يمكن اعتبار الدفعة الكبيرة من التعيينات العسكرية والأمنية والقضائية والجمركية التي اصدرها مجلس الوزراء أمس بمثابة جرعة منشطة لمسار العهد والحكومة باعتبارها جاءت في ظروف ملبدة تراجع معها في شكل ملحوظ الزخم الذي واكب ولادة التسوية الرئاسية والحكومية. ومع ذلك فان صدور التعيينات لم يشكل حدثا بل كان بمثابة تقرير المقرر سلفا نظراً الى أن الاسماء التي استولدها توافق المعنيين الكبار عليها كانت معروفة منذ أكثر من أسبوع ولو أن اسماء قليلة ألحقت بالدفعة المقررة أمس. وتبعاً لطبيعة توزع الأسماء، بدا واضحاً أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كانت له اليد الطولى في اختيار أبرز المناصب العسكرية والقضائية والجمركية وخصوصاً من حيث تعيين قائد الجيش الجديد العماد جوزف عون الذي واكبت تعيينه موجة شعبية حارة في صفوف أنصار "التيار الوطني الحر" الى قادة أمنيين آخرين، فيما برز خيار رئيس الوزراء سعد الحريري واضحاً في تعيين المدير العام الجديد لقوى الأمن الداخلي العميد عماد عثمان.
وكادت سلة التعيينات التي شملت ١٤ منصباً والتي أقرها مجلس الوزراء بسحر ساحر، أن تشكّل انتصاراً للحكومة لو لم تنغّصه بعض الاعتراضات من عدد من الوزراء على طريقة هبوط هذه التعيينات عليهم دون علم مسبق. وتساءل الوزير مروان حماده: "هل نحن هنا لنبصم؟". وقال الوزير علي قانصوه: "هل يجوز أن نعرف من الاعلام؟". وقال آخر: "بعض المعينين بدأوا بتقبّل التهاني ونحن لا علم لنا بشيء". وعلم ان السير الذاتية للمعيّنين وزعت في ملف ابيض على الوزراء لدى دخولهم قاعة مجلس الوزراء.
واسترعت الانتباه حركة الاتصالات التي قام بها الوزيران علي حسن خليل وحسين الحاج حسن مجتمعيَن كما كل بمفرده وعادا ليُبشرا الصحافيين بأن تعييناً جديداً اتفق عليه من خارج الجدول ليتبيّن لاحقاً انه العميد المتقاعد اسعد طفيلي رئيسا للمجلس الاعلى للجمارك بوضع العميد المتقاعد نزار خليل في تصرف رئيس محلس الوزراء.
وخلال انعقاد الجلسة قال الوزير حمادة للصحافيين: "نحن اعترضنا على طريقة التعيين وليس على الاسماء"، كما أوضح الوزير قانصوه "انه والوزير حماده وآخرين اعترضوا على طريقة التعيين اذ انهم لم يتسلموا السير الذاتية للمعينين الا عند الساعة ١١ أي عند موعد بدء الجلسة بدلاً من إرسالها اليهم قبل ٤٨ ساعة وفق الاصول".
واكد نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني ان "القوات اللبنانية " موافقة على التعيينات واستغرب السؤال عن حصة فيها معتبراً "انها ليست قطعة كاتو". وقال إن الرئيس الحريري "ورداً على الملاحظات التي طرحت من هنا وهناك على طريقة التعيين التزم آلية اطلاع الوزراء على أي تعيينات مقبلة مع السير الذاتية للمرشحين قبل وقت من موعد الجلسة".
الى ذلك، حضر موقف رئيس الجمهورية من القرارات الدولية ولاسيما منها القرار ١٧٠١ ومن المقاومة بطريقة غير مباشرة اذ اكد في سياق عرضه لما قاله لمسؤولين أميركيين "التزام لبنان القرارات الدولية ولاسيما الـ 1701"، وقال : "نقول للجميع إن لبنان لا يعتدي على أحد بل يدافع عن نفسه ويحمي وحدته الوطنية. ولا يجوز لأي خلاف خارجي أن يؤثر على وحدتنا التي باتت نموذجاً تريد دول العالم الاقتداء به ". كذلك كان موقف للرئيس الحريري الذي قال: "نحن كحكومة واضحون عبر البيان الوزاري في ما يتعلق بالقرار 1701، وكذلك في ما خص علاقة لبنان بالدول العربية. وجميعنا اليوم يعلم أن هناك أموراً نختلف في الرأي في شأنها، ولكن علينا ان نضع هذا الاختلاف جانباً ونهتم بشؤوننا الداخلية ونحقق مصلحة لبنان اولاً".

 

مداخلة المشنوق
وأبلغ مصدر وزاري "النهار" ان مداخلة لافتة سجلت لوزير الداخلية نهاد المشنوق تناول فيها أولاً التعيينات، فسجل اعتراضه على تعيينات مجلس الجمارك لاستبعادها تعيين العضو السني من بيروت وشاركه في التحفظ عن هذه التعيينات الوزير يوسف فنيانوس. أما الشق الثاني من مداخلته فتناول الموقف الرسمي من السياسة الخارجية، فانتقد ما طرح في شأن سلاح المقاومة، لافتاً الى انه ادرج ضمن الاستراتيجية الدفاعية، كما نبه الى محاذير الاجواء المتوترة عشية انعقاد القمة العربية واعتراض السعودية ودولة الامارات على بند التضامن مع لبنان والتخوّف من ارتدادات سلبية لاي مواجهة لبنانية - خليجية في القمة العربية، خصوصاً ان رئيس الجمهورية سيكون حاضرا هذه المرة في القمة.

 

السلسلة: ارتباك
في غضون ذلك، بدت رحلة اقرار سلسلة الرتب والرواتب مشوبة بمزيد من الارتباك، اذ توصلت اللجان النيابية المشتركة في جلستها المسائية الى تثبيت سقف الكلفة الاجمالية بما لا يتجاوز 1200 مليار ليرة، فيما أقرت على زغل سلاسل الاسلاك العسكرية من دون الاتفاق على سلاسل الاساتذة.
وأنهت اللجان المشتركة جداول العسكريين وقدرت قيمتها ب434 مليار ليرة. وبرز خلال المناقشات تفاوت كبير بين الاداريين والمدنيين والعسكريين لجهة عدم الانصاف، فبدا راتب العسكري يفوق بكثير راتب الاستاذ، وهنا حاول النواب ردم الهوة بين الاثنين. وبحكم الجداول الجديدة، بات راتب الجندي الذي كان 650 الف ليرة، 982 الفا، من دون أي ملحقات.
وتبين للنواب وفق الجداول الجديدة ان اعداد المعلمين نقصت ولم تزد. وتحفظ وزير التربية مروان حمادة ونواب كتلة "الوفاء للمقاومة " عن سلسلة الاساتذة بسبب الفروقات مع سلسلة العسكريين. واعتبر رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابرهيم كنعان بعد الجلسة ان "اقرار الجداول خطوة مهمة وان لم تكن على مستوى الطموحات"، مشيراً الى ان اقرار السلسلة يتم في الهيئة العامة". وقال: "غداً (اليوم) جلسة جديدة، وسنستمع الى من لديه ملاحظات بلا مزايدات، ونحن حريصون على ألا تطال الضرائب الطبقتين الفقيرة والمتوسطة".

عون وملف القانون
على صعيد ملف قانون الانتخاب، علمت "النهار" أن الرئيس عون يتجه إلى طرح هذا الموضوع قبل آخر هذا الشهر على طاولة مجلس الوزراء مقترحاً اعتماد النسبية الكاملة وتقسيم كل محافظة دائرتين أو أكثر والشوف وعاليه دائرة واحدة على أن تجرآ الانتخابات على مرحلة واحدة لا مرحلتين. وفي حال السير بهذا الاقتراح تؤجل الانتخابات تقنياً إلى أيلول، أما في حال استمرار العقبات، وهذا أسوأ الاحتمالات بالنسبة إلى العهد، فلن يكون هناك مفر بحسب المصادر من التمديد ستة أشهر لمجلس النواب لتجنب الفراغ التشريعي، على ألّا تنتهي السنة 2017 إلا ويكون للبنان مجلس نواب جديد وحكومة جديدة يستطيع الرئيس اعتبارها حكومة عهده الأولى