مشاركة حزب الله في القتال الدائر بسوريا الى جانب النظام الحاكم فيها ضد المعارضة أمر لم يحصل على إجماع لبناني ، والتأييد الداخلي في هذه الحالات بغاية الأهمية .

الطائفة الشيعية بغالبيتها أيّدت ذلك بعد إصباغ المعارك بطابع مذهبي ونشر أخبار عن وجود تهديد للمقامات الدينية الشيعية هناك ، السُنة من الصعب إقناعهم بصحة المشاركة ، يتبقى الطائفة المسيحية . اجراءات تتم على الأرض داخل سوريا تسمح لمقاتلي تنظيم داعش الإجرامي الاندفاع نحو الحدود اللبنانية وتجاوزها من جهة القلمون باتجاه رأس بعلبك بالقُرب من البلدات التي يسكنها المسيحيون ، الذين أصيبوا بالرعب الشديد في ظل دعايات روجت لها أبواق الحزب الاعلامية مُحذرة من خطر وصول التكفيريين الى مدينة ( جونية) ، فأعلن أكثرية المسيحيين عن دعمهم لمشاركة الحزب في القتال السوري طالما هو الجهة الوحيدة لبنانياً القادر على صد خطر الإرهابيين .

داعش خلال تقدمه هذا قام بأسر مجموعة من جنود الجيش اللبناني ، ليختلف المسؤولون بطريقة مواجهة المواقف ما بين التحرك لفك أسرهم بالقوة من عدمه أو حتى التفاوض مع التنظيم .

حزب الله رأيه بالموضوع واضح ومعلن مسبقاً من حادثة عرسال وعلى لسان رئيس كتلته البرلمانية (محمد رعد) وهو تحذير الدولة اللبنانية من اي عملية تفاوض أو تبادل مع الإرهابيين ، لأن ذلك حسب الحزب سيفقد الدولة اللبنانية أخر ما تبقى من هيبتها وكرامتها . وهو رأي سانده فيه حلفاءه .
أما الجيش المغلوب على أمره والواقع فريسة القرار السياسي المسلوب والذي تم إقناع كل الشعب من طرف الحزب بأنه ضعيف وغير مؤهل للدخول بمثل هكذا مواجهات عسكرية أمام تنظيم إرهابي دولي فقد وجد نفسه ( أي الجيش) مضطراً على عدم التحرُك لنجدة عناصره الأسرى .
بعد ثلاث سنوات من ذلك عانى خلالها أهالي الجنود الأسرى ايام مؤلمة وهم يبكون ليلاً ونهاراً على أولادهم ويطرقون كل الأبواب لأجل تحريرهم يتلقى الجيش اللبناني أسلحة ثقيلة ومتطورة ومهمة من الجانب الأمريكي بغية القيام بعملية لاستعادة جنوده من داعش .

ما أن شرع الجيش بعمليته حتى عرض الحزب – الذي لم يتحرك لتحرير الأسرى طيلة تلك الفترة – تقديم المعونة ، فيرد الأول بعدم بعدم الحاجة لها ، يسارع الحزب من جانبه بالتحرك مع قوات النظام السوري بالتقدم نحو داعش من الأراضي السورية ، معلناً أن ذلك سيساهم بالإطباق على الإرهابيين وتسهيل مهمة الجيش .
تقدم سريع للجيش واندحار غير متوقع لعصابات داعش اسفرت عن تحرير (100)كم2 في ثلاث ايام دون سقوط اي  قتيل من قوات الجيش ، مما ولد فرحاً بين اوساط الشعب اللبناني واعاد الثقة بجيشهم الوطني وكشف أن داعش ليس بتلك القوى التي تقال عنه ، وها هو النصر اصبح بالمتناول .
هنا يقطع حزب الله طريق الانتصار ويمنع الجيش من تحقيق الإنجاز - لأن انتصار الجيش وإثبات وجوده سيقوض الحجة التي يتمسك بها الحزب في الاحتفاظ بسلاحه ، وهي عجز الجيش اللبناني وعدم قدرته على الدفاع عن الوطن ، والحزب دون السلاح ستزول هيمنته على القرار اللبناني -  ويُعلن عن وجود مفاوضات مع داعش تكفل هو القيام بها أفضت الى اتفاق يقضي بخروج آمن لمقاتلي التنظيم لمكان أخر مقابل تسليم الجنود الأسرى .

تتم عملية التسليم وإذا بالجنود جثث هامدة ، وقبل أن تنتهي عملية التأكد من هويتهم تصل حافلات مدارس الإمام المهدي الحديثة والمُكيفة التابعة للحزب ليستقلها أفراد التنظيم مع عوائلهم واسلحتهم ترافقهم سيارات اسعاف وحماية مع تكفل فرق الهندسة بتطهير الطريق الذي سيسلكونه من الألغام .   
سلاسة المفاوضات وإصرار الحزب على إتمام عملية نقل مجرمي داعش بشكل آمن (حتى بعد أن تبين قتلهم للجنود) جعل قوى سياسية وشخصيات اعلامية وقطاعات من المواطنين تصف ما حدث بأنه تهريب للقتلة واعفائهم من العقاب وتبديد الأخذ بالثأر الذي يحلم به عوائل الجنود الشهداء .

تصرف الحزب هذا جعل بعض المراقبين يربطونه بعدم اي تصادم مسبق بين مقاتلي الحزب وعصابات داعش على الأراضي السورية خلال الخمس سنين الماضية ، وكأن هناك يد خفية تحول دون ذلك ، بالإضافة الى دخول داعش مستمرة وغير مبررة مع اغلب الفصائل المعارضة لنظام الأسد ، أدت الى اضعاف المعارضة عموما .

 العقبة التالية هي المكان الذي سيُنقل له هؤلاء المجرمين ، فكلما كان أبعد عن حدود لبنان وخارج المدن الكبيرة سيكون أفضل أمام الرأي العام وخاصة اللبناني ، لكن هذا الخيار متعسر لأنه يعني نقلهم الى قرب حدود سوريا مع الدول المجاورة لها ( تركيا ، فلسطين المحتلة ، الأردن والعراق) ومن المؤكد هذه الدول سترفض ذلك وسيجعل الحزب في مواجهة معها ، وهناك خيار أخر وهو ريفي حمص وحماه حيث تتواجد المعارضة في أماكن تحيط بها قوات النظام .

استعادة القوات المسلحة العراقية لتوازنها وتطورها من الناحية التسليحية والقتالية وتحرير أغلب الأراضي التي كانت تحت سيطرة داعش كلها مؤشرات على قرب مرحلة الحاجة للفصائل المسلحة الموالية لإيران والمنضوية تحت الحشد الشعبي ، مما يعني ان الحرس الثوري الإيراني سيفتقد لأهم ورقة له تمنحه النفوذ في بلاد الرافدين ، لذا يجب إدامة الخطر المني على العراق ، مما يُمدد بعمر الحاجة لهذه الفصائل .

وتواجد داعش على الحدود العراقية أو داخلها سيوفر هذه الإدامة ، فتم اختيار آلبو كمال الواقعة في محافظة دير الزور - هي والمدينة المتآخمة لها في الجانب العراقي القائم خاضعتان فعلاً لسيطرة داعش ولاية الفرات -  كمكان لإنزال راكبي باصات الإمام المهدي والتي يتراوح عددها حسب وسائل الاعلام من (30- 60) باص مما يعني ان عدد ركابها من الدواعش وعوائلهم قد يصل الى 2700 شخص .
كاظم عكر
حسن نصرالله أوقعه هذا الاختيار بحرج شديد لأن الرجل قبل عشرة اشهر فقط وغداة انطلاق معارك تحريرالموصل كان قد القى خطبة حماسية طالب فيها الجهات العراقية بعدم السماح لأي من مقاتلي داعش بالهرب من المدينة ، وان عليهم تطويقهم وقتل أو اعتقال كل القيادات والمقاتلين فيها ، والا سيعتبر نصرهم ضائعاً ، وحذرهم كذلك من وصول عناصر داعش الفارين من الموصل الى الاراضي السورية المتآخمة للعراق مثل الرقة ودير الزور ، مما يعني ان الارهاب سيضرب العراق مجدداً ، وسيتسلل هؤلاء للقيام بعمليات داخل الاراضي العراقية ، وقال هذا هو المخطط الأمريكي .

قيادة العمليات العراقية كانت حينها قد وضعت خطة تقتضي بأقتحام المدينة من ثلاث جهات وترك منفذ واحد لمقاتلي داعش للهروب منه جهة الصحراء ، كي لا يضطر مجرمي التنظيم لإتخاذ من العوائل الموصلية كرهائن والقتال داخل المنازل والاحياء السكنية بسبب فقدانهم الأمل بالنجاة ، مما يعقد عمليات الاشتباك والتحرير ، لكن بسبب دعوة نصرالله تحركت الفصائل الموالية لإيران وقامت بغلق المنفذ وإحكام الطوق حول المدينة خلافاً للخطة المرسومة من قيادة العمليات ، واضعة القائد العام للقوات المسلحة الرئيس العبادي امام الامر الواقع . هذا التطويق جعل معركة الموصل تستغرق تسعة أشهر كاملة وضاعف من أعداد الشهداء والجرحى في صفوف الجنود والمدنيين الى أرقام كبيرة وانتهى بتدمير كامل للجانب الايمن من الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية .
مع ذلك حسن نصر الله وكعادته  في الخضوع لأوامر الحرس الثوري الإيراني وافق على اختيار الحدود العراقية كمستقر لمقاتلي داعش مع حصوله على بعض التطمينات بعدم تجرؤ احداً في العراق على الاعتراض حول ذلك ، وأن حصل أي تجرؤ فأن أذرع الاطلاعات والحرس الثوري ممتدة في كل بقعة عراقية وهي كفيلة بإسكات أي صوت .

ما إن اعلن حزب الله عن التزامه بالاتفاق مع داعش وتسييره للباصات حتى اطلقت موجة منددة بذلك في لبنان التي رأت فيه استهانة بدماء شهداءها ومصادرة لانتصارات الجيش الوطني وتقديم مصالح مجهولة مع داعش على حساب الوطن .

وفي العراق عم الغضب والسخط ارجاء المجتمع العراقي بكل مذاهبه واطيافه وطبقاته وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملة إدانة كبرى وبيانات رسمية من مجالس محافظتي كربلاء والانبار ورئيس مجلس النواب رافضة لهذا الاتفاق الذي يفتح الباب امام المئات من عناصر داعش التكفيري من الوصول على مقربة من مدينتي كربلاء والنجف حيث لايفصلهما عن آلبو كمال والقائم سوى الصحراء ، كما أعتبره رئيس الوزراء العراقي فيه اساءة للشعب العراقي وانه غير مقبول .

فلو تسلل فقط عشرة بالمئة من هؤلاء الى المدينتين  المقدستين وباقي المدن العراقية فنحن أمام (250) عملية انتحارية قادمة خصوصاً وشهري محرم وصفر على الابواب حيث الشعائر الحسينية التي يستهدفها عادة هذا التنظيم بعناصره من الجنسين وبكافة الأعمار حتى الصبية منهم ، ومخاوف العراقيين هذه تتوافق تماماً مع كلام حسن نفسه قبل عشرة اشهر عندما حذرهم من تكديس عناصر داعش على الحدود الغربية لبلدهم ، وهو نفس المكان الذي نقلت باصات الامام المهدي التابعة لحزبه المئات منهم الان .

موجة التنديد اللبنانية – العراقية هذه أجبرت الرجل الذي فقد الكثير من مصداقيته امام المجتمع العربي وخسر احترام غالبيتهم له اجبرته على القاء كلمة يعلن فيها النصر على الإرهابيين ويعتبره عيدا للتحرير جديدا وساق خلال كلمته مجموعة من التبريرات الضعيفة وغير المنطقية لبيان دواعي اتفاقه مع داعش وتهريبهم دون معاقبتهم على جرائمهم ، وعندما رأى ان خطابه لم يقتنع به سوى اتباعه الذين اكثرهم يتلقون هم او احد افراد اسرتهم رواتبا تأتي من ايران قام إصدار بيان وجهه الى الشعب العراقي ومسؤوليه ، لم يكن افضل حالاً من خطابه من حيث المغالطات و الخواء وعدم الإقناع .