اللحظة العاطفية المهيمنة في خيمة أهالي العسكريين في رياض الصلح، والجروح المجبولة بعرق الانتظار وحرق الأعصاب، لم تمنع تهافت الأسئلة.
 

صحيح أن أولها اتصلَ بمعرفة المصير اليقين للعسكريين، وهو المصير الذي أكد سوداويته المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم مع زيارة الأهالي بعد ظهر اليوم.

لكن أسئلة من نوع آخر تناقلتها ألسن الأهالي والأقارب والموجودين في المكان، لتتسع الى دائرة الرأي العام ومواقع التواصل.

حضرت ذكرى الشهيد علي السيّد أول الجنود المذبوحين بسكين "داعش"، وعباس مدلج الشاب اليافع الذي انتشر فيديو اعدامه ذبحاً، وجرى الحديث لاحقاً عن ان قاتله "الداعشي" وقع في قبضة الأمن.

لم "يبلع" كثيرون ان تفتح الممرات للقتلة ليرحلوا بسلام صوب البادية أو دير الزور السورية. سئِل اللواء فأجاب بأن الأمر يتصل بـ"مسار تفاوضي تدخل فيه دول"، مؤكداً عدم المساومة أو الرضوخ للشروط.

مع تقدير اللبنانيين تضحيات جيشهم وقواهم الأمنية، ومع حماستهم الشديدة مع انطلاق مدفع "فجر الجرود"، فانهم منّوا النفس بانهاء المعركة بنصر حاسم وباقتصاص من قتلة العسكريين، وبغسل لعار تقصير أوقع عسكرنا في قبضة المتطرفين. وبطبيعة الحال، وبما اننا لا نشبه الدول التي تتصف مؤسساتها بدور المساءلة، فان فتح نقاش التقصير سرعان ما تحوّل وسيتحوّل الى حفلة تراشق سياسي واستثمار من هذا الطرف السياسي ضد ذاك. لا يهم، هذه تفاصيل.

الأكيد ان ما نسمعه من معلومات عن كيفية تصفية العسكريين الثمانية وما افتعل بهم يذّكي الأسئلة حول سبب ارتضاء خروج هذه المجموعة الصغيرة من المقاتلين بعد ما أفادت البيانات العسكرية عن محاصرتها في مساحة لا تتجاوز العشرين كيلومتراً، كما ان حصاراً مطبقاً طوّقت به من الناحية السورية من قبل "حزب الله" والجيش السوري. فما الذي منع من القضاء عليهم وأي حسابات؟ 

الحديث عن القبول بخروجهم مقابل معرفة مصير العسكريين يبدو رواية غير متماسكة كفاية، ويكفي لعملية أمنية أو قبض على مجموعة منهم ان يؤدي الى اقرارها بالتفاصيل والمعلومات، كما يقول العارفون بالميدان. وبأية حال، فان اللواء ابراهيم كشف أن من استسلم من "الدواعش" هم من أرشدوا الى مكان دفن العسكريين المفترض.

يتكرر جدل التفاوض الذي رافق عملية جرود عرسال، لكن اليوم يشعر اللبنانيون أنهم معنيون أكثر بفتح هذا النقاش نظراً لانخراط جيشهم الوطني في المعركة ضد "داعش" ودفع جنوده أرواحهم واعاقات في أجسادهم أثماناً للقضاء على الارهاب. كنا ببساطة نمنّي النفس بجعلهم يدفعون ثمن ما ارتكبوا وألا تنتهي معركة مماثلة بفتح ممر آمن لهم. 

لا يتعلق الأمر بقرار يستطيع الجيش احتكاره طالما ان المعركة مثلثة الأضلاع، قد يقول قائل، وهنا أيضاً يبدو من غير المفهوم ان يرتضي "حزب الله" بهذه النهاية للمعركة والا يقضي على أعدائه متى ما كان الأمر متاحاً وان يرحلهم الى منطقة ليعيدوا فيها بناء قوتهم...

من يطرح هذه الأسئلة ويفتح هذا النقاش هم لبنانيون، نعم نعم، انهم الآن يجلسون في غرف مكيّفة، ولم يسبق لهم ان قدموا الشهداء وبذلوا الدماء، لكن من حقهم الاحتجاج ورفض ما يكتب لهم ولدولتهم ارتضاؤه. ترك "الدواعش" الذين ذبحوا جنودنا يخرجون بأمان وسلام هو عار ونهاية غير مشرفة للمعركة.