يأخذ التطوّر الطبّي منحىً سريعاً، ففي كل يوم نشهد على اختراع جديد يوضع قيد الأبحاث والتجارب ليعود بالفائدة على المريض، لاسيما في الأمراض التي تُعتبر الاكثرَ فتكاً بحياة الإنسان، كالسرطان مثلاً. فما هو "القلم" المخترع الجديد الذي يتعرّف الى الأنسجة المصابة بالسرطان في 10 ثوان؟ طوّر علماء من جامعة تكساس جهازاً يمكن حمله في اليد يشبه القلم، ويهدف الى مساعدة الأطباء في التعرّف الى الأنسجة المصابة بالسرطان خلال 10 ثوانٍ. وأشاروا الى أنّ الجهاز المخترع يستطيع إجراء جراحة استئصال للورم بطريقة أسرع وأكثر أماناً ودقة.

وفي هذا السياق، شرح خريج مستشفيات الولايات المتحدة البروفيسور السابق في جامعة فلوريدا، والرئيس الحالي لقسم علاج الأورام بالإشعاع في مركز كليمنصو الطبي البروفيسور نيقولا زوين، هذه الخطوة قائلاً "يُستخدم هذا "القلم"، بعد التأكّد من إصابة المريض بالسرطان، ولا يفيد في الكشف عنه. وفي التفاصيل، يُستخدم فقط خلال العلاج الجراحي لاستصال الورم الخبيث".

الطريقة التقليدية

يعزّز "القلم" قدرة الأطباء على تحديد وبسرعة الأورام السرطانية والأخرى غير المصابة فضلاً عن التعرّف الى خصائصها. وهذه المعلومات تساعد الأطباء خلال الجراحة على تحديد أفضل الخيارات العلاجية للمرضى في أسرع وقت.

ويشرح د. زوين "خلال العمل الجراحي، يعمد الجرّاح الى متابعة التورّم من الخلال السكانر. ولنعتبر أنّ حجم الورم هو 3 سنتيمترات، فيعمد الجرّاح للوصول الى حدود هذا الورم لأخذ خزعة اضافية عن مساحته ويرسلها الى المختبر، حيث يقوم اختصاصي الأنسجة بفحصها وتحليلها للتأكّد إذا كانت خالية من السرطان أو العكس.

هذه الخطوة تحتاج الى حوالى النصف ساعة حيث يكون المريض ما زال في غرفة العملية وكذلك الطبيب المعالج، وإذا تبيّن وجود سرطان فيها، يعيد الجراح استصالَ جزء ثانٍ من الانسجة ويرسلها ايضاً الى المختبر، ويتم الانتظار نصف ساعة اضافية لمعرفة النتيجة اذا كانت سليمة او لا، ليعرف ماذا يجب أن يفعل".

طريقة عمل "القلم"

تُعتبر خطوة إرسال الانسجة الى المختبر الطريقة التقليدية. بينما اذا نجح "القلم" في إثبات فعاليته والموافقة عليه، سيلعب الطريقة الحديثة التي تعتمد على وضعه بطريقة تلامس الجزء المشتبه إصابته بالسرطان، ثمّ يطلق قطرة مياه صغيرة. عندها تنتقل مواد كيميائية موجودة في الخلايا الحيّة إلى القطرة التي يمتصها "القلم" ثانياً لإجراء الفحص.

ويوصل "القلم" بمطياف كتلة يمكنها قياس كمية هائلة من آلاف المواد الكيميائية كل ثانية، ثمّ ينتج بصمة كيميائية تخبر الطبيب ما إذا كان النسيج الذي يفحصه طبيعياً أو مصاباً بالسرطان. ولطالما واجه الجرّاحون تحدّياً، يكمن في إيجاد حدود فاصلة بين النسيج المصاب بالسرطان والنسيج الطبيعي. وقد يظهر ذلك بوضوح في بعض الأورام، غير أنّ الأمر يختلف في أورام أخرى تتلاشى فيها الحدود بين النسيج الطبيعي والنسيج المصاب.

بين الإيجابيات والسلبيات

أُجريت التجارب على التكنولوجيا الجديدة بالاستعانة بـ253 عيّنة كجزءٍ من الدراسة. وتهدف الخطة إلى مواصلة إجراء الاختبارات الرامية لفحص الجهاز قبل اختباره خلال العمليات الجراحية العام المقبل.

وكانت قد اشارت نتائج الاختبارات إلى أنّ نسبة دقة التكنولوجيا المستخدَمة في الجهاز بلغت 96 في المئة. وفي هذا الاطار يقول د. زوين إنّ "هذا "القلم"، يحمل الكثير من الإيجابيات خصوصاً أنه يوفّر على الجراح نصف ساعة من الوقت، فيمكنه معرفة إذا كان النسيج آمناً خلال 10 ثوان.

كما أنّ نسبة فعاليته التي اشارت اليها الدراسة راوحت الى حدّ الـ96 في المئة، وتُعتبر هذه النتيجة ممتازة في الطب. ولكن لا يزال هذا "القلم" تحت التجربة ويقومون الآن بخطوة الحصول على براءة الاختراع، وبعدها يجب أن يخضع للتجربة على عدد اكبر من المرضى لكي يحصل على موافقة ادارة الاغذية والدواء (FDA).

وعندها اذا بقيت النتيجة نفسها (96 في المئة) سيكون هذا القلم واعداً جدّاً. بينما اذا انخفضت هذه النسبة للـ60 في المئة مثلاً، عندها لن يحصل على الموافقة وستنتهي التجارب هنا. ويمكن تلخيص إيجابيات القلم المخترع، باختصار الوقت وسرعة العملية ما يوفّر نسبة آمان اكثر للمريض ويخفّف فرصة حصول الالتهابات والمضاعفات.

بينما قد نواجه بعض الامور السلبية التي قد تتواجد في أيّ تقنية، وهي أن يعطينا "القلم" نتائج خاطئة، أي الاشارة الى عدم وجود السرطان، بينما يكون فعلياً موجوداً".

هل سيُستعمل هذا "القلم" في لبنان؟

كانت ليفيا إيبرلين، أستاذة الكيمياء المساعدة في جامعة تكساس، قد اشارت الى أنّ "المثير في هذه التكنولوجيا هو تلبيتها الحاجات الطبّية بوضوح. والأداة رائعة وبسيطة ويمكن أن تكون متاحة لاستخدام الجراحين في وقت قصير".

ويعدّ هذا "القلم" أحدث مساعي العلماء لتحسين الدقة خلال العمليات الجراحية. وكان قد استطاع فريق تابع لجامعة "امبيريال كوليدج لندن" تطوير سكين "يشم" النسيج الذي يقطعه لتحديد ما إذا كان يزيل سرطاناً أو لا.

كما يستخدم فريق تابع لجامعة "هارفارد" أشعة الليزر لتحديد حجم السرطان الذي يجب استئصاله من المخ. وأخيراً، في حال نجاح تجارب هذا القلم، هل يمكن أن نراه في لبنان؟ يؤكد د. زوين أنّ "هذا القلم سيسهل الامور اللوجستية على عمل الجراح خصوصاً أنّ اختصاصي الانسجة لا يكون دائماً موجوداً خلال العملية، كما انه سيتمكّن الجراح من القيام بعمليات أكثر بما أنّ «القلم» يوفر له الوقت.

وتبدو النتائج الاولية واعدة وجدّية، ونحن بانتظار المرحلة الثانية، وفي حال نجحت بالطبع سنأتي بهذا الاختراع الى لبنان، لما في ذلك من فائدة على المستشفى والطبيب بشكل عام، وعلى المريض بشكل خاص".