نجح رائد صالح، بائع المعدات الكهربائية السابق، في بعث أقوى رسائل السهرة حول المأساة السورية إلى العالم خلال الاحتفال بجوائز الأوسكار.
 

فخلال خطاب قبول قصير، نُشِر على الإنترنت بعدما فاز فيلمه السوري "الخوذ البيضاء" بإحدى جوائز الأوسكار، ناشد الحكومات حول العالم "وقف إراقة دماء الشعب السوري".

وقال، مُتحدِّثاً من جنوب تركيا: "أدعو جميع من يستمعون إليّ ويرونني الآن في أنحاء العالم إلى أن يتَّخذوا موقفاً. أوقفوا قتل المدنيين"، بحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.

وكان فيلم "الخوذ البيضاء"، الصادر عام 2016، هو أحد فيلمين حول سوريا ترشَّحا ضمن فئة أفضل فيلم وثائقي لهذه السنة. وركَّز الفيلم الآخر، "وطني"، على رحلة إحدى العائلات من الحرب إلى المنفى.

لمحات مأساوية 

وبالنظر إليهما معاً، يعرض الفيلمان لمحاتٍ من مأساة سوريا الأوسع، ويبعثان برسالةٍ قوية حول سبب استمرار النزوح من البلاد، وحول السبب الذي يجعل قرار مغادرة الكثيرين بلدهم من بين أصعب القرارات التي سيتَّخذونها على الإطلاق.

عمل متطوِّعو الخوذ البيضاء، أو الدفاع المدني السوري، على مدار سنوات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بسوريا، وقاموا بالمساعدة في سحب الناجين من تحت أنقاض المباني التي ضربتها الغارات الجوية وعمليات القصف.

وفازت منظمة "الخوذ البيضاء" بالعديد من الجوائز الإنسانية، ويُعتَقَد أنَّها كانت من بين المرشحين لنيْل جائزة نوبل للسلام العام الماضي، 2016، والتي حصل عليها الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس؛ لدوره في دعم التفاوض حول اتفاق سلام لإنهاء حربٍ أهلية ممتدة منذ ما يزيد على 50 عاماً.

يتتبَّع الوثائقي، الفائز بالأوسكار، أحد فرق "الخوذ البيضاء" من مدينة حلب شمال سوريا في أثناء كفاحه في مواجهة الوتيرة المُضنية للبراميل المُتفجِّرة والغارات الجوية.

وقال صالح في بيانٍ منفصل مساء الأحد 26 فبراير/شباط: "لسنا سعداء بما نقوم به. نحن نمقت الواقع الذي نعيش فيه".

إنَّه عملٌ مُروِّع

فخلال ما يقارب 6 سنوات وسط الحرب الوحشية في سوريا، قُتِل أكثر من 150 شخصاً من ذوي الخوذات البيضاء في أثناء تأديتهم واجبهم. وقُصِف بعضهم بمواقع الانفجارات في أثناء عملهم على إنقاذ المصابين. وفي الخريف الماضي، قُصِف مقر "الخوذ البيضاء" بحلب، والذي يظهر في الفيلم الوثائقي، مرتين في اليوم نفسه.

لكن كما يُظهِر الفيلم، مغادرة منطقة الحرب ليست بالأمر السهل كذلك.

وفي مشاهد متوالية صُوِّرت جنوب تركيا، حيث أُرسِلَ فريق حلب من أجل الحصول على دورةٍ تدريبية، يتسمَّر الرجال أمام هواتفهم، عاجزين عن المساعدة في أثناء مشاهدتهم أخبار الغارات الجوية الجديدة على الشاشات الصغيرة.

ويُمثِّل ألم ذلك العجز موضوعاً رئيسياً في فيلم "وطني"، الفيلم الآخر الذي رُشِّح للأوسكار وصُوِّر داخل سوريا.

 

هذا الوثائقي، الذي مدته 40 دقيقة، وأخرجه المخرج الإسباني مارسيل ميتلسيفن، يتتبع رحلة هالة كامل، وهي سيدة من حلب قاتَل زوجها في صفوف المعارضة خلال الانتفاضة ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.

وعندما اختُطِفَ زوجها من قِبَل مُسلَّحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، اضطُّرت هالة إلى تقرير ما إذا كانت ستنتظره في الوقت الذي تقترب فيه المعركة من أسرتها، أم ستصطحب أطفالها إلى أي منطقةٍ آمنة.

شعور ملايين السوريين 

وقال ميتلسيفن، الذي صوَّر مشاهد الفيلم خلال رحلاتٍ متتالية إلى حلب، قبل أن يجعل صعود داعش السفر عبر شمال سوريا أمراً مستحيلاً، إنَّ "هالة قد تكون في ألمانيا جسدياً، لكنَّها عالقةٌ عاطفياً في ماضيها".

وقال: "خلال المقابلات، أصبحت مشاعر هالة واضحة. كانت تعرف أنَّها ستضطَّر إلى مغادرة سوريا، وأنَّ روحها ستموت في أثناء ذلك، من أجل أن يحيا أطفالها. لم يكن ذلك خياراً سعى إليه أيٌ منهم".

هذه الرسالة تعبر عن شعور ملايين اللاجئين السوريين في البلاد المجاورة لسوريا: تركيا، ولبنان، والأردن.

وصاغت إحدى المُمرِّضات السابقات من العاصمة السورية دمشق، في أثناء جلوسها في خيمةٍ داخل مخيمٍ غير رسمي للاجئين بسهل البقاع اللبناني في وقتٍ سابق من هذا الشهر، فبراير، الأمر على هذا النحو: "إذا مررتَ بنا في الشوارع، ستعتقد أنَّنا كنَّا لاجئين طوال حياتنا بأسرها. لكن ما من أحدٍ يترك منزله إلا إذا اضطَّر إلى ذلك. لقد كانت لدي أسرة قبل ذلك في سوريا، وكانت لدي حياة. الآن أنا مجرد لاجئة عجوز. لا أحد يعتقد أنَّ لدي كرامة أو حياة سابقة".

وبينما بدأت فعاليات حفل توزيع جوائز الأوسكار في هوليوود، نشر حساب "الخوذ البيضاء" على تويتر أخباراً تفيد بأنَّ مواد سامة قد أُسقِطَت على منازل المدنيين في ريف دمشق، ما أدَّى إلى معاناة السكان بالمنطقة من أجل التنفس.

وأظهرت رسالةٌ أخرى عُمَّال الإنقاذ في أثناء إخراجهم طفلاً من تحت أنقاض منزله المتراكمة في محافظة إدلب (شمال غربي البلاد).

 

 
 

ونصَّت الرسالة المُرفَقة على: "بالتزامن مع إعلان جائزة الأوسكار، فرق الإنقاذ تواصل بحثها عن مدنيين مفقودين تحت الأنقاض في أريحا بريف إدلب، وتتمكن من إنقاذ طفل على قيد الحياة".

وأضاف الحساب: "هذا هو الفوز الحقيقي".