ذهب ليكسب رزقه في بلاد الاغتراب وتحمّل عناء الغربة والابتعاد عن الأهل والأحباء لكنه عادَ الى وطنه جثّةً، انه واقعٌ تراجيديٌّ متكرّر بات الاعلام يعرّفه اليوم بمصطلح "نزف الاغتراب"، نظراً لزيادة وتيرة الأحداث الاجرامية التي تفتك باللبنانيين في أصقاع الأرض، خصوصاً في البلدان التي تشكو من أوضاع أمنية متوترة، الضريبة دفعها هذه المرّة الشاب حسان علي زيدان، ابن بلدة دير قانون في قضاء صور، الذي كان قد سافر الى انغولا ليكسب رزقه بعد ان ضاقت به سبل العيش في لبنان، هو الرجل المتأهل والأب لثلاثة أولاد، صاروا اليوم أيتاماً في عقدهم العمري الأول. 

لا شك في أن القدر قسى على حسان، الشاب المندفع والمحبوب من قبل أبناء قريته. فهو كان قد سافر الى الولايات المتحدة برفقة عائلته، وفق ما يقول لـ"النهار" رئيس بلدية دير قانون مصطفى سقلاوي، لكنه لم يوفّق واضطر للعودة الى لبنان، فعمد الى فتح ملحمة ومطعم صغير في قريةٍ مجاورة لمسقط رأسه، لكنه ما لبث أن واجه صعوبات اقتصادية ولم يوفّق في تجارته، فقرّر عندها السفر الى انغولا، حيث يقال أن ظروف العمل جيّدة وامكان كسب الأموال مسألة متاحة.

سافر حسان قرابة السنتين الى انغولا، وعمل بجهد يعوّل عليه، وعاد الى لبنان، منذ اسابيع قليلة، ليحضر حفل زفاف أخيه. اكتملت فرحة العائلة بوجوده، لكنه عاد وسافر الى أنغولا، لضرورات العمل، ولم يلبث ان مكث فيها نحو أسبوعين، حتى سمع أبناء دير قانون الخبر الذي صدمهم. حسان قتل في أنغولا، بعد ان تعرّض لهجومٍ من قبل عصابة ترصّدته، اثناء خروجه من عمله، وفي جعبته الأموال التي جناها يومها، فاذا بهم يردونه قتيلاً وأخذوا الأموال التي كانت في حوزته.

وعن حسان الصديق، تأتي شهادة رفيقه رواد زمط الذي يقول لـ"النهار" ان "حسان كان بمثابة "الشاب المعطاء والمهذب والراقي الذي يحبه كلّ من يتعرّف اليه، ويجد فيه الشخص المنفتح والمساعد والمحب للعائلة والأصدقاء".أهله وعن أسباب انتقاله من الولايات المتحدة الى لبنان فأنغولا، يقول انه "سعى وراء رزقه. انتقل الى انغولا، لأن العيش في الولايات المتحدة دونه صعوبات في حال لم يتسن له الحصول على الجنسية، والضرائب كثيرة والمعيشة باهظة الثمن".

وفي المعلومات التي نقلت الى أقربائه في لبنان من الجالية اللبنانية في انغولا، يقول زمط ان "حسان انتقل من مكان عمله كما المعتاد، وفي جعبته أموال. مشى في الطريق، فتحلّقوا حوله وطوّقوه من كلّ الجهات بعدما كانوا قد عمدوا الى مراقبته ". ويخبرنا زمط أن الجالية اللبنانية في أنغولا كبيرة، وهناك من قطن فيها لمدة 30 سنة من دون ان يتعرض لأي حادثة لكن العكس حدث مع حسان، بعد اسبوعين على عودته اليها.

لعلّ الصعوبة الأكبر التي تواجه الجالية اللبنانية في أنغولا تكمن في عدم وجود سفارة او قنصلية لبنانية تتابع شؤون اللبنانيين المغتربين. انهم يتعرّفون على بعضهم هناك ويساند أحدهم الآخر وكان لهم الفضل في متابعة قضية المغدور حسان، اضافةً الى الجهود الحثيثة لمدير عام وزارة الخارجية والمغتربين هيثم جمعة الذي لم يوفّر جهداً تأميناً لوصول جثمان حسان الى لبنان. في هذا الإطار، يقول زمط ان "نقل الجثمان سيتم بمتابعة الشباب اللبنانيين في انغولا والعملية مكلفة مادياً".

رحل حسان تاركاً خلفه 3 أولاد سيسألون عنه ولن يجدوا أجوبة. كان قد ودعهم منذ نحو الأسبوعين، بعد أن رقص واياهم محتفلاً بفرحة شقيقه. سيشتاقونه ويتذكرونه دائماً، هو الذي سافر مبتعداً عنهم لأجل تأمين معيشة كريمة لهم، ودّعهم اليوم الى الأبد.