تكتسب التعيينات العسكرية والامنية التي اقرها مجلس الوزراء امس أهمية خاصة، وعابرة للخلاف حول الآلية، كونها تأتي بالترافق مع تطور المعركة التي يخوضها لبنان في مواجهة الارهاب التكفيري، ومع تصاعد التهديدات الاسرائيلية التي تعدّت حزب الله الى رئاسة الجمهورية والجيش، في اعقاب المواقف الجريئة التي اطلقها الرئيس ميشال عون حول سلاح المقاومة.
ومن هنا، فان تلك التعيينات تبدو حيوية جدا، كونها تتصل مباشرة بمنظومة الامن القومي اللبناني الذي لا يحتمل اي نوع من انواع الخلل او المجازفة، لاسيما في هذه المرحلة المزدحمة بالتحديات والمخاطر، حيث الخطأ في الحسابات ممنوع، لان كلفته ستكون باهظة. 
وإذا كان يُسجل للمؤسسة العسكرية والاجهزة الامنية انها نجحت خلال السنوات الماضية في تثبيت حضورها وتفعيل دورها، على صعيدي مكافحة الارهاب وملاحقة شبكات التعامل مع اسرائيل، فان التحدي التلقائي الذي يواجه القادة الجدد المعينيين يكمن في البناء على ما تحقق سابقا، وبالتالي تطوير ادوات المواجهة ومستوى الجهوزية، خصوصا ان العدو بوجهيه الاسرائيلي والتكفيري سيحاول انتهاز «نصف فرصة»، إذا أمكن له، للاعتداء على لبنان.
بهذا المعنى، فان المطلوب من القادة الجدد ان يشكلوا فريق عمل واحدا او اقله متناغما، بحيث تتكامل ادوار الجيش و«فرع المعلومات» و«قوى الامن» و«امن الدولة» و«الامن العام»، بدل تنافرها او تضاربها كما كان يحصل احيانا في الماضي، علما ان درجات التنسيق والتعاون بينها قد ارتفعت نسبيا خلال الفترة الاخيرة، الامر الذي انعكس مزيدا من الانجازات الميدانية على الارض.
ولعل تسمية العميد جوزف عون قائدا للجيش بعد ترقيته الى رتبة عماد، استحوذت على القدر الاكبر من الاهتمام، بالنظر الى الموقع المفصلي للمؤسسة العسكرية التي ينتشر افرادها وضباطها من الحدود الجنوبية حتى الحدود الشرقية، مرورا بالداخل، مع ما يرتبه هذا الانتشار من مسؤوليات جسيمة على القائد الجديد الذي يبدو في مهمة «كوماندوس».
ولئن كانت لرئيس الجمهورية اليد الطولى في هذا التعيين استنادا الى معايير محددة، إلا ان ذلك لا ينفي حقيقة ان تقاطعا محليا- خارجيا حصل حول خيار جوزف عون الذي حظي اسمه بتأييد «القوات اللبنانية» وثنائي «حركة أمل» و«حزب الله»، الى جانب الصدى الايجابي اقليميا واميركيا، ما سهل كثيرا طريقه من مقر قيادته للواء التاسع في جرود عرسال الى اليرزة.
ويؤكد العارفون ان تعيين القائد الجديد للجيش لم يأت عشوائيا او اعتباطيا، ذلك ان الرئيس عون كان قد طلب من مستشاريه العسكريين اعداد لائحة مفاضلة بين اسماء قرابة 10 ضباط، يمكن لهم ان يتولوا قيادة الجيش، فحصل العميد عون على العلامة الاعلى في جدول المقارنة، علما ان الرئيس هو في الاساس من المتحمسين لاختياره، انطلاقا من قناعته بكفاءته العسكرية ومناقبيته الوظيفية. 
وترك تعيين عون اصداء ايجابية في صفوف الضباط الذين يعرفون زميلهم جيدا، ويُجمعون تقريبا على شجاعته ومناقبيته. ومن بين اكثر المرتاحين لاختياره، وفق اجواء المؤسسة العسكرية، هو مدير المخابرات العميد كميل ضاهر الذي تربطه بعون معرفة قديمة، لاسيما انهما من خريجي الدورة العسكرية ذاتها عام 1985، وبالتالي يتوقع المقربون من الرجلين ان يكون تعاونهما في أعلى درجاته، في الفترة المقبلة. 
وابعد من العلاقة بين قائد الجيش ومدير المخابرات حصرا، يشير العارفون الى ان الكثيرين من الضباط الاساسيين وقادة الالوية هم من «جيل» جوزف عون الذي استطاع ان ينسج روابط وثيقة معهم، خلال مسيرته الحافلة، الامر الذي من شأنه ان يسهل مهمته كثيرا، من دون الحاجة الى المرور في مرحلة انتقالية.
 

 موقف جنبلاط


وبعد صدور التعيينات عن مجلس الوزراء، قال النائب وليد جنبلاط لـ«الديار» انها من حيث المبدأ جيدة، بمعزل عن الموقف من الآلية التي اعتمدت، معتبرا ان أهمية تلك التعيينات تكمن في انها اخرجتنا من الجمود الذي لفّ الدولة خلال الاعوام القليلة الماضية، بحيث تمت استعادة الدينامية المفقودة وهذا هو الاساس بالنسبة الي...
وردا على سؤال عما إذا كان بصدد التعبئة الشعبية لمناسبة 16 آذار، بغية توجيه رسالة سياسية، يجيب: طوّل بالك، بعد في وقت...
 

 الثنائي الشيعي


الى ذلك، يحوز العماد جوزف عون على ثقة كل من «حزب الله» و«حركة أمل» اللذين يعتبران ان سيرته الذاتية ومسيرته الميدانية تُبينان بوضوح انه صاحب تجربة ناجحة، من الجنوب الى عرسال. ويبدي التنظيمان ارتياحا الى الآداء الذي أظهره في مواجهة المجموعات التكفيرية، وخلال توليه لمسؤوليات عسكرية في المنطقة الجنوبية سابقا، علما ان كونه ابن بلدة العيشية يحمل من الرمزية والدلالة، ما كان يكفي لتعزيز رصيده لدى الثنائي الشيعي الذي شجع على وصوله الى اليرزة.
وعليه، لا مبالغة في القول ان وجود عون «الثاني» في قيادة المؤسسة العسكرية يتناسق مع «فلسفة» التناغم بين الجيش والمقاومة والشعب، وبالتالي فان هذه المعادلة مرشحة لمزيد من الانتعاش في المرحلة المقبلة، استكمالا للنجاح الذي حققته في ايام العماد جان قهوجي.
 

 «القوات اللبنانية»


وبرغم ان جوزف عون قاتل بشراسة في صفوف الجيش ضد «القوات اللبنانية»، خلال الحرب، فان معراب رحبت باختياره لقيادة المؤسسة العسكرية، على قاعدة ان صفحة الاحداث طويت، بحبرها الاحمر وسطورها النازفة.
ويؤكد مصدر قيادي في «القوات» انه تم تجاوز كل جراح الماضي، وان علاقة صحية بُنيت مع الجيش منذ انتهاء الحرب، وبالاخص بدءا من عام 2005، في زمن تولي العماد ميشال سليمان ثم العماد جان قهوجي قيادة المؤسسة العسكرية. 
ويقول المصدر القواتي لـ«الديار» ان تعيين عون هو انجاز تاريخي من حيث الشكل والمضمون، لافتا الانتباه الى ان قرار اختياره قائدا الجيش صُنع في لبنان مئة بالمئة، من دون اي تأثير للوصاية السورية التي كانت تتولى تحديد الاسم وفرضه، خصوصا في الفترة الممتدة بين 1990 و2005. 
ويضيف: هذه المرة خرج اسم جوزف عون من قصر بعبدا وليس من قصر المهاجرين كما كان يحصل في الماضي، مع ما يعنيه ذلك من استكمال لرفع اليد الخارجية عن المؤسسات السيادية اللبنانية التي بدأت تستعيد عافيتها مع انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية ثم مع تكليف الحريري وتشكيل الحكومة وصولا الى اختيار قائد الجيش وفق مواصفات الصناعة الوطنية.
ويعتبر المصدر ان تعيين جوزف عون اتى في سياق تحقيق التكامل بين رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية، بينما كان الاختيار في مرحلة 1990- 2005 يندرج في اطار وضع قائد الجيش في مواجهة رئيس الجمهورية. 
ويشدد المصدر المقرب من رئيس «القوات» سمير جعجع على انه لا توجد بتاتا مشكلة لـ«معراب» مع شخص جوزف عون، بل هي ترحب بتعيينه وتتمنى له كل التوفيق، آملا في ان يشكل وصوله الى سدة القيادة العسكرية فرصة لاعادة احياء الهبة السعودية للجيش، بالترافق مع الكلام حول زيارة محتملة للملك السعودي الى لبنان قريبا، ومعربا عن اعتقاده بان اسم عون حظي بمباركة اقليمية - دولية، إنما من دون ان يقلل ذلك من وهج القرار اللبناني المركزي في اختياره. ويشير المصدر الى ان تعيين عون يستكمل انهاء عصر التمديد الذي بدأ أفوله مع انتخاب رئيس الجمهورية، مشددا على ان زخم هذا المسار سيقود الى اجراء الانتخابات النيابية حتما واسقاط فرضية التمديد الطويل الأمد للمجلس النيابي.