تكبير صدر ومؤخرة، شفط دهون، نحت خصر، شد وجه، ترميم انف، نفخ الخدين والشفتين، بعض مما تتضمنه قائمة الجمال لدى اطباء التجميل، التي تحلم سيدات كثيرات في خوض غمار واحدة منها على الاقل، تتهيأ نفسياً ومادياً، تتخذ قرارها، وتخطو خطوتها، تطرق باب هذا العالم الواسع، وما ان يفتح لها حتى تغرق في بحور الهوس للوصول الى الكمال في الجمال. من عملية الى أخرى تنتقل، وكلها أمل أن ترضى عن مظهرها، لكن عبثاً، فبعد كل خطوة تقطعها للوصول الى نهاية الطريق تشعر ان المسافة تزيد. 

تشوّهات بدلاً من الجمال

أمل. ب. (اسم مستعار) هي احدى السيدات اللواتي طرقن باب عمليات التجميل، وجهها كأنه معمل للبوتوكس والفيلر، خداها نفخا الى درجة لم يعد باستطاعتهما تحمل المزيد، شفتاها أثقلتهما المواد التي حقنت داخلهما حتى مالت احداهما، لا بل لم تكتف بخوض غمار هذا العالم الذي جذب الملايين، بل تعلمت"المهنة" وباتت هي من تقوم بحقن السيدات.

200 دولار هو الثمن الذي تتقاضاه لحقن الوجه، ومثله للشفتين، في احدى غرف فندق في الجنوب، كانت في انتظار زبونتها الصيف الماضي، بلباس البحر استقبلتها، وبعد تبادل اطراف الحديث، طلبت منها التمدد على السرير، حددت النقاط التي تنوي خرزها، هيأت الابرة، وبكل قسوة بدأت وخزها، لم تبال بوجع الفتاة، استهزأت بألمها قائلة " كل اسبوع احقن وجهي في المكان الذي اشعر انه بات بحاجة الى ذلك".

 انتهت المهمة خرجت الزبونة وكلها امل ان تكون قد احدثت تغييرا ايجابيا في جمالها، لكن بعد عشرة ايام، لم تشعر بأي تغيير، وكأنها حقنت بماء، اتصلت بأمل كي تخبرها بالامر، لكن الصدمة عندما اطلعتها انها تعاني من الم جسدي ونفسي بعدما خضعت لتكبير صدر في احد مستشفيات لبنان، لم تخرج منها بسلام، بل بنوع من البكتيريا بدأ ينخر صدرها، شوهه الى حد لا يمكن لأحد تصوره، تقرحات تحتاج اشهرا من العلاج . في حالة يرثى لها كانت أمل التي رفضت الحديث حينها الى الاعلام كون المستشفى والطبيب اقنعاها انهما سيعالجانها على نفقتهما.

هوس ما قبل المراهقة

هوس التجميل يمكن ان يبدأ قبل سن المراهقة بحسب المعالج النفسي جو عاقوري الذي شرح لـ"النهار" انه" قد تبدأ الفتاة منذ الصغر التشبه بوالدتها من خلال وعيها على مثل الام الذي يُظهر لها الصورة التي ستكون عليها عندما تكبر، او قد تضع هدفا لها ان تكون هي المثال في التحولات التي تعيشها". واضاف " اذا كان تركيز الأم على شكلها وجسدها للابتعاد عن الامور الحساسة والصعبة، ستعيش ابنتها هذه المراحل، وستدخل في جو المظاهر، وبدلا من ان تنمو بتوازن بين الظاهر والباطن، ستعيش صراعا من الداخل".

"الحماس لدى الفتاة التي تبلغ 11 او 12 عاما من العمر على الظواهر له علاقة ببيئة المنزل والاجتماعيات التي تكون اكبر من الحقيقة، والتي تركز على الامور الشكلية من دون منح الفرصة للصغيرات في التمييز بين الجميل والقبيح، لا توقف تربوي على النمو الداخلي، والهدف الاساسي نيل اعجاب البيئة الأولية اي افراد العائلة ومن ثم البيئة المحيطة اي المجتمع" قال عاقوري قبل ان يشرح"بعض البيئات يهمها ان يكون الشكل مقبولا وظريفا، ما يشعر الفتاة بالنقص ان لم تكن تشبه والدتها، لا بل يتم تحديد نوعية الراحة من خلال الشكل، كالقول لها يجب ان تكوني جميلة وناجحة امام الاخرين، هنا يأخذ الجمال الصورة الاقوى تجاه الصورة الباطنية، وتجاه النمو الذي بدلا من ان يكون متوزانا يحصل العكس تماما".

وسواس السعي الى الكمال

اما الاخصائية النفسية هيفاء السيد فأرجعت اسباب هوس بعض السيدات بعمليات التجميل الى"امراض نفسية، على رأسها الوسواس القهري، اي سعي الفرد الى الكمال من دون وجود اي خلل وهمي او حقيقي في مظهره الخارجي، والذي يتسبب بخلل في افراز مادة السيروتونين الموجودة في الدماغ ما يؤثر على مزاج الانسان حيث يزيد من توتره واكتئابه". وشرحت انه " يمكن رد الاضطراب الى جرح نرجسي لدى السيدة يهدد استقرارها النفسي، يترك اثره بصور متعددة منها القلق والهذيان المرتبط بالجمال".

"لكل حالة خلفيتها، فقد تلجأ السيدة الى عمليات التجميل لكسب الاهتمام من قبل المحيطين بها، او لاغراء شريكها في محاوله لمنعه من الاعجاب بغيرها، كما ان وفرة المال، الترف ووقت الفراغ الزائد، قد تدفعها الى ذلك"، قالت السيد قبل ان تضيف " ان كان اساس اجراء فتاة عملية تجميل مرضا نفسيا، فلن تقتنع بتغيير شكلها حتى لو حظيت باعجاب واستحسان المحيطين بها، لذلك من المفترض بجراح التجميل التعاون مع اخصائي نفسي لمعرفة خلفية مريضته قبل اجراء اي عملية لها، كي لا يحوّل مهنته الى تجاره ولتجنيب المريضة الصدمات النفسية، خيبات الأمل، المخاوف المرضية الوهمية وقلق الموت، كون اي عملية سواء تجميلية ام لا لها مضاعفات قد تكون خطيرة".

أدوار سيئة

"مستوى الرقي الداخلي في الشرق الاوسط تدنى وبات تغيير المظهر الخارجي اسهل بكثير من العمل على تطوير الجمال الداخلي، لذلك اختصرت القيمة الباطنية بالشكل الخارجي"، بحسب عاقوري، وعن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي والاعلانات في تشجيع السيدات على اجراء عمليات تجميل لتحسين مظهرهن، اجاب: " تأثيرها سيئ ومباشر من خلال اعطاء الصورة وتحويلها الى الخيال، فالمرأة تعجب بأشكال فنانات وصور متداولة على الانترنت، تتخيل نفسها في ذات الجمال، قبل ان تتخذ قرارها بالاقدام على اجراء التغييرات".

"الغيرة تزيد حماس السيدات، كما ان الوضع المادي يلعب دورا سيئا، كونه يساعد على التغيير الخارجي بسرعة"، بحسب عاقوري " فالسيدة التي تجد صعوبة في تنمية داخلها النفسي والعقلي والديني تلجأ الى تغيير شكلها، في حين ان المرأة التي تكتشف مدى الطاقة والقوة في شخصيتها، لا تؤثر عليها التحسينات والتغييرات الشكلية، ولا يعنيها الكمال في الجمال، تتقبل تقدمها في السن وتعلم ان لكل عمر جماله ويجب استيعابه".

أما السيد فختمت معتبرة ان " اعلانات الجمال تلعب على فكر الفرد خاصة اذا كانت شخصيته هشة تتقبل الايحاءات كما ان عدم النضج والوعي يدفع الفتيات الى مثل هذه الخطوات التي لها اثار اجتماعية تظهر في نشاطاتها الاجتماعية والوظيفية والمدرسية والأسرية، لذلك على النساء ان يقنعن بمظهرهن والا يقدمن على خطوة اجراء أي عملية تجميل الا ان كن يعانين من تشوهات".