تحت عنوان "عروس مزيارة يقتلها الناطور ويغدُر بالعائلة" كتبت مرلين وهبة في صحيفة "الجمهورية": قبل تساقط ورق الشجر، أبى الأحد الاخير من ايلول الرحيل من دون أن يُسقط معه شجرة مثمرة وفي عز عطائها من بلدة مزيارة الشمالية النابضة بالحياة، فغدر بأهلها وخطف العروس ريا الشدياق إبنة السادسة والعشرين سنة بعد جريمة شنيعة ارتكبها ناطور قصرهم باسل حمودي، السوري الجنسية، لتُصاب البلدة بالنكبة وتعلن الحداد على عروسها التي كانت ستحتفل بزفافها في الصيف المقبل. الحداد لم يعلن حقيقة في بلدة مزيارة امس، بل أعلن الاهل والاقارب ليل السبت موعد عرس جماعي أقيم الأحد في كنيسة سيدة الإنتقال بعدما زُيّنت الكنيسة وقاعتها التي سجّي عليها جثمان ريّا بزينة عرائسية، فقدم خطيبها "كريم" من افريقيا على عجلة ليشبك يده بيد عروسه في الوداع الأخير.

ماري الشدياق والدة العروس التي كانت أوّل من شاهد جثة ابنتها بعد عودتها الى المنزل، لم تصدّق عيناها وأصيبت بحالة انخطاف بحسب تعبير الأهل وأبناء البلدة، فأبت إعلان الحداد وأحضرت مع زوجها فرنسوا الشدياق الزفّة والطبل وزيّنوا قصرهم العائلي لتقام مراسم الزفاف.

وقد صدحت زغاريد الوالدة في آذان أبناء مزيارة لتجرح قلوبهم وتبكي الحجر والبشر، فيما أخفوا عن الوالدة هوية القاتل الذي لم يفرّ هارباً بل مكث في البلدة وفي أرجاء القصر، بعد فِعلته، يراقب التطورات!

العائلة المُحبّة


العروس ريا، كبيرة البيت، لا تفارق البسمة ثغرها ومعروفة من اهل مزيارة بلطافة أخلاقها وتواضعها وخفة دمها. درست المحاماة في الجامعة اللبنانية على رغم احوال العائلة الميسورة، وكانت تقول امام رفاقها انها ابنة الجامعة اللبنانية وتفخر بذلك، وانّ الاموال التي ستصرفها في الجامعات الخاصة توفّرها للأعمال الخيرية التي كانت تنشط فيها...

لريا شقيقان يصغرانها وما زالا يتابعان دراستهما في الجامعة، فيما تبلغ شقيقتها الصغرى 12 عاماً وتربطها بريّا علاقة عاطفية مؤثرة لأبعد الحدود بحسب ما تعبّر عن ذلك بنفسها على صفحتها الخاصة على موقع التواصل الإجتماعي.

وعلى رغم ثروة والدها فرنسوا الشدياق رجل الأعمال المعروف في افريقيا ولبنان، فقد عرفت عائلة الشدياق بتواضعها، مثلها مثل افراد عائلتها. فأهل مزيارة يصفون فرنسوا مع زوجته السيدة ماري بأنهما متعلّقان بالعائلة وبحبهما لأهل البلدة وبكرمهما وبحبهما للحياة، وقد عكست صفاتهما طباع اولادهم لا سيما ريّا، فيما قصر العائلة كان دائماً مفتوحاً.

الجريمة


يعرف عن أهل مزيارة أنهم يصطافون في منطقة جبلية عالية تدعى (سواقي مزيارة)، فصعدت الوالدة الى منطقة السواقي في نهاية الأسبوع وبقيت ريا في القصر العائلي وحدها.

وعندما قررت الوالدة النزول صباح السبت لتفقّد المنزل وابنتها ريا، وصلت قرابة الساعة الثانية عشرة ظهراً وتوجّهت مباشرة الى غرفة ابنتها، فبَدت بحالة فوضى وثياب ريا مُبعثرة على السرير ولم تجدها. فتوجهت الوالدة الى غرفتها لتجد ابنتها ملقاة على السرير بلا حراك، فحسبتها تغطّ في نوم عميق. ولم تشأ إشعال الضوء لئلّا تزعجها، فشقّت الستائر قليلاً لتراها.

وما ان اقتربت منها حتى لاحظت أنّ عينيها غير مغمضتين وفي حالة جحوظ مخيفة، فسارعت الى الاتصال بسلفتها وابنتها اللتين حضرتا مسرعتين محاولات إسعافها بالتنفس الاصطناعي بعدما بَدا لون أذنيها شديد الازرقاق. لم تفلح الاسعافات الاولية، وكانت الاتصالات قد تمّت بالصليب الاحمر وبمخفر مزيارة. إلّا أنّ الامر كان قد قضي على رغم حضورهما السريع.

قُضي الأمر


القوى الامنية العاملة في مخفر مزيارة سارعت الى استدعاء الطبيب الشرعي الذي اكّد وفاة ريا اختناقاً، كما تمّ جمع الادلة الجنائية وسحبها لمقاربة البصمات. وبعدما ختم الطبيب الشرعي شهادته، مؤكداً حالة الوفاة خنقاً، نقل الصليب الاحمر الجثة بمؤازرة أمنية الى مركز الشمال الاستشفائي، ومن هناك الى المستشفى الحكومي في طرابلس لتشريحها بعد قرار المدعي العام.

"سوف نلتقي يا عروستي"


فور شيوع الخبر، توافد أهل البلدة الى منزل العائلة، وسارَع خطيب ريّا كريم بوشمونة في العودة الى لبنان للمشاركة في الجنازة، بعدما كان من المفترض ان يكون عريسها الصيف المقبل، فترك لها كلمة مؤثرة مصحوبة بباقة ورد حمراء كبيرة كتب عليها: "سوف نلتقي يا عروستي".

بلدة مزيارة تزيّنت بالابيض والورود استعداداً لزفة العروس، فزينت الكنائس بالشرائط واليافطات وأقواس النصر والبالونات البيضاء والوردية، وغَطّت الورود النعش الابيض على وقع الدبكة والطبول ورقصات الاصحاب، ولا سيما الوالدة التي لم تتوقّف عن الرقص مع الوالد، وكانا يدعوان للرقص معهما كلّ من جاء، وكأنهما غير مدركين الحقيقة المرّة لموت ابنتهما، كما أضاءت المفرقعات سماء مزيارة وتحوّل موكب الجنازة الى موكب زفة العروس ورافق عريسها والأهل والأصحاب نعشها الأبيض قبل الجنازة وبعدها، وصولاً حتى الوداع الاخير ونقلها الى مثواها النهائي.

القاتل يعترف


الناطور باسل حمودي، السوري الجنسية، المتهم الأول بقتل ريا، قبض عليه مخفر مزيارة وسلّمه الى القوى الامنية. وكان قد بقي في مزيارة ولم يفر. فاستغرب الاهالي غدره بالعائلة التي أوَته ست سنوات ائتمنوه فيها على ارزاقهم واولادهم.

ووفق اهل البلدة، فإنهم كانوا يعتبرونه فرداً من البيت، كما كانت ريا تعامله مثل جميع العاملات في المنزل وكأنهم من الأسرة. وحمودي الذي سلّم الى شعبة المعلومات إعترف بأنه الفاعل ولم يحاول الانكار او الفرار.

رافقت الجريمة شائعات كثيرة، ومنها أنّ القاتل كان هدفه السرقة، فيما تقول المعلومات التي حصلت عليها "الجمهورية" من مصادر أمنية أنّ القاتل كانت أهدافه عدة وأبرزها عاطفية، إذ لم يتّضح حتى الساعة اختفاء أي مصاغ او اموال من قصر العائلة أو من غرفة الوالدة، لكنّ النتيجة كانت واحدة، لأنّ القاتل خنق ضحيته بدم بارد بعد الإعتداء عليها بوحشية، الأمر الذي اكده المطران جورج ابو جوده في عظته خلال الجنازة، عندما وصف الوحشية التي قضت فيها ريا، مطالباً بإنزال العقوبة الشديدة بالفاعل. في وقت تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي في الشمال، خصوصاً التابعة لمنطقة، مزيارة مطالبة بإعدام القاتل.