قدم الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي، في مقابلة تلفزيونية مساء أمس، عرضاً شاملاً لأوضاع المملكة في ضوء «رؤية 2030» التي بدأت بالفعل تعكس إيجابياتها على الاقتصاد والمواطن، باعتبارها ليست «نقلة نوعية» للمملكة وحسب بل «نقلة نحو سعودية جديدة»، بعقل وقراءة مستوعبين للإمكانات والتوقعات، لا على مستوى السياسة الداخلية فقط بل أيضاً على المستوى الديبلوماسي قولاً وفعلاً مقرونين بالوضوح والحزم تجاه الصديق والعدو. 

الأمير محمد بن سلمان، أكد في مقابلة مع برنامج الثامنة الذي يقدمه الإعلامي داود الشريان وبثته القناة السعودية، بالتزامن مع قناة «ام بي سي» انعدام إمكانية التفاهم مع النظام المتطرف في إيران الذي يستهدف قبلة المسلمين، مؤكداً: «لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران وليس في السعودية»، مشدداً في المقابل على صلابة العلاقات مع مصر، معتبراً أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد أضاع «فرصاً هامة للتغيير» في سوريا. 

اليمن

ورداً على سؤال بشأن مستقبل حرب اليمن، قال الأمير محمد بن سلمان: «لا شك أن الحرب حين قامت لم يكن هناك خيار بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كان أمراً لا بد أن نقوم به، أو سيكون السيناريو الآخر أسوأ بكثير، فأولاً الانقلاب على الشرعية من قبل ميليشيات مصنفة ميليشيات إرهابية لدينا معها تجربة 2009 السلبية، والشيء الثاني شكلت هذه الميليشيات خطراً على الملاحة الدولية، أيضاً على كل جيران اليمن، الأمر الثالث بدأ النشاط الإرهابي في الطرف الآخر بجنوب اليمن ينشط بشكل قوي جداً استغلالاً لعمل هذه الميليشيات، ولو انتظرنا قليلاً سيصبح الخطر أكثر تعقيداً وسيصبح الخطر داخل أراضي السعودية وداخل أراضي دول المنطقة وفي المعابر الدولية الرئيسية، فلم يكن هناك لنا أي خيار آخر».

أضاف: «أنا اعتقد أن القوات المسلحة السعودية حققت إنجازاً كبيراً جداً، عندما بدأت العمليات كانت سيطرة الشرعية تكاد تكون صفراً في المئة على الأراضي اليمنية، اليوم الشرعية تسيطر على 80 أو 85% من الأراضي اليمنية، بينما وجد تحالف آخر في شمال السعودية في العراق وسوريا لمحاربة «داعش» التي تسيطر على جزء من العراق، 60 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من 2014، وكانت قبلنا بسنة، وإلى اليوم لم يعملوا شيئاً، ونحن 10 دول في المنطقة استطعنا أن نحقق إنجازاً في وقت أقصر من وقت حرب عمليات العراق وسوريا، فهذا إنجاز نعتبره للقوات المسلحة السعودية والقوات اليمنية وقوات التحالف كلها».

وأكد الأمير محمد بن سلمان «نستطيع أن نجتث الحوثي وصالح في أيام قليلة، ونستطيع أن نحشد القوات البرية السعوديه فقط وحدها وفي أيام قليلة نحرر كل المناطق والـ15% الباقية تحت سيطرة الحوثي وعلي عبدالله صالح، لكن ستكون نتيجته ضحايا في قواتنا بالآلاف، وسنفتح عزاء في كل مدينة سعودية وتكون النتيجة الثانية ضحايا مدنيين يمنيين بشكل عالٍ جداً وخسائر كبيرة جداً، فالوقت في صالحنا، والنفس الطويل في صالحنا، نحن لدينا الإمداد ولدينا كل الإمدادت اللوجستية ولدينا المعنوية العالية، والعدو ليس لديه الإمداد وليس لديه الأموال وليس لديه النفس الطويل، فالوقت في صالحنا وسنستغل الوقت الذي في صالحنا لصالحنا، وإذا لم نستغل الوقت الذي هو من صالحنا فمعناه أننا قدمنا خدمة للعدو».

ورأى أن «علي عبدالله صالح لديه خلاف كبير جداً مع الحوثي، ونعرف أنه اليوم تحت سيطرة الحوثي وتحت حراسة الحوثي، ولو لم يكن تحت سيطرة حراسة الحوثي، سيكون موقفه مختلفاً تماماً عن موقفه اليوم بلا شك، علي عبدالله صالح لو خرج من صنعاء إلى منطقة أخرى سيكون موقفه حينها مختلفاً تماماً عن موقفه اليوم، اليوم قد يكون مجبراً على الكثير من المواقف التي ذكرها».

مصر

وسُئل عن مصر التي كانت العلاقات معها ممتازة، بعدها بدأ الإعلام المصري كأنه يوحي بأن العلاقات كادت أن تنقطع، ماذا يحدث؟ فأجاب: «تقصد الإعلام الإخونجي المصري؟، الإعلام الذي ينتقد السعودية أو العلاقة السعودية - المصرية هو نفسه ينتقد فخامة الرئيس السيسي، والعلاقة السعودية المصرية علاقة صلبة قوية في أعمق جذور العلاقات بين الدول لا تتأثر بأي شكل من الأشكال، وتاريخ مصر والسعودية دائماً يقفان الى جانب بعضهما في كل الظروف وفي كل الأوقات ولم يتغير هذا الشيء ولم يصدر موقف سلبي من الحكومة المصرية تجاه السعودية، ولم يصدر موقف سلبي واحد من الحكومة السعودية تجاه الحكومة المصرية، ولم تتأخر مصر عن السعودية لحظة، ولن تتأخر السعودية عن مصر لحظة، هذه قناعة راسخة بين قيادة البلدين،بل لدى شعبي البلدين. بلا شك سوف يحاول أعداء المملكة العربية السعودية ومصر خلق الإشاعات بشكل أو بآخر سواء من الدعاية الإيرانية أو الدعاية الإخونجية لإحداث شرخ في العلاقة السعودية - المصرية، والقيادتان في البلدين لا تلتفتان لهذه المهاترات وهذه التفاهات».

وعن موضوع الجزر قال: «الذي حدث قبل سنة تقريباً هو فقط ترسيم للحدود البحرية، الجزر مسجلة لدى مصر أنها جزر سعودية، ومسجلة في السعودية أنها جزر سعودية، ومسجلة أيضاً في المراكز الدولية أنها جزر سعودية، فقط ما تم هو ترسيم الحدود البحرية ولم تتنازل مصر عن أي شبر من أراضيها، أو تتنازل السعودية عن أي شبر من أراضيها، وترسيم الحدود أتى لأسباب المنافع الاقتصادية التي من الممكن أن تُجنى بعد ترسيم هذه الحدود وعلى رأسها جسر الملك سلمان أو إمدادت النفط أو إمدادت الغاز أو إمدادات الطاقة أو القطار أو الطرق التي ستستهدف الميناء الذي سيُقام في شمال سيناء وصادرات دول الخليج لأوروبا».

إيران

وعن إمكان قيام حوار مباشر مع إيران، قال ولي ولي العهد: «كيف تتفاهم مع واحد أو نظام لديه قناعة راسخة بأن نظامه قائم على إيديولجيا متطرفة منصوص عليها في دستوره ومنصوص عليها في وصية الخميني بأنه يجب أن يُسيطر على مسلمي العالم الإسلامي ونشر المذهب الجعفري الإثني عشري الخاص بهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي حتى يظهر المهدي المنتظر، هذا كيف أقنعه؟ وما المصالح التي بيني وبينه؟! وكيف أتفاهم معه؟!، عندما يكون بيني وبين دولة أخرى إشكالية نبدأ بحلها، فمثلاً إذا كانت هناك مشكلة اقتصادية يكون هناك تواصل حول ما الذي تريده أنت وما الذي نريده نحن وكيف نتفاهم عليه، أو مشكلة سياسية مثلاً مع روسيا كيف نتفاهم في سوريا وما مصالحك وما هي مصالحي، كيف نتفاهم في اليمن وما هي مصالحكم؟... هذا كيف نتفاهم معه؟! هذا منطقه أن المهدي المُنتظر سيأتي، ويجب أن يحضّر البيئة الخصبة لوصول المهدي المنتظر، ويجب أن يسيطروا على العالم الإسلامي. حرموا شعبهم لأكثر من ثلاثين سنة من التنمية وأدخلوه في مرحلة الجوع والبنية التحتية السيئة لتحقيق هذا الهدف، لن يغير رأيه في يوم وليلة وإلا انتهت شريعته داخل إيران، فما نقاط الالتقاء التي يمكن التفاهم فيها مع هذا النظام ؟ هي تكاد تكون ليست موجودة، حيث تمت تجربة هذا النظام في أكثر من مرحلة في وقت رفسنجاني واتضح أنها تمثيليات، بعد ثورة الخميني تأتي استراتيجية التوسع حتى يغضب العالم، ومن ثم يخرجون قائد السلم الذي وقتها كان رفسنجاني حتى يكسب ثقة العالم ومن ضمنهم نحن، كسب ثقتنا، وبعد الوصول إلى مرحلة أخرى وبيئة جيدة يتم إيصال قائد متطرف لكي يستمر في عملية التوسع، مثل ما شاهدنا مع نجاد في العراق وسوريا وغيرها من المواقع. ثم يأتي قائد آخر لكي يحافظ على المكتسبات حتى يرضى العالم، ومن ثم يأتي قائد متطرف لكي يستمر في نشر التوسع. هذا لن يحدث، هذا انتهى، المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لُدغنا مرة، ومرة ثانية لن نلدغ، ونعرف أننا هدف رئيسي للنظام الإيراني، الوصول لقبلة المسلمين هدف رئيس للنظام الإيراني، لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران وليست في السعودية».

وعن الحل في سوريا، قال: «سوريا بلا شك الوضع فيها معقد جداً، بلا شك أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أضاع الكثير من الفرص المهمة التي كان من الممكن أن يحدث فيها تغيير كبير جداً في سوريا، اليوم سوريا أصبحت قضية دولية، أصبحت روسيا موجودة، هناك دولة عظمى.. دولة كبرى، الولايات المتحدة الأميركية موجودة وكل الدول الخمس الكبرى موجودة هناك، وأي احتكاك بين هذه الدول الكبرى قد يُحدث أزمة أكبر بكثير من أزمة الشرق الأوسط، فالوضع معقد جداً، نحن اليوم نحاول أن نخرج بأكبر قدر من المكاسب لمصالح السعودية ولمصالح الشعب السوري ولدول المنطقة».

وفي الشأن الاقتصادي السعودي، قال ولي ولي العهد «إن رؤية 2030 تنفّذ عبر برامج تنقسم على مراحل زمنية مختلفة، إن برامج تنفيذ الرؤية ستعمل على دعم القطاع الخاص»، كاشفاً في الوقت نفسه، «أن الاقتصاد السعودي لم يدخل في مرحلة انكماش برغم انخفاض أسعار النفط». كما توقع انخفاض نسبة البطالة إلى 7% وفق الرؤية 2030، وأكد أنه «لا توجد ضرائب على الثروة أو ضرائب على الدخل، وقد تمت مضاعفة الإيرادات غير النفطية خلال العامين الماضيين».

وقال: «حافظنا على الكثير من المؤشرات الاقتصادية بشكل جيد برغم انخفاض النفط، وكذلك ارتفاع الفرق المتوقع من الإيرادات غير النفطية في الربع الأول من 2017، وأن الدين العام لن يزيد عن 30% من الناتج الإجمالي المحلي».

وكشف ولي ولي العهد، «أن صندوق الاستثمارات العامة أدخل المليارات لخزينة للمرة الأولى، إذا مررنا بمرحلة حرجة مرة أخرى سنعود للإجراءات التقشفية»، مؤكداً «أن حساب المواطن يهدف لتعويض المواطنين عن أي ارتفاع في أسعار الخدمات»، مضيفاً: «نحاول أن تشمل مساعدات الدعم أكبر شرائح ممكنة من المجتمع».

وقال الأمير محمد بن سلمان إن «صندوق الاستثمارات العامة أحد أهم ركائز رؤية 2030. نعمل على إعادة هيكلة شركات صندوق الاستثمارات العامة. وأهم عنصر في صندوق الاستثمارات هو طرح أسهم أرامكو التي ستوفر سيولة نقدية ضخمة لدعم صندوق الاستثمارات العامة، كما سيساعد على إيجاد فرص استثمارية أخرى».

وأضاف أن هناك عاملين رئيسيين لتحديد نسبة الطرح في أسهم أرامكو، والحكومة ستحدد سقف إنتاج الشركة حتى بعد الطرح، مشيراً إلى أن سقف إنتاج النفط في السعودية «قرار اقتصادي وليس سياسياً».

كما أشار ولي ولي العهد إلى أن المملكة هي ثالث أكبر بلد في العالم في الإنفاق على التسليح العسكري، مضيفاً: «نعمل على دعم قطاع التصنيع العسكري»، مؤكداً أنه لا صفقة سلاح إذا لم تشمل محتوى محلياً.

أما ثاني بند في التصنيع المحلي فهو صناعة السيارات، «نركز على رفع المحتوى المحلي في صناعة السيارات».

وقال إن «13% من التجارة العالمية تمر في البحر الأحمر ولا نقدم لها أي خدمات»، مضيفاً: «ماضون في تنفيذ مشروع جسر الملك سلمان إلى شمال سيناء».

وعن المشاريع السكنية، أشار إلى أنه سيكون هناك مئات الآلاف من الوحدات السكانية المجانية للمواطنين، إضافة إلى توفير أكثر من مليون وحدة سكنية بأسعار ميسرة، وإطلاق برنامج الإسكان سيكون خلال الربع الثالث من العام 2017.

اما في الخدمات الصحية، فاعتبر أن القطاع الخاص يدير الخدمات الصحية في دول العالم المتقدم، وأضاف: «ملتزمون بتوفير العلاج للمواطن لكن ليس علينا إدارة المستشفيات»، ومشروع تطوير القطاع الصحي معقد للغاية وستظهر ملامحه هذا العام. كما أكد أن فرض رسوم على الحج والعمرة لن يؤثر على المناسك.

ورداً على سؤال، قال: «أنا أؤكد لك بأنه لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد سواءً وزيراً أو أميراً أو أياً كان، أي أحد تتوفر ضده الأدلة الكافية سيُحاسب».