الهاجسُ الأمني الذي يسيطر على بعلبك ـ الهرمل، إن كان بسبب الفلتان غير الطبيعي الذي يسيطر على المنطقة نتيجة عمل العصابات، أو الخطر الآتي من الجرود بسبب وجود «داعش» وأخواتها، لم يحجب الضوءَ عن الإنتخابات النيابية المقبلة في ظلّ الحديث عن تحالفاتٍ وترشيحاتٍ جديدة.
 

لم يعد هناك أيُّ سبب يمنع القوى المعترِضة في بعلبك - الهرمل من خوض الإنتخابات النيابية المقبلة إذا جرت في 6 أيار 2018، خصوصاً أنّ النسبيّة تؤمّن الحدّ الأدنى من تمثيل مختلف الشرائح التي كان يضيع صوتها في البحر الشيعي الواسع.

عوامل مؤثّرة

وتُعتبر هذه الدائرة من أبرز الدوائر ذات الغالبية الشيعيّة التي يمكن لخصومُ «حزب الله» وحركة «أمل» تحقيقَ خروق مهمّة فيها تسمح بإيصال عدد من النواب وذلك للأسباب الآتية:

أولاً، يوجد في هذه الدائرة مزيجٌ طائفي ومذهبي وسياسي، قوامه وجود كتلتين، سنّية ومسيحيّة، تُواليان بنحوٍ أساسي تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية».

ثانياً: على رغم أنّ الثنائي الشيعي أغلق الساحة الشيعيّة في وجه خصومه، إلّا أنّ هناك في بعلبك - الهرمل ثمّة بيوتات سياسية أبرزها آل حمادة الذين كان زعيمُهم رئيس مجلس النواب الراحل صبري حمادة والذي كان يُعتبر من أهم رموز مرحلة الإستقلال وما بعده. وآل الحسيني الذين يتزعّمهم رئيس مجلس النواب الأسبق حسين الحسيني.

ثالثاً: وجود تنوّعٍ عشائريّ في البيئة الشيعيّة، وعلى رغم أنّ غالبية العشائر تؤيّد خطّ المقاومة، إلّا أنّ العصبَ العشائري ما زال غالباً، وإذا ترشّحت إحدى الشخصيات المنتمية الى عشيرةٍ ما على إحدى اللوائح المنافسة للثنائي الشيعي فهناك إحتمالٌ كبيرٌ أن تحصد العددَ الأكبر من أصوات عشيرتها.

رابعاً: قد يشكّل الحرمان الذي تعاني منه منطقة بعلبك - الهرمل عاملاً أساساً في المعركة المقبلة، خصوصاً داخل البيئة الشيعيّة التي ترى أنّ معظم الخدمات يذهب الى أهالي الجنوب فيما البقاع مهمَلٌ عموماً.

حجمُ الدائرة

تضمّ دائرةُ بعلبك الهرمل 10 نواب موزّعين على الطوائف كالآتي: 6 شيعة، سُنيان، مسيحيان (ماروني وكاثوليكي)، ويبلغ عدد الناخبين المسجَّلين على لوائح الشطب نحو 310 آلاف ناخب، يتوزعون كالآتي: 227 ألف ناخب شيعي، 42 ألف ناخب مسيحي،41 ألف ناخب سنّي.

في إنتخابات 2009 كان عدد الناخبين نحو 255 ألف ناخب واقترع منهم نحو 126 ألفاً حيث بلغت نسبةُ الاقتراع نحو 49 في المئة ونالت لائحةُ الثنائي الشيعي نحو 106 آلاف صوت معدّلاً وسطياً، في وقت نال المنافسون نحو 13 ألف صوت، وتوزّعت بقيةُ الأصوات على مرشّحين مستقلّين.

لكن لا يمكن أخذ نتيجة 2009 معياراً للإنتخابات المقبلة، لأنّ النظامَ الانتخابي كان أكثرياً ولا أحد يستطيع مواجهة لائحة الثنائي الشيعي ما إنعكس على نسبة الاقتراع لعلم المقترعين أنّ النتيجة معروفةٌ سلفاً، فالمسيحيون لم يصوِّتوا بكثافة، كذلك فإنّ تيار «المستقبل» لم يخض معركة هذه الدائرة نظراً الى تداعياتِ «إتفاق الدوحة» من جهة، وتركيز الإهتمام على الدوائر التي كانت تُعتبر حسّاسة.

لوائحُ خاصة

مع قانون الانتخاب النسبي سيُتاح لأيّ قوّة تشكيل لائحتها الخاصة، فإذا تحالف «المستقبل» و»القوّات» مع بعض الشخصيات الشيعيّة المستقلّة فإنّ حظوظ الخرق تراوح بين مقعد وثلاثة.

«القوات» كانت أوّل مَن بادر الى إعلان الدكتور طوني حبشي مرشّحاً عن المقعد الماروني، وتلت ذلك زيارة عدد من الشخصيات الشيعيّة المستقلّة لمعراب، وتنطلق «القوات» من انها تملك قاعدةً شعبيةً واسعة في دير الأحمر والجوار، فضلاً عن القاع ورأس بعلبك وبعض القرى المسيحيّة، وإذا بلغت نسبة المشارَكة المسيحيّة نحو الخمسين في المئة، فإنّ نحو 21 ألف ناخبٍ مسيحيّ سيدلون بأصواتهم، وإذا استطاعت «القوات» تجييرَ غالبيتهم لمصلحتها فإنها تصبح قادرةً على الخرق. وبغية ضمان ربح المقعد الماروني، ربما يكون من الأفضل عدم ترشيح كاثوليكي لكي لا تنقسم الأصواتُ المسيحيّة التفضيلية على مرشحَين.

الحزب و«القوات»

ويرى المتابعون للشأن الإنتخابي، أنّ «حزب الله» قد يرفد حليفَه النائب إميل رحمة بأصوات من الفائض الشيعي الذي يمتلكه، حتى لو كلّفه الأمر خسارة مقعدٍ شيعيّ، لكي لا يعطي «القوات» فرصة الفوز بنائب في الدائرة التي يشكّل غالبيّتها، في حين لم يُعرَف بعد موقف «التيار الوطني الحرّ» النهائي من الترشيحات، خصوصاً أنّ رحمة هو عضو في تكتل «التغيير والإصلاح» عندما كان في كتلة «لبنان الموحّد»، وإستمرّ بعد وقوع الخصومة بين الكتلتين، على علاقة وطيدة مع التكتل. لذلك، فإنّ هناك إحتمالاً كبيراً أن يدعمَه «التيار» إذا لم يبادر الى ترشيح كاثوليكي.

القوّة السنّية

أمّا سنّياً، فتتوجّه الأنظار الى موقف «المستقبل»، وإذا كان في استطاعته تجيير معظم الأصوات السنّية لمصلحة لائحته، وفي السياق، تشكّل عرسال الحاضنة الأساسية، ويُعتبر «المستقبل» القوة الأبرز فيها، وبالتالي فإنّ ترشيح شخصيّة عُرسالية إضافةً الى أخرى بعلبكية سيشكّل قوة دفع للائحة.

ويبتعد «المستقبل» حالياً من الكلام عن الأسماء لأنّ الوقت ما زال مبكراً، لكنه يؤكّد أنه سيخوض المعركة وسينتصر بمقعدٍ سنّي على الأقل، خصوصاً أنّ هناك عدداً كبيراً من الأسماء ذات الوزن البعلبكي تبدي إستعدادَها لخوض المعركة، ويبقى التحدّي الأكبر أن يرفع نسبة المشارَكة السنّية الى اكثر من 50 في المئة. في حين أنّ الوضع الأمني يُرخي بظلاله على عرسال والجوار، ويسأل كثيرون عن الظروف التي ستجرى فيها الإنتخابات؟

الخياراتُ الشيعيّة

وتشكّل هذه الإنتخابات فرصةً للشخصيات الشيعيّة المستقلة لإثبات حضورها، خصوصاً إذا شكلت لوائح مع مثيلاتها في طوائف أُخرى، أو تحالفت مع «القوات» و«المستقبل».

لكنّ الأرقام تترنّح بين إحكام الحزب والحركة السيطرة على الشارع الشيعي، ونتائج إنتخابات بعلبك البلدية العام الماضي، والتي نالت فيها اللائحة المنافِسة نحو 47 في المئة. وفي حين يبدي الحزب والحركة إرتياحهما الى مجريات الأمور، هناك أسئلة عدّة تُطرَح شيعيّاً، فهل ستشكّل هذه الإنتخابات مناسبةً لعودة آل حمادة وآل الحسيني الى المجلس النيابي؟

وماذا سيكون موقف العائلات والعشائر؟ وهل ستشكّل الوجوه الشيعيّة المستقلّة والعشائر لوائح بمعزلٍ عن «القوات» والمستقبل»؟ وهل سيعمد الثنائي الشيعي لدعم لوائح لتضييع الأصوات؟ وماذا ستكون النتيجة لو خاض «حزب الله» وحركة «أمل» الإنتخابات كل بلائحة؟

نسبُ التصويت

في حال رفع الحزب والحركة نسبة التصويت الى حدود الـ70 في المئة، فإنه سيصوّت نحو 150 ألف شيعي، في مقابل نحو 40 أو 50 ألفاً بين مسيحيّ وسنّي اذا بقيت النسبة عندهما نحو 60 %، عندها يكون الحاصلُ الإنتخابي نحو 20 ألفاً، ويستطيع عندها تحالفُ «القوات» و«المستقبل» الخرقَ بمقعدَين.

أما إذا بقيت نسبةُ التصويت الشيعيّة نحو 50 في المئة، عندها يصوّت نحو 110 شيعي، إضافةً الى 40 ألفاً بين سنّيٍّ ومسيحيّ إذا لامست نسبةُ تصويتهما الـ50 في المئة، ويعني ذلك، أنّ الحاصلَ الإنتخابي نحو 15 الف صوت، عندئذ سيصبح في إمكان لائحة «القوات» و«المستقبل» الخرق بثلاثة مقاعد إذا حصد حلفاؤها الشيعة أصواتاً ولو ضئيلة.

تبقى الأمورُ رهنَ التحالفات والتوازنات الجديدة، ومن الآن حتى موعد الإنتخابات، ستعيش منطقة بعلبك ـ الهرمل التي جعلها القانون الجديد دائرةً إنتخابيةً واحدة، وهي محافظة محدثة، بحيث إنّ «الصوت التفضيلي» لم يُحصر في بعلبك أو الهرمل. تجاذباتٌ عدّة قبل تبلور اللوائح المتنافسة.