عقدت "مؤسسة الصفدي" مؤتمرها الإنمائي "من طرابلس إلى كل لبنان، نهوضا وإنماء" في السراي الكبير، برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وفي حضور نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني، ووزراء: التربية والتعليم العالي مروان حماده، العمل محمد كبارة، والشؤون الإجتماعية بيار بو عاصي، وبعد عرض فيلم "زواريب طرابلس القديمة"، ، ألقى الحريري كلمة استهلها بشكر مؤسسة الصفدي، وعلى رأسها الوزير الصديق والنائب الزميل محمد الصفدي، على هذه المبادرة المشكورة لإنماء المدينة القديمة في طرابلس".

ورأى ان "مؤتمرنا اليوم، ما كان من الممكن أن يحصل لولا عمل دؤوب لأكثر من سنة قامت به المؤسسة بمسح الاحتياجات الأساسية والوضع الاجتماعي والتربوي في منطقة تعتبر من أشد المناطق فقرا في طرابلس وفيها 30 ألف نسمة. وأهمية هذا العمل أنه تم مع السكان أنفسهم ومع الوزارات المعنية والمدارس في منطقة طرابلس القديمة، وأنه لا يكتفي بتقديم مسح شامل للوضع، إنما يقترح مجموعة مشاريع وبرامج تنموية للتنفيذ، لأنه لم يعد يكفي لا في طرابلس ولا في أي منطقة بكل لبنان، أن نجري دراسات ونعدد المشاكل، بل بات من الضروري وضع الحلول والمشاريع والبرامج لمعالجة المشاكل ودعوة الجميع، من مجتمع مدني ودولة وقطاع خاص، للمشاركة في تنفيذها. وهذا تحديدا هدف مؤتمرنا اليوم".

وأكد الحريري أن طرابلس مدينة استراتيجية، تملك العديد من نقاط القوة والطاقات والأمل بالمستقبل، طرابلس استراتيجية على حوض المتوسط، وطرابلس استراتيجية بصفتها نقطة ربط بين العالم والعمق العربي. طرابلس، وإن ظلمت في السنوات الأخيرة، بفعل جولات قتال وتوتير كانت مقصودة، وبفعل تشويه صورتها التاريخية المنفتحة والمتعلمة والمعتدلة، فإنها اليوم على باب فرصة تاريخية، لن نسمح لأحد بأن يفشلها".

وكشف ان "لهذا السبب نعمل لإتمام مشاريع البنى التحتية والطرقات والأوتوسترادات الدائرية غربا وشرقا، ومستمرون في العمل لإطلاق مطار رينيه معوض وسكة الحديد شمالا، والمنطقة الاقتصادية الخاصة، وتطوير المرفأ وتفعيل المعرض وصولا إلى مجمع الجامعة اللبنانية"، مؤكدا أن "هذا العمل كله مبني على نظرة استراتيجية لدور طرابلس المقبل حتما بإعادة الإعمار في سوريا والعراق، وفي مرحلة انا مقتنع فيها بأن طرابلس وكل الشمال سيكونان فيها رافعة للاقتصاد اللبناني كله وللنمو في كل لبنان، وخصوصا في الشمال وكل المناطق المحرومة. ولكي لا ننسى الهدف الفعلي من كل هذا المجهود، المجهود المحلي، كمثل ما تقوم به مؤسسة الصفدي، والمجهود الوطني الأكبر الذي تقوم به الدولة، يهمني أن أكرر أمامكم أن الهدف واحد وهو إيجاد فرص العمل، وبشكل خاص فرص العمل للشباب".

واعتبر أن الوضع الأمني عاد ليستقر في طرابلس وكل الشمال، وهذا يؤسس لواقع استثماري واعد بإذن الله، بفضل جهود الجميع وتكاتف الجميع وقرار العمل يدا واحدة من أجل طرابلس. ستبقى طرابلس عنوان الاعتدال والانفتاح والعلم والحياة في الشمال وكل لبنان".


الصفدي اعتبر من جهته أن "هذا المؤتمر يشكل حجر الأساس على طريق نزع ألقاب لا تليق بالمدينة، وإعطائها حقها لتخلع عنها لقب "المدينة الأكثر فقرا على البحر المتوسط" وفق تصنيفات البنك الدولي، وتهتم الدولة بشباب المدينة فتنتفي عنها صفة "الإرهاب".

ورأى أن "هذا اللقاء يهدف إلى دعوة الجميع من قطاع رسمي وخاص، ومنظمات دولية، وكل المهتمين إلى قطع الطريق على أي مخطط إرهابي يريد التسلل إلى عقول الشباب، والسعي إلى محاربة التطرف بالانفتاح، من خلال العمل على تدريب الشباب ومساعدتهم في تأمين فرص عمل تفتح أمامهم آفاق المستقبل، وتوفير شروط صحية لكل فرد محتاج في طرابلس ليعيش بكرامته، وتحويل منازل بحالة مزرية الى بيوت يتوفر فيها الحد الأدنى من المقومات الصحية والاجتماعية، بالإضافة إلى محاربة التسرب المدرسي وعمالة الاطفال".

وقال: "انطلاقا من هنا، أجرت "مؤسسة الصفدي" دراسة تشخيصية حول طرابلس القديمة بسكانها الذين يبلغ عددهم 30 ألف نسمة، وهي الأكثر عوزا بين جميع مناطق طرابلس والتي كانت في ما مضى قلب طرابلس النابض على الصعد كافة، بهدف إعادة إحياء نبض هذا القلب، وبالتالي إعادة الحياة تباعا الى المناطق السبعة المحيطة بها".

وأوضح أنه "أجري حول هذه المنطقة تقويم تشاركي اجتماعي اقتصادي خلص إلى نتائج على صعد الصحة والتربية والبطالة والبنى التحتية، وهي التي تشكل اليوم محضر نقاش المؤتمر لوضع توصيات تساعد في إعادة طرابلس الى الدولة، وتعيد إلى أهلها السمعة التي تليق بهم، وإلى الشباب الأمل بالمستقبل".

وزير الصحة غسان حاصباني، لفت الى انه زار طرابلس لمعرفة المشاكل، "ووجدت أن مستوى الفقر عال جدا ووزارة الصحة تعمل على نتائج فعالة جدا من ناحية العناية الصحية على الأراضي اللبنانية، حيث هناك أكثر من 200 مركز للرعاية الصحية الأولية، وهناك 11 مركزا في طرابلس، وهي غير كافية، وهناك ضرورة لزيادة هذا العدد بشكل كبير، وهناك مشكلة ايضا في نظرة المواطن الى المركز. ووزارة الصحة، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات، استطاعت أن تطور هذه المراكز وتضع لها معايير موحدة شاملة على مستوى عال من التعاون مع المنظمات الدولية، ومنها منظمة الصحة العالمية".

ولفت الى ان "دخل عامل زعزع كل الأسس، هو عامل النازحين السوريين في لبنان. 30 في المئة من سكان لبنان هم من النازحين السوريين، وفجأة أصبحت هذه المواقع مراكز للعناية بهؤلاء النازحين وإعطائهم العلاج الأساسي. لقد استطعنا بالتعاون مع البنك الدولي تحقيق تمويل لبعض هذه المشاريع وتطوير مراكز الرعاية الصحية، ولكن هذه المراكز في حاجة الى أموال إضافية. وزارة الصحة تقدم المعايير والأدوية واللقاحات والتدريب والتوعية والأسس الأساسية لإدارة هذه المراكز بحسب توجيهات وزارة الصحة العالمية. ومن ليس لديهم تغطية صحية في طرابلس استشفاؤهم سيكون في وزارة الصحة وفرق 15 بالمئة الذي يجب ان يدفعه المواطن غالبا ما يغطى من قبل الجمعيات الصحية في طرابلس".

وأشار الى أن "الوزارة تعمل ايضا على تفعيل المستشفيات الحكومية في المدينة. وعندما سيتأسس المشروع الذي عرضته مؤسسة الصفدي ويمول من الجمعية سنمول كوزارة صحة الجزء التابع لنا بدعمه وتطويره بتقديم الخدمات الصحية له وتقديم اللقاحات والأمور الأخرى ودمجه بشبكات الرعاية الصحية على مستوي لبنان".

بدوره اعتبر وزير العمل محمد كباره ان "طرابلس اغنى مدينة اثرية على المتوسطة وثاني مدينة للأثار المملوكية، ولكن هذه المدينة يلزمها دعم من كل الدول المانحة. هناك أكثر من مئتي معلم أثري في طرابلس في حاجة الى اهتمام وتأهيل واعادة تجديد. ووزارة العمل مستعدة للتعاون الى اقصى الحدود، والمؤسسة الوطنية للإستخدام جاهزة لتقديم كل ما يطلب منها وتحضير القوانين المطلوبة لإنجاح هذا المؤتمر".

وأعرب عن استعداده لتفعيل المعهد الوطني للتأهيل المهني والتقني، وتمنى على الدول المانحة "أن تدعم هذا المعهد". ورأى أنه "بامكان طرابلس ان تكون عاصمة ثقافية واقتصادية للبنان، وهذا يتطلب جهد من الجميع".

وزير الشؤون الإجتماعية بيار بو عاصي رأى أن "هناك وضعا خطرا في طرابلس يطالنا جميعا، ليس لأن فيها ترهلا اقتصاديا واجتماعيا، بل لأنها دليل على ان هذا الترهل يمكن ان يتمدد على كل لبنان، فتطور الأمور اوصل الى ترهل بنيوي في المدينة، وهذا مؤسف كلنا مسؤولون عنه، واذا اردنا حلا فيجب ان يكون شاملا متكاملا، فرقم البطالة في المدينة هو 60 بالمئه وهذه لحظة ما قبل الإنفجار، يجب المعالجة على المستوى السياسي الإقتصادي، الإجتماعي واذا وضعنا مليار دولار في طرابلس اليوم يذهبون هباء اذا لم يكن هناك خطة متكاملة تمكن المدنية كما بقية المدن اللبنانية ان يكون لديها اكتفاءا اقتصاديا ذاتيا. المفروض ان نلاقي حل لكل المسائل بالتعاون مع المجتمع المدني والمتطوعين، ورأى ان على طرابلس ان ان تتنتج وتطور اقتصادها المحلي وتخلق فرص عمل".

وفي الختام، تلت مديرة المشروع فيوليت الصفدي التوصيات الختامية للمؤتمر، وأبرزها:
- متابعة "مؤسسة الصفدي" التواصل مع وزارتي التربية والتعليم العالي والشؤون الاجتماعية في ما يتعلق بمشروع دعم جودة التعليم، على أن يعقد اجتماع بالتوافق بين الاطراف المعنية لوضع خطة تنفيذية، قبل حلول شهر رمضان المبارك، وتقديم مشاريع حولها الى الجهات المانحة والمنظمات الدولية المهتمة، وتقوم على، استمرار التواصل والتوافق مع وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية لوضع الأطر التنفيذية لمركز الرعاية الصحية الاولية، وتحديد الاولويات على مستوى تطوير مهارات الشباب في طرابلس القديمة والمنطقة المحيطة بشكل عام، بالتعاون والتنسيق مع وزارتي العمل والتربية، أقسام التدريب المهني والتقني، خصوصا وأن "مؤسسة الصفدي" باشرت بإنشاء مركز التدريب المهني المعجل، على ان يتم تطويرعمل هذا المركز بالتعاون مع الشركاء المعنيين والمهتمين.

العمل بالتعاون مع وزارة الصحة ومجلس الانماء والاعمار وبرنامج الموئل UN HABITAT، ووفقا للمسح الذي أجرته "مؤسسة الصفدي" على تأمين تمويل لتأهيل المنازل وفقا للشروط الصحية والاجتماعية الدنيا، خصوصا وان عيش الفرد في بيئة غير ملائمة تعرضه للمرض أولا وللإنعزال والتفكك الاجتماعي ثانيا، كما بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية وكل الجمعيات والمنظمات المعنية من أجل تطوير مشاريع وبرامج تعنى بالتنمية الحضرية الاجتماعية وتؤدي بالتالي الى تفعيل دور اللجان المحلية من السكان في الحفاظ على التراث الثقافي للمدينة والتوعية على ثقافة المواطنية، وأخيرا الاستمرار مع فريق العمل، بالتواصل مع كل الوزارات والمنظمات الدولية والهيئات المحلية، لتطوير المشاريع المقترحة التي تتلاقي واهداف المؤتمر وتؤدي بالتالي الى النهوض بطرابلس القديمة وكل المناطق المحتاجة بشكل عام".