"أجواء مرعبة" عاشها اليوم كلّ من حضر محاكمة بلال ميقاتي، ذابح الرقيب علي السيّد أمام "العسكريّة". وسط ذهول الحاضرين العالِمين مُسبقاً بتاريخه، مثُل الموقوف العشريني متدثّراً بعباءته الشرعية، لتسترجع هيئة المحكمة بوجوده صورة الجريمة الفظيعة التي نفّذها بدمٍ بارد، يوم حزّ سكينه غير المسنون على رقبة العسكري السيّد، قبل أن يعمد إلى قطع رأسه بصعوبة.


وعلى عكس "اللامبالاة" التي اتصف بها المتهم طيلة فترة استجوابه، فقد استفزّت "مشهدية" إعدام الشهيد جميع من حضر جلسة المحاكمة، فاقشعرّت الأبدان واصفرّت الوجوه وعمّ الوجوم المترافق مع عرض صور الشهيد بعد تنفيذ العملية.

عقارب الساعة كانت تشير إلى الثانية والربع من بعد الظهر، حين نادى رئيس المحكمة العميد حسين عبدالله على 23 متهماً في القضية، مسنداً إليهم تهمة "الإنتماء إلى مجموعات إرهابية وشنّ هجوم على دوريات ومراكز الجيش"، ومن بين هؤلاء بلال ميقاتي المتهم بذبح العسكري وإتلاف جثّته، فضلاً عن ابن عمّه "عمر" المتهم بالتدخل بالجريمة".

نقل مطلوبين

بدأت المحكمة باستجواب الرقيب أوّل في الجيش "يوسف م." والرقيب "تامر س. المتهمين بنقل "الميقاتيَين" ومعهما عبدالله الجغبير وشخص رابع بآلية عسكرية من نوع "باثفيندر" زجاجها حاجب للرؤية إلى ساحة عرسال، حيث أقرّ الأوّل بخطئه مدّعياً عدم علمه بأنّ هؤلاء ينتمون إلى "داعش"، مشيراً إلى التضحيات التي قدّمها في معارك عبرا وعرسال والتي تلقّى عليها ترقيات ومكافآت، في حين نفى الرقيب "تامر" علمه بأنّ رفيقه "يوسف" يهرّب مطلوبين بل فوجئ به بعدما رافقه في الآليّة من أجل المساعدة في نقل الأحجار والأسلاك الكهربائية، يُخبره بأنّ معه أربعة أشخاص في السيارة من المدنيين وهم عمّال ينوي توصيلهم إلى عرسال.

حاكموا "حزب الله"

وإلى الإستجواب المنتظر إنتقل العميد.. نادى على بلال ميقاتي وطلب إخراجه من القفص، إقترب الأخير من قوس المحكمة وعاجلها بالقول: "بدي إحكي كلمتين قبل ما تبلّش، أنا أرفض المحاكمة أمام هذه المحكمة الخاضعة لسلطة حزب الله، الحزب يقاتل أهل السنّة في سوريا ولا تحاكمونه، أنا لن أقبل المحاكمة قبل أن تحاكموه وسألتزم الصمت". حينها أفهمه رئيس المحكمة أنّه سيتلو عليه اعترافاته الأوّلية وله حرية الإجابة أو التزام الصمت.

أبرز ما جاء في اعترافات الموقوف الأوليّة أنّه بعد تلقيه الدروس الشرعيّة في معهد البخاري توجّه إلى سوريا حيث تابع دورات عسكرية على يد "جبهة النصرة"، منها دورة "حرب وتكتيك" و"حرب عصابات". انتقل بعدها للجهاد مع "داعش" حيث نفّذ 4 أحكام إعدام بحق أحد مقاتلي "الجيش الحرّ" رمياً بالرصاص. وبسؤاله عن صحة تلك الإعترافات قال: "ألتزم الصمت".

كابتاغون وذبح السيّد

أمام قاضي التحقيق كان الشاب العشريني قد أنكر إقدامه على ذبح الجندي عباس مدلج، زاعماً أنّه لم يعد يذكر تلك الحادثة كونه كان تحت تأثير تعاطيه حبوب الكابتاغون، لكنه اعترف بذبح الرقيب علي السيّد بطلب من "أبو عبد السلام"، وهو أمير "داعش" في القلمون. لقد فصّل الموقوف حينها تفاصيل العملية أمام المحقق العسكري فروى: " أعطى أبو أيوب العراقي أوامره لأبو عبد السلام لإختيار عسكري سنّي وذبحه بهدف تسريع المفاوضات وتلبية مطالب داعش، فطلب الأخير من بلال العتر (فار) أن يختار أحد العسكريين المخطوفين. وقع الإختيار على علي السيّد حيث تمّ نقله إلى مكان يبعد 3 كم عن مقرّ الرهوة، عندها طلب "بلال" من أميره الإذن كي يتولّى بنفسه عملية الذبح فوافق. وبالفعل قام بذبحه بسكين غير مسنون بشكل جيّد ولم يتمكن من قطع رأسه بسهوله. حضر عملية الذبح تلك "أبو عبد السلام" وبلال العتر والسوري أبو علي زلفا وحفيد البغدادي، وتمّ تصويرها من قبل "عمر" وبلال العتر، وقد ترك الرقيب على الأرض حتى اليوم التالي. هنا عاود العميد سؤال المتهم عمّا إذا كان يؤيّد هذه الأقوال فردّ : "ما رح جاوب".

عندها عرض عليه رئيس المحكمة صور عملية الذبح وتبدو فيها جثة الشهيد السيّد محاطة بالدماء، ووسط ذهول الحاضرين من قساوة المشهد ولامبالاة المستجوب، سُئل الأخير مجدّداً: "شو بتتذكّر حالك بهالصور"؟ فأجاب: "ألتزم الصمت".

لن أكذب

وعلى عكس ابن عمّه، استفاض عمر ميقاتي في الإجابة فاعترف أنّه أوقف مرتين واحدة بجرم السرقة والثانية بطعن شخص بسكين. سلسلة اعترافات أدلى بها الموقوف الملقّب بـ"أبي هريرة" منها:

-التحاقه بـ"داعش" في العام 2013 مع كلّ من محمّد وبلال العتر بالتنسيق مع السوري أبو عيسى.

-الهرب في آلية عسكرية مع الرقيب أوّل "يوسف م." والرقيب "تامر س." إلى عرسال.

-تواصله مع أبو عزّام الكويتي أحد قياديي "النصرة".

-تواصله مع قياديّي الصفّ الأوّل في تنظيم "الدولة الإسلاميّة" .

-إطلاق النار على عسكري من آل طه من مسدس 9 ملم خلال مروره بالقرب من نهر أبو علي.

أيّام فضيلة

أمّا ما نفاه المتهم فهو تدريبه 100 مقاتل في سوريا وإدخاله 20 انتحارياً من "داعش" إلى لبنان، فضلاً عن إطلاقه 5 رمانات يدوية على حواجز الجيش بعد معرفته بتوقيف والده أحمد سليم ميقاتي (ابو الهدى). وقال: "هل يُعقل أن أضرب قنابل عالجيش في أيّام رمضان الفضيلة"؟ كما نفى طلب الإذن من أبو عبد السلام لإطلاق صواريخ من رأس بعلك باتجاه الهرمل (انتقاماً لتوقيف والده) أومشاركته في معارك عرسال وتكفيره الجيش اللبناني أو عزمه القيام بأيّ عمليّة انتحاريّة.

قطع أذن

وبسؤاله عن تورّط مجموعته في أسر العسكريين التسعة ومشاركته بتعذيبهم وقطع أُذن أحدهم أجاب: "أنا رأيتهم في المقرّ وإذا كنت لم أشارك بالمعارك فهل أشارك بتعذيبهم، أنا لم أتدخل في قضية الأسرى بتاتاً".

عند هذا الحدّ توقف الإستجواب الذي سيستكمل في 26 الجاري مع باقي الموقوفين الثلاثة عشر، مع ترداد كل من غادر القاعة: "هول لازم ينعدمو فوراً".