ماذا يعني أن يولي رجل دين اهتماماً بأحوال الطقس وينشرها خدمةً للناس؟ لا غرابة في ذلك إذا تعرّفتم إلى "مرصد" الأب إيلي خنيصر وصفحته على "فايسبوك"، فهو يصدر يومياً نشرة مفصلة عن الطقس يتابعها نحو 180 الف شخص. هل هذا اختصاص أم هواية؟ ومن أين يأتي بمعلوماته؟
الأب خنيصر راهب باسيلي شويري يخدم في زحلة، يقول عبر "النهار" إنه يهتم بعلم المناخ ويتابع الطقس خدمةً للناس لا غير. ويوضح: "ان متابعة أحوال الطقس جزء من حياة الإنسان ولا يمكن أن ينفصل عنها"، متسائلاً: "كيف الحال بالنسبة إليّ؟ فبحكم موقعي في الدير أهتم بتنظيم نشاطات الأعياد والمناسبات. أفلا يتطلب مني ذلك متابعة النشرات الجوية؟".
يهوى الأب خنيصر مراقبة تغيّرات الطقس عن كثب، وهو عندما قام بزيارة إلى ولاية بوسطن الأميركية عام 2007 لتمضية شهرين عند أقاربه، علم مصادفة أن أستاذاً في تحليل الأرصاد الجوية يُدرّس هذا الإختصاص في إحدى الجامعات هناك، فقرر حضور هذه الدورة التدريبية المتخصصة علمياً بأحوال الطقس، وفي كيفية إعداد نشرة جوية وإمكان تحديثها في بضع ساعات.
ويشرح أن تلك الدورة الدراسية "كانت من أجمل الفرص في حياتي لجهة التخصص في علم المناخ". لماذا؟ يجيب: "لأنني في تلك الدورة التي استمرت نحو شهرين، كنت وحدي من لبنان من بين 45 متدرباً، أميركيين وأجانب". يضيف: "خضعنا لـ140 حصة تدريس معمّقة في علم المناخ على أيدي مجموعة من العلماء المتخصصين في تحليل الطقس التابعين لـوكالة ناسا الفضائية".
كثيرة هي المعلومات العلمية والتقنية التي امتلكها الأب خنيصر من تلك الدورة، فبعد نظرة شاملة إلى إمكان تحليل الطقس من مراقبة الظروف والعوامل المناخية، يفيد: "انتقلنا إلى مرحلة تحليل الخرائط من الأقمار الإصطناعية وتحديد تأثير الضغط الجوي في المناخ على أمكنة محددة في الخريطة". وقد ينسحب الأمر عينه على خرائط مرتبطة بالرطوبة، وأخرى بالهواء، وخريطة الغيم وكيفية توزيعه، وتأثير كل ذلك في الضغط الجوي وغير ذلك...
في نهاية الدورة قدم الأب خنيصر أمام علماء ومخضرمين في علم تحليل الطقس، امتحاناً كان عبارة عن نشرة جوية علمية، ويقول إنه نال أعلى ثاني علامة بين زملائه، كما حظي باعجاب الحاضرين.
قبل أن يستحدث عام 2015 مرصداً خاصاً في صفحة على "فايسبوك" F.Elie khneisser- Daily weather Pro ينشر فيها يومياً نشرته عن الطقس والأحوال الجوية، يقول: "بدأتُ عام 2012، من خلال صفحتي على "فايسبوك"، بنشر معلومات خفيفة عن الطقس، لكن منذ 2007 حتى 2012، انكببت على الروابط والمواقع الإلكترونية الأميركية التي تزودت بها، ووسعت معرفتي وتعمقت أكثر بالـ"مو تكنيك" ما شجعني على إنشاء صفحتي المتخصصة والتي أعتبرها الأقوى في الشرق".
ومن أين تأتي بمعلوماتك لإعداد هذه النشرات؟
"لا أعتمد على المصادر اللبنانية، ولا أستعين بأي مرصد في البلد، بل أكتفي بتطبيق التقنيات الأميركية التي تخولني عبر الأقمار الإصطناعية والخرائط تحليل الوضع الجوي في كل منطقة، أو بلد، وما قد يحصل في محيط كل منهما". يستغرق التحضير للنشرة الجوية نحو 20 دقيقة، يدرس فيها الأب خنيصر عوامل الضغط الجوي، الرياح، الرطوبة، التيارات الإستوائية، الغيوم وغيرها، ويحللها.
هل ثمة أدوات أو أجهزة تستخدمها ضماناً لصحة المعلومات؟
"أستعين بالكومبيوتر وأعتمد على الكثير من الخرائط، ومعدات متطورة جلبتها معي من أميركا، منها "البليفيومتر" لقياس المياه، "البارومتر" لقياس الضغط الجوي و"الإيغرومتر" لقياس نسبة الرطوبة وغيرها".
ويؤكد أنه "بكل تواضع، غالباً ما تكون نشرتي الجوية دقيقة علمياً وصائبة لتصل نسبتها إلى 95%، وما يهمني من كل هذا تقديم دراستي بكل احترام وموضوعية، وأن تصل معلوماتي بكل دقة وأمانة الى الرأي العام".
هل واجهتَ اعتراضاً من بعض الناس لتعاطيك في مسائل الطقس؟
"أجل، للأسف، ثمة شريحة واسعة من المتابعين على مواقع التواصل الإجتماعي ترفض وتستهجن هذه الخدمة التي أوفرها". ويسأل: "أتذكرون من كان أول من أطلق مركزاً للأرصاد الجوية في لبنان والبقاع؟ إنهم الرهبان اليسوعيون الذين استحدثوا مرصداً في كسارة بسبب انكبابهم على الزراعة وحاجتهم الى معرفة الطقس في أيام الفلاحة والزرع والحصاد".
مقابل هذا الرفض يرى الأب خنيصر تهافتاً لافتاً من الناس على صفحته، "ويعبّر كثيرون عن اعجابهم من خلال تواصلي معهم وردّي على تساؤلاتهم ونشر الصور التي تردني، فضلاً عن أنهم يتعلمون لغة جديدة في تحليل الخرائط التي أزودهم إياها".