مستويات قياسية جديدة تسجّلها الاحتياطات لدى مصرف لبنان المركزي، التي قاربت 53.77 مليار دولار نهاية شهر تموز 2017 استناداً إلى الأرقام الواردة في ميزانية مصرف لبنان، ما يعزز الثقة المستمرّة بالليرة اللبنانية واستمرار استقرار الوضع النقدي.
 

وفي التفاصيل، تشير هذه الميزانية إلى انخفاض في الموجودات من العملات الأجنبية بما قيمته 418.99 مليون دولار خلال النصف الثاني من شهر تموز من العام الحالي إلى ما يقارب 42.15 مليار دولار، بالمقارنة مع الفترة ذاتها من عام 2017. كما تشير الأرقام الواردة في هذه الميزانية إلى ارتفاع قيمة احتياطات مصرف لبنان من الذهب بقيمة 371.66 مليون دولار خلال النصف الثاني من شهر تموز الفائت إلى نحو 11.6 مليار دولار مع استمرار تحسّن سعر صرف الدولار مقابل سلّة عملات أجنبية، في ظل التوقعات المتزايدة حول إمكان رفع الفدرالي الأميركي أسعار الفائدة قبل نهاية العام الحالي، مع استمرار ظهور المزيد من علامات التحسّن على الاقتصاد الأميركي وتسجيل الاقتصاد المزيد من النموّ وتحسّن سوق العمل. وأكّد الفدرالي أنه سيبدأ خفض الاستحواذ على السندات والأوراق المالية الأخرى هذا العام، ما انعكس قوّة على أسعار الدولار أيضاً. ومنتصف حزيران الماضي أقرّ الاحتياطي الفدرالي الأميركي رفع سعر الفائدة الرئيسي 0.25 في المئة، لتكون الزيادة الثانية في العام الحالي، والأعلى منذ الأزمة المالية 2008. ويعدّ هذا أعلى مستوى منذ عام 2008، عندما قرر صانعو السياسات المالية الأميركية خفض أسعار الفائدة لتشجيع الاقتراض والإنفاق بعد الأزمة المالية العالمية التي ضربت البلاد. 

وبالعودة إلى الوضع النقدي في لبنان، لا بدّ من التذكير بأنّ الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان أواخر شهر أيار 2017 أسهمت وبشكل أساسي في زيادة الاحتياطات بالعملة الأجنبية لدى المركزي بقيمة 3.8 مليارات دولار حيث ارتفعت هذه الاحتياطات من 38.78 مليار دولار مطلع حزيران الفائت إلى ما يقارب 42.58 مليار دولار منتصف تموز الماضي، وهي مستويات قياسية جديدة. أما على صعيد سنوي، فقد ارتفعت احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية بنسبة وصلت إلى ما يقارب 14.7% أي بما قيمته 5.4 مليارات دولار بالمقارنة مع منتصف تموز من عام 2017 عندما سجل هذا الاحتياطي ما قيمته نحو 36.75 مليار دولار .

في ما يتعلق بما يمتلكه مصرف لبنان من معادن وتحديداً الذهب، تشير ميزانية المركزي إلى تراجع قيمة هذا الذهب بنحو 5.4 مليارات دولار بالمقارنة مع نهاية تموز من عام 2016 نتيجة تراجع أسعار المعدن الأصفر حول العالم الذي شهد ضغوطاً جرّاء المكاسب التي سجّلتها أسعار الدولار، لتصل بالتالي قيمة الذهب الذي يملكه مصرف لبنان إلى نحو 11.62 مليار دولار. ومع هذه الأرقام، تكون احتياطات البنك المركزي في لبنان قد ارتفعت قيمتها نحو 4.74 مليارات دولار إلى ما يقارب 53.77 مليار دولار بالمقارنة مع 49 مليار دولار تقريباً نهاية تموز من عام 2016.

ما أهمية الاحتياطات؟

تسعى معظم البنوك المركزية حول العالم للاحتفاظ دائماً بمستويات عالية من احتياطات النقد الأجنبي التي تسهم بشكل عام في زيادة عامل الثقة بعملة الدولة المحلّية، بالإضافة إلى تثبيت استقرار السياسات النقدية التي تطبّقها هذه البنوك المركزية. كما تعزز الاحتياطات الأجنبية قدرة السلطات النقدية التي تشرف على البنوك المركزية من التدخل في سوق سعر الصرف والتحكم في أي تحركات ضاغطة على العملة، عبر عمليات بيع أو شراء، للحفاظ على استقرار العملة والحدّ من نسب التضخم ما يحقق الاستقرار في سوق العملات وما ينعكس إيجاباً على الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي، بالإضافة إلى ما يحمله من إيجابية على القطاع المصرفي. إذاً، من إيجابيات امتلاك البنوك المركزية حول العالم لمستويات عالية من الاحتياطات الأجنبية، أنها تسمح لهذه المصارف المركزية بالتدخل في سوق العملات لإعادة الاسنقرار لأسعار الصرف إن وقعت أي أزمة في البلاد. ومن هنا أهمية محافظة البنوك المركزية حول العالم، وخاصّة في الدول التي تشهد أوضاعاً سياسية وأمنية غير مستقرة عموماً، مثل لبنان مثلاً، على مستويات مرتفعة من الاحتياطات التي تعدّ أداة قوية بيد السلطات النقدية يمكن استخدامها للتدخل في السوق ووضع حدّ للضغوط التي يمكن أن تتعرض لها العملة المحلية جرّاء أي أزمة.

كذلك تسهم هذه الاحتياطات في تشجيع البنوك المركزية على التدخل لتحفيز الاقتصاد بوسائل عدّة من خلال القروض الميسّرة والمدعومة وغيرها. باختصار، امتلاك البنوك المركزية احتياطات أجنبية كبيرة يريح الأسواق تجاه العملة المحلّية عموماً، كما يسهم في بعض الأحيان في تأمين الاستقرار الماليّ للدولة. ففي لبنان، تشكل هذه الاحتياطات الأجنبية (ذهب وعملات) ما يقارب 71% من الدين العام الإجمالي ونحو 81% من صافي الدين العام، وهي تغطي نحو 129.95 شهراً من خدمة الدين.

وبالعودة إلى ميزانية مصرف لبنان، لا بد من الإشارة إلى أن موجودات المركزي قد ارتفعت أيضاً نحو 970 مليون دولار خلال النصف الثاني من تموز 2017 إلى ما يقارب 109.27 مليارات دولار مع تحسّن قيمة محفظة الأوراق المالية بنسبة 2.82% إلى 27.57 مليار دولار واستمرار زيادة التسليف إلى القطاع المالي بنسبة 0.7% الذي وصل إلى ما قيمته 5.63 مليارات دولار.