالياً».

ورأى ​وزير العمل​ محمد كبارة أن «استقالة الحريري​ قرار جريء وهو استعاد زمام مبادرة ​لبنان​ العربي»، معتبراً أن «الحريري وضع حداً لكل ممارسات ​إيران​ الخاطئة»، فيما أكد وزير الدولة لشؤون النازحين ​معين المرعبي​ «أننا نرفض تدخل أي أحد في الشأن اللبناني وخصوصاً من الإيرانيين».

وقال النائب مروان حمادة: «كان لا بد من أن يقف الرئيس الحريري باسمنا جميعاً ضد المنحى الذي أخذته أحداث لبنان بعد سنوية انتخاب الرئيس ميشال عون. اتفقنا على شيء ووصلنا إلى شيء آخر. وخطاب القسم كان متوازناً لكن الممارسة أخذت تهز اتفاق الطائف». وأكد أن «الحريري حاول وانتقد على ذلك وخسر من شعبيته لأنه كان يساير، لكن طفح الكيل معه. واستشم أنه معرّض لأي شيء أمني». ولفت إلى أن «ما قيل عن ربط نزاع مع حزب الله بات ربط نزاع مع رئاسة الجمهورية التي انحازت عن الطريق الوسطي». واعتبر أن الحريري «يضع خطاً أحمر أمام التمدد الإيراني».

وأكد رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون أنه «على رغم أننا كنا غير متَّفقين مع الرئيس الحريري على بقائه في الحكومة إلا أن استقالته اليوم قد توصل البلد إلى وضع من الحيرة التي يصعب معها التنبّؤ بالنتائج وهذا أمر غير مريح». وأمل من المجتمع الدولي «وضع حد للتدخلات الإيرانية غير المقبولة في دول المنطقة».

ورأى النائب ​بطرس حرب​ أن «الاستقالة شكَّلت صدمة مفاجئة للبنانيين والعالم، إن بحيثياتها أو بتوقيتها أو بالمكان الذي أعلنت منه»، معتبراً أنها «أدَّت إلى خلق جو ينذر بتشنّج سياسي نتيجة سقوط التسوية- الصفقة التي سمحت بتشكيل الحكومة في نهاية 2016، وإلى انقسام عمودي حاد في البلاد، كما تنذر بأزمة حكومية طويلة». وأمل بـ «ألا تتحوَّل إلى أزمة حكم». ولفت إلى أن «الأمر الإيجابي الوحيد لهذه الاستقالة أنها عرقلت الكثير من الصفقات المشبوهة».

وقال عضو «كتلة المستقبل» النائب السابق مصطفى علوش أن «الخطوة مفاجئة ولو أنها غير مستغربة، لكن لم يكن هناك نقاش في الموضوع في هذه اللحظة بالذات وكان هناك نقاش عام في المكتب السياسي في تيار المستقبل والمحيطين بالرئيس الحريري بأن هذا الخيار موجود في لحظة من اللحظات في ظروف معيّنة ولم تكن الاستقالة واردة بالشكل التي تمت فيه».

وعن عودة الحريري من السعودية بأجواء أوحت بالإيجابية بعد زيارته السابقة، أجاب: «الحريري أتى بنفحة من التفاؤل وكانت هناك مقترحات معينة تمت مناقشتها مع بعض المعنيين على الساحة اللبنانية، لكن يبدو أن اللقاء مع مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي ولايتي كان الشعرة التي قصمت ظهر البعير. وأعتقد أن الرئيس الحريري فهم من ولايتي أن الاعتداء المتمادي من قبل ايران من خلال حزب الله سيستمر ونعرف أن ولايتي لا يحمل أخباراً سارة لا للبنان ولا للمنطقة».

واعتبر عضو «كتلة القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا أن «الحريري أوصل بالإحراج السياسي والإداري إلى نقطة اللاعودة، أُحرج فأُخرج، بمعنى أن ولايتي أعلن من السراي الكبيرة أنكم جزء من محورنا وانتصاركم على الإرهاب انتصار لخط المقاومة». وقال: «للمرة الأولى يصدر موقف ايراني بهذا الشكل من السراي الحكومي». وأشار إلى أن «هناك مواقف تراكمت وجرت محاولة وضع اليد على سياسة الحكومة العامة وسياسة لبنان وإلحاقه بهذا المحور إلى حد لم يعد يُطاق وتجاوز أُسس التسوية السياسية الذي انطلق معها العهد وهذه الحكومة، وبالتالي وجد نفسه في مكان لا يمكن معه تحمل كل هذا التجاوز».

وأضاف: «بموجب الدستور ستحصل استشارات لتكليف رئيس جديد ولا أعرف من سيجرؤ في ظل الوضع القائم على تولي هذه المسؤولية مكان الرئيس الحريري وإن كانت غالبية نيابية ستسميه، أظن أن مأزق تشكيل الحكومة سيستمر أشهراً لأن الصراعات السياسية التي ترجمت داخل الحكومة وخارجها ليس سهلاً تجاوزها».

وعن الانتخابات النيابية، أكد أنه «بالإمكان إجرائها حتى في وجود حكومة تصريف أعمال، هذا عمل إجرائي عادي، يستطيع رئيسا الجمهورية والحكومة ووزراء المال والداخلية والخارجية أن يوقعوا مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في مواعيدها وكل التحضيرات اللوجستية واردة إذا تم تجاوز اعتماد الهوية البيومترية المستحيل اعتمادها في هذه الانتخابات».

ولفت عضو حزب «الكتائب» النائب ايلي ماروني إلى أن «توقيت استقالة الحريري فاجأنا»، مشدداً على «ضرورة التريّث للاطلاع فعلياً منه أو عبر أوساطه عن الأسباب الحقيقية لاستقالته». واعتبر أن «الحكومة لم تكن حكومة وفاق».

وقال النائب فريد الخازن إن «العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس الحريري جيّدة ولا خلاف بينهما. ولا أعتقد أن الاستقالة لها علاقة بتحمل الرئيس عون بشكل غير مباشر مسؤوليته عن الاستقالة عندما دافع في الندوة الاخيرة عن سلاح حزب الله». ولفت إلى أن «أنه أعلن عن استقالته من السعودية وكلنا نعرف الوضع الإقليمي والاشتباك المتجدد، وأهم ما في الأمر أن المصلحة اللبنانية تقتضي الفصل بين المحاور الإقليمية والمصلحة اللبنانية». وعن موقف «تكتل التغيير والإصلاح»، قال: «قبل الحوار المباشر بين الرئيسين من المبكر أن نقول أن هناك خطوات معيَّنة ستتخذ، وسنرى إذا كان الرئيس الحريري سيعود إلى لبنان أو لا. يجب أن يكون هناك تواصل مباشر بين الطرفين ولا يمكن أن يكون الكلام بالبيانات الرسمية». وقال: «لا أخطار أمنية على لبنان».

واعتبر عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ​علي خريس،​ أن «إلاستقالة في هذه المرحلة تحدث إرباكاً كبيراً في البلد ولم تكن في محلها»، لافتاً إلى أن «الموضوع الأمني خط أحمر».

وفيما أشار الوزير السابق ​مروان شربل​ إلى أن «أهم تداعيات الاستقالة هو ​قانون الانتخاب​، وإذا لم تشكل حكومة قبل رأس السنة، هناك تمديد حتمي للمجلس النيابي»، أوضح الوزير السابق زياد بارود: «دستورياً لا شيء يمنع حكومة تصريف الأعمال من تنظيم الانتخابات ولكن أشك في أن تمكّن وزارة الداخلية من إتمامها».

ورأى المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، خلال جلسته برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، أن «خبر الاستقالة يدعو إلى القلق». وشدد في بيان «على ضرورة وحدة اللبنانيين بكل طوائفهم وتوجهاتهم السياسية لمواجهة الاستحقاقات الصعبة في هذه الظروف الحساسة والدقيقة والمصيرية من تاريخ لبنان».

وكان «تيار المستقبل» قرر تنظيم وقفات تضامنية مع الحريري في مراكز المنسقيات في المناطق، مساء أمس، إلا أن قيادة «التيار» ألغت النشاط لاحقاً.

إشارة إلى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري موجود خارج لبنان لحضور مؤتمر في مصر وقد يلتقي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.