"يا خيي ركز عالطريق هلق وتروك التلفون، ما بدي موت أمي بتحبني". جملة قالها أندرو رزق في مقطع فيديو ممازحاً صديقه مايكل قازان، الذي كان يقود السيارة منتصف ليل السبت الماضي على طريق جبيل، قبل دقائق من سقوطهما في أسفل الوادي الذي يربط بين بلدتي حبوب وكفرمسحون، ويرحلا فعلاً قبل وداع أحبّائهما. 

 

ملاكان في السماء

أراد مايكل (17 عاماً) ابن بلدة بحديدات الذي أنهى امتحاناته للسنة الأولى الفندقية، أن يمضي بعض الوقت مع صديق طفولته أندرو (17 عاماً) ابن بلدة كفرمسحون، وبحسب ما قال والده العسكري المتقاعد من الجيش اللبناني هاني "ملاكان رحلا إلى السماء. أندرو رفيق ابني الوحيد، لا يخرج من المنزل إلا للذهاب إليه. في تلك الليلة هاتفه كي يخرجا معاً، أكلا مناقيش أمام المنزل، قبل أن يقوما بنزهة عند الساعة الثانية عشرة وعشر دقائق بعد منتصف الليل. أرسل لي برسالة أنه سيعود بعد قليل، لكنه لم يعد. عند الساعة الواحدة إلا ربعاً بدأت رحلة البحث عنه، لم أجده، فقد وقع في منطقة مخفية صعب الوصول إليها، إلى أن تمكن الجيش اللبناني من تحديد موقعه عبر هاتفه صباح اليوم التالي".

 

قازان الذي اختلطت كلماته بالدموع، شكر كل الأجهزة الأمنية والدفاع المدني والصليب الأحمر "إذ لم يقصر أي منهم بواجبه"، كما كان له عتب كبير على الصحافة وما تداولته من شرب الشابين للكحول قائلاً "كل ما قالاه عبر الواتساب كان من باب المزاح، فهما لا يشربان الكحول وما يحكى بحقهما كذب وافتراء".

أما أنطوني شقيق أندرو، فأكد والغصة تخنق صوته، أنه "في تلك الليلة أنهى أخي دراسته مع صديقته، طلب إلى والدتي أن تعيده إلى المنزل. عندما وصل، دخل لينام إلى جانب شقيقه الأصغر إيليو، لكن جاء مايكل وطلب إليه الخروج للقيام بنزهة في السيارة"، مضيفاً، "عند الساعة العاشرة والعشرين دقيقة انطلقا، قبل دقيقتين من سقوطهما في الوادي، كان مايكل يقود بطريقة صبيانية، من باب المزاح. كذلك المحادثة التي أرسلاها إلى صديقتهما عبر الواتساب عن شربهما الكحول كانت مزحة، فالاثنان لا يشربان الكحول، بل إن أندرو ملتزم دينياً".

 

أمتار قليلة فرّقتهما

على عمق 300 متر سقطت سيارة الرينو التي تعود ملكيتها إلى والد مايكل. رئيس مركز الدفاع المدني في جبيل شكيب غانم شرح لـ"النهار" أنه "عند نحو الساعة العاشرة إلا خمس دقائق من صباح أمس تبلغنا أنه تم تحديد مكان السيارة. توجهنا على الفور، وعند الساعة الثانية عشرة والنصف أنجزنا مهمتنا في انتشال الجثتين. لم تكن العملية تحتاج إلى كل هذا الوقت، لكن انتظرنا وصول الأدلة الجنائية، للقيام بدورها". وأضاف "الضحيتان كانتا خارج السيارة، واحدة على بعد نحو 150 متراً والأخرى نحو 50 متراً عنها، وقد نقلناهما إلى مستشفى سان مارتين".

شهادة ووسام

الفاجعة المزدوجة، دفع ثمنها رئيس خلية طلاب حزب الوطنيين الأحرار في ثانوية جبيل، تلميذ الصف الأول الثانوي، أندرو. وهو بحسب ما قال مدير الثانوية جوزيف مخايل لـ"النهار" "من خيرة الطلاب أخلاقاً وتهذيباً واجتهاداً، مميز بترتيبه وشكله ونشاطاته، فنان عازف أورغ وغيتار، كان ومجموعة معه يتولون القيام بالنشاطات المدرسية، وكان يحضّر لحفلة آخر العام، لا يوجد أستاذ في الثانوية إلا وبكى عليه، فقدانه خسارة كبيرة لنا ولعائلته".

أما مايكل فكان منضماً إلى الكشاف الماروني منذ عام 2014، وبحسب ما شرحه الكشاف جورج خوري لـ"النهار" " كان شاباً مقدماً، يحب العمل والمشاركة ومساعدة الجميع، رأيته قبل ثلاثة أيام من رحيله، كان فرحاً مرتاحاً، لا سيما أنه أنهى امتحاناته. كل ما يقال عن شخصيته قليل، من عرفه يعلم جيداً كم أنه شاب مهذب، يحب الاتكال على نفسه، وعدم تحميل غيره مسؤوليته، فعلاً يستحق وساماً لشجاعته وأخلاقه".

 

أين الطرق المتسامحة؟

مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبرهيم شرح لـ"النهار" أنه "مع بداية فصل الصيف نلاحظ ارتفاعاً في أعداد الشباب الذين يدفعون حياتهم على طرق لبنان في المناطق التي لا يتم التشدد فيها بتطبيق القانون، ولا توجد رقابة فيها. وبناءً على دراسة أعدتها الأكاديمية فإن 40 بالمئة من الضحايا بين قتلى وجرحى أعمارهم من 15 إلى 17 سنة هم من السائقين". وحمّل إبراهيم المسؤولية إلى "الأهل الذين يسمحون لأولادهم القاصرين بالقيادة وخاصة لأوقات متأخرة من الليل، إضافة إلى استعمال الهاتف وهم متعبون وما يرافق ذلك من مخاطر". وأضاف "في حادث جبيل، كان بالإمكان أن تكون الأضرار أقل لو أن الطريق متسامحة بوجود حواجز منعت السقوط في الوادي، ولكان حجم إصابة الشابّين أقل وسرعة إنقاذهما كانت أكبر". وطالب إبراهيم البلديات ووزارة الأشغال بتوفير مستوى أمان أعلى على الطرق للحدّ من الأذى الذي ينتج من الحوادث، ففي علم الحوادث يوجد ما يسمى نظام الأمن على الطرق، فحتى إن أخطأ الإنسان يجب ألا يكون مصيره الموت أو عرضة لإصابات خطيرة".

في قمة فرحهما ومزاحهما رحل مايكل وأندرو، تاركَين عائلتيهما وأصدقاءهما وكل من عرفهما في حالة ذهول على شابين كتبا بالدم اسمهما على لائحة الموت على طرق لبنان!