ما هكذا يُعامل من أمضى أربعين عاما في الجيش بينها تسع سنوات قائدا له وحافظ على الدولة ومؤسساتها يوم كانت بلا رأس
 

بدا وجهه أكثر حيوية عما كان عليه يوم التقيته للمرة الأخيرة قبل أشهر من انتهاء ولايته قائدا للجيش. إلا أن الابتسامة بقيت على حالها لم تتغير، وهناك قصة وراءها رواها لي صاحبها قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي منذ ما يقارب السنتين وقد ذكّرته بها حين زرته الأسبوع الماضي في دارته الكائنة في الكسليك والمطلة على ساحل جونية.

كان عائداً للتو من الرياضة الصباحية التي يحرص على ممارستها يوميا والمرتكزة على الجري والمشي. بادرته القول: "أرى أن الابتسامة في محلها رغم قساوة الظرف الذي مررت به في الآونة الأخيرة"، وأعني به تلك الحملة التي استهدفته والرئيس تمام سلام على خلفية قضية العسكريين الذين خطفهم "داعش" وما آل اليه مصيرهم بعد ذلك.

لم أُفاجأ بتلك الروح التفاؤلية التي يتسم بها. وقد سبق له أن أخبرني بأنه كان يتعمد التبسم أمام العسكريين بصورة خاصة والناس بشكل عام كي يوحي لهم بأن لا شيء يدعو للقلق، خصوصا إبان اشتداد وطأة الأحداث المضطربة، وما أكثرها التي جرت في عهده، من استهداف للجيش وخسارة عسكريين في اشتباكات ومعارك وعمليات اغتيال، وهجوم غير مسبوق على المؤسسة العسكرية بلغ حدّ التحريض عبر دعوة البعض -على قلته- لضباط وأفراد في الجيش ينتمون لطائفة معينة للتمرد على القيادة.

قلت لقائد الجيش السابق: كرة النار هذه أمسكتها بيديك على مدى سنوات. وعلى الرغم من حدّتها فقد استطعت تجاوز كل المراحل والمحطات الصعبة وأبقيت المؤسسة صلبة منيعة وهذا يُحسب لك وما يضيرني هي تلك السهام والانتقادات التي وُجهت لك حاليا فكيف تلقيت الأمر؟

"باستيعاب.. لكن بغصّة في الوقت نفسه". يجيبني بهدوء، مضيفاً: "كما صرحت إثر مغادرتي السراي، بعد لقائي الرئيس سعد الحريري، للدولة أسرار ولا بد أن نحرص عليها. وإذا كان هناك من بصدد إفشائها فأنا جاهز ولدي الكثير الكثير لأقوله".

وبلغة الواثق بالنفس يكتفي العماد قهوجي ببضع كلمات تجاوبا مع الحاحي عليه بسماع رأيه في موضوع التحقيق الخاص الذي يجري والمتعلق باختطاف العسكريين والأحداث والوقائع التي حصلت قبل عملية الخطف وبعدها: "التحقيق منجز .وقد أوعزت باجرائه يومها واتُخذت الاجراءات اللازمة. وما على المعنيين سوى الرجوع اليه وقراءته ولن أضيف حرفا الى ما سبق".

جان قهوجي، الداخل الى نادي المتقاعدين حديثا ما زال الدم العسكري يجري في عروقه. تلمس ذلك جليا حين تسمع على لسانه بأن الدولة هي الجيش ومن دونه لا تقوم للأولى قائمة. فعلينا المحافظة عليه برمش العيون. وأنا لي ملء الثقة بالقائد الجديد العماد جوزف عون فهو رجل مقدام وشجاع وحكيم وأتمنى له كل التوفيق والنجاح".

هكذا كانت تحية السلف الى الخلف. لكن ما هكذا يُعامل من أمضى أربعين عاما في الجيش بينها تسع سنوات قائدا له وحافظ على الدولة ومؤسساتها يوم كانت بلا رأس.