(بص أنا حاولت بس واضح كده مفيش نصيب) بهذه الجملة ينهي الكثيرون النقاشات مع غيرهم، سواء مع أصدقائهم أو مديريهم في العمل أو الأشخاص المرتبطين بهم.

ولكن هل فعلاً كل ما يحدث لنا يقع تحت طاولة النصيب؟!

بالتأكيد لا، وكذلك ليس كل ما يحدث لنا لا يكون للنصيب يد فيه، ولكن متى نطلق على موضوع ما أن النصيب هو المتحكم فيه؟! هذا ما سأحاول الإجابة عليه في هذا المقال.

منذ ولادتنا وكل ما يحدث لنا من أشياء نجد آباءنا يسارعون بالإجابة علينا بأن هذا قدرك ونصيبك، بغض النظر عن البحث في أصل الموضوع، لا أقصد بهذا عدم الإيمان بالقدر، ولكن كل قدر له أسباب، وأنت كبشري خلقه الله بطبيعة الحال مسيّر مخير، أي أن هناك الطرق أمامك، وأنت تأخذ الأسباب التي تقودك إلى الطريق الذي تريده، وحينها يكون هذا قدرك، ولكن أنت مَن اخترت في البداية.

لذلك كان الخطأ الأكبر لآبائنا أنهم لم يبحثوا في أصل الأشياء التي تحدث معنا، ولم يعَلمونا أن هناك لكل فعل سبباً مسبباً له، قبل أن تلقي الإجابة على شماعة النصيب.

حين يتم فصلك من وظيفة معينة، هل تبحث في الأسباب التي أدت إلى فصلك قبل أن تقول إن هذا نصيبك؟! دعني أتفق معك على أن هذا نصيبك إذن لماذا لم يفصل باقي زملائك؟! لمَ أنت بالتحديد الذي تم فصله؟! بطبيعه الحال لا بدَّ أنك أهملت في عملك أو اقترفت شيئاً مما يستوجب فصلك، ولكن إذا كنت على أكمل وجه، وتم فصلك، حينها نستطيع القول بأن هذا نصيبك.

كذلك في العلاقات العاطفية، عندما ترتبط بأحدهم وبعد فترة تمل الموضوع، وتتركه، أو هو يتركك، فإن أول ما يقال إن هذا نصيب وقدر، ولكن الحقيقة أن هناك أشياء قادت لهذا الانفصال.

العلاقات العاطفية بالتحديد هي الوحيدة التي لا تستطيع أن ترمي فشلها أو نجاحها على شماعة النصيب؛ لأنها عبارة عن ارتباط حر بكامل إرادتك تحركه مشاعرك الداخلية التي لا يجبرك أحد أبداً عليها، فكيف عند فشل هذا الارتباط تقول إن هذا بفعل النصيب؟!

لا يا عزيزي لا بد أنك أو كليكما بدر منكما بعض الأخطاء التي أدت إلى هذا الانفصال، يقول لي بعضهم: لا لم يحدث أي شيء بيننا، وفجأة تم إبلاغي بقرار الانفصال، أستطيع الرد بأن الخطأ الذي وقعت فيه هو أنك لم تحسن الاختيار منذ البداية، واخترت شخصاً لا يناسبك، أو لم يستطع فهمك، أو أنك لم تستطع احتواءه، وإيصال مشاعرك له، فتركك لهذا السبب.

أعتقد من خلال هذين المثالين أستطيع الإجابة الآن على سؤال: متى نقول عن شيء ما إنه فعل النصيب؟
تستطيع عزيزي إطلاق لسانك وتعليق الفشل، أو النجاح في حياتك، بأنه بفعل النصيب، عندما تفعل كل شيء، كل ما تستطيع لكي تصل لهدفك وألا تدخر جهداً لإتمام هذا الموضوع، وحينها تكون قد استنفدت كل الأسباب المتاحة لديك، وحينها يكون للقدر والنصيب اليد العليا.

النصيب هو شيء محير جداً؛ حيث إنك تكون تسير في اتجاه معين، وكل تفكيرك ينصب في إتمام هذا العمل بهذه الطريقة التي تعمل عليها لفترة معينة، وفجأة بلا سابق إنذار ولا تحذير تجد أن شيئاً ما حدث لك غير متوقع تماماً أنهى لك هذه المهمة، مما يجعلك تقف مذهولاً كيف ولماذا حدث هذا؟!

بعد فترة زمنية، وبعد تخطيك وتأقلمك على الأشياء التي حدثت بلا توقع منك، وبلا أدنى سبب منك، وكان النصيب هو السبب فيها، وحين تتذكرها ستجدها أنها أفضل شيء حدث، ولو عاد بك الزمن لفعلت الشيء ذاته، ولحولت كل تفكيرك لكي تقوم بهذا العمل، كما فعله لك القدر.

أنهي كلامي يا عزيزي بأننا كبشر لا ندرك ما يحدث لنا إلا بعد فترة ولا نشعر بقيمة الأشياء إلا بعد فقدها أو امتلاكها بعد تمنّ وأحلام قديمة، ولكن تذكر أن أي شيء يحدث لك، سواء رضيت عنه وقتها أو سخطت عليه، هو الأفضل لك، ولا بد أن له دوراً هاماً في حياتك.

عش حياتك، وافعل كل ما بوسعك لتحقيق أحلامك ورغباتك، ولا تسخط على أي شيء يحدث لك على غير هواك، فقريباً ستعرف قيمته عاجلاً أم آجلاً.