"كلّ ما أردته هو رؤية أمّي أينما كانت.. ذهبت لأشمّ رائحتها، لأضمّ شقيقتي الصغرى.. لم يكن هدفي على الإطلاق الإلتحاق بداعش كما فعلت والدتي وأخوتي".. بهذه العبارات دافعت "عائشة" عن نفسها أمام المحكمة العسكرية من تهمة محاولة الإنتماء الى التنظيم الإرهابي، معتبرة أنّ كلّ ما قامت به جاء بدافع العاطفة.

لم تستطع عائشة إبراهيم، إبنة الـ25 عاماً، التي سيقت منذ الصباح الباكر مع شقيقتها منى وخالتها نجاج مثلج الموقوفتين معاً، من سجن النساء في ڤردان إلى مقرّ المحكمة في المتحف، كفكفة دموعهنّ التي بلّلت جلابيبهنّ السوداء، كلّما تذكرن حكايتهنّ التي حوّلتهن إلى "إرهابيات" يواجهن جرم محاولة الإنتماء إلى "داعش" فيما تواجه والدة "منى" و"عائشة"، المدعى عليها "أوسامة" (فارّة من العدالة) مع ولديها القاصرين جرم الإنتماء إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة.

مأساة هذه العائلة بدأت في تشرين الأوّل من العام 2015، عندما قرّرت الوالدة "أوسامة" صاحبة الشخصيّة القويّة، بعد وفاة زوجها، اللّحاق بإبنة عمّها "منى" التي التحقت بداعش وأقنعتها بممارسة جهاد النكاح فوافقت. بالفعل سافرت الأم إلى الرقّة عبر الأردن مصطحبة 4 من أولادها من بينهم حسن ومحمود (15 و16 عاماً) حيث إنخرطا بتنظيم "داعش" وبدأ بتلقي التدريبات العسكرية وبشكل خاص تلك المتعلّقة بالعمليات الإنتحاريّة. فيما راحت "أوسامة" تتواصل مع إبنتيها "زينة" و"عائشة" وشقيقتها "نجاح" وتحرّضهنّ على اللّحاق بها والإنخراط بتنظيم الدولة الإسلاميّة. وقد أقدمت الإبنة الكبرى "عائشة" على السفر إلى تركيا برفقة زوجها عبد الكريم ديب للدخول منها إلى الرّقة، حيث تمّ إلقاء القبض عليهما.

اليوم وأمام رئيس المحكمة العسكريّة العميد حسين عبدالله اعترفت "عائشة" بمحاولتها اللّحاق بوالدتها، فقالت: "أردت لقاء أمّي أينما كانت. سيّدي القاضي أعترف أنّ عاطفتي جرّتني دون أن أفكّر سوى بأمّي.. إنّها أمّي مهما فعلت أردت أن أراها وأحضنها.. أن أغمر شقيقتي راما إبنة الـ 5 أعوام. رغم أنّ زوجي عارضني كثيراً إلا أنّني تمكّنت من إقناعه بمرافقتي. سافرنا إلى تركيا عبر مطار بيروت بهدف الدخول إلى سوريا، غير أنّ السلطات التركية أوقفتنا بشبهة الإلتحاق بداعش وسجنتنا 6 أشهر لتسلّمنا بعدها إلى لبنان". وقد نفت "عائشة" الموقوفة منذ 9 أشهر أن تكون قد كُلّفت بالقيام بأي عمل أمني في لبنان.

بدورها "زينة" ذكرت أنّه بعد وفاة والدها(معاون أوّل بالجيش) بسكته قلبية عام 2012، تبدّل سلوك والدتها إذ بدأت بالإلتزام الدينيّ، ثمّ قرّرت الذهاب إلى سوريا حيث تزوّجت من أحد المجاهدين السعوديين هناك، وتطلّقت منه بعد أسبوعين لتتزوج بعدها من اللبناني "عزّام". وأكّدت إبنة الـ 23 عاماً أنّ أمّها حرّضتها على اللّحاق بها إلى الرقة، مشيرة إلى أنّها استحصلت فعلاً على جواز سفر لكن من أجل السفر إلى مصر للتمويه عن نفسها بسبب وضعها النفسي السيّء نظراً لما فعلته والدتها إلّا أنّ الظروف الماديّة حالت دون ذلك. وأشارت إلى أنّ شقيقيها القاصرين "حسن و"محمود" إلتحقا بمجموعة إنتحاريي "داعش" لكنّها لم تعد تتواصل معهما بعد توقيفها منذ 9 أشهر.

أمّا نجاح مثلج ( خالة الفتاتين الموقوفتين)، فأبدت اعتقادها بداية أنّ شقيقتها ذهبت إلى ألمانيا، لتعلم لاحقاً أنّها إلتحقت بالتنظيم في سوريا، مشيرة إلى أنّها (نجتح) كانت متزوجة من شاب فلسطيني عمِل بصفة مخبر لدى الأمن العام اللبناني وكان ينقل إلى عناصره كلّ المعلومات التي تستحصل عليها من شقيقتها. وأضافت إنّ علاقتها ساءت بزوجها فاستحصلت على جواز سفر وراحت تهدّده بالذهاب إلى تركيا او سوريا خاصة بعدما أقنعتها شقيقتها التي كانت "سندها الوحيد" بالانتقال إلى الرقة، لكنّها عدلت عن رأيها، نافية أن تكون كُلّفت بأيّ عمل أمني في لبنان.

بعدها أعطيت الكلمة لمرافعات وكلاء الدفاع والتي صحبها بكاء شديد للموقوفات الثلاث، فطلبوا لهنّ البراءة كوّنهنّ عدلن طوعيّاً عن محاولة الإلتحاق. فيما طلبت كل من "عائشة" و"منى" و"نجاح" البراءة لنفسها والعودة إلى أسرتها.

ومساء، أنزلت المحكمة العسكرية عقوبة السجن لمدّة سنة بحق الموقوفات الثلاث، ومنحتهن وقف تنفيذ العقوبة، فيما أنزلت عقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة بحق الوالدة اوسامة مثلج وجردتها من حقوقها المدنية.