"كيف معقول يكون العيد بالسما؟ معقول يكونوا موجودين معنا عالطاولة؟ ونحكي القصص اللي تعودنا نحكيا كل سنة؟ نحنا منعرف إنن معنا، بكل خطوة. وهني عالعيد، معنا بكل لحظة. يمكن ما منقدر نشوفن ونحكين بس هني موجودين". كتبت ريتا الشامي قبل أيام من سفرها الى تركيا للاحتفال ورفيقاتها بسهرة رأس السنة، فإذا بكلماتها تصبح السؤال عن ابنة السبتية في المتن، وعن الياس ورديني ابن الأشرفية، وهيكل مسلّم ابن البيرة، وقد غادروا وبقيت صورهم المفعمة بالحياة والفرح تخبر عنهم، وعن حياة قصدوها بملء إرادتهم في تحدي الإرهاب، فكان لهم الأخير بالمرصاد.

رحلت ريتا ابنة بلدة جون في إقليم الخروب قبل عام من تخرجها من جامعة Aust. كانت تدرس الإعلام المرئي والمسموع لتطل في يوم مذيعة تنقل الحدث، فإذا بها أبرز خبر موجع يحمله الإعلام الى اللبنانيين في عز فرحتهم بالأعياد وبالبلد العائد من طول شغور. وفي آخر رسائلها لصديقاتها أبدت خوفها من الإرهاب الذي يضرب تركيا، لكنها بحماستها للسفر والسهر بررت لخوفها معلقة: "إن شاء الله منتسلى، وأكثر شيء ممكن يصير أني موت بانفجار وألحق بأمي".

وكانت ريتا فقدت والدتها قبل خمسة أشهر بعد معاناة مع مرض السرطان، الأمر الذي ترك أثراً حزيناً في نفسها، ما دفع رفاقها بشرى الدويهي والياس ورديني وغيرهم على تشجيعها للسفر معهم، فوضعت جانباً مهمتها التطوعية في الوقوف الى جانب عائلات مرضى السرطان الى حين عودتها، فإذا بها ترحل مع رفاق تشاركت واياهم دموعاً وابتسامات وتجارب حلوة ومرة.

ومن تلك التجارب المرة، أن الشهيد الياس ورديني هو الآخر يتيم الأب والأم، وكان قبل سفره عبّر بالطريقة نفسها عن اشتياقه لوالدته إذ كتب: "اشتاق إليك في الميلاد. كلّ يوم من دونك منذ رحيلك، يبدو كالصيف من دون شمس، وكالشتاء من دون ثلج. أتمنى لو استطيع أن أكلمك، لديّ الكثير لأقوله، الحياة تغيرت كثيراً منذ رحلت. أشتاق إلى الرابط بيننا، وأشتاق لدعمك اللطيف، أنت في قلبي وعقلي. سأشعر بقربك لي دائماً، وبالرغم من أنك بعيدة عن نظري، سأبحث عنك بين النجوم التي تشرق ليلة الميلاد".

وكان الياس سافر برفقة خطيبته ميليسا بارالاردو، هو الذي عمل مدرباً في نادٍ رياضي، بعدما درس التدريب الفيزيائي الشخصي واللياقة البدنية في المعهد العالمي للعلوم والرياضة في كاليفورنيا في العام 2014. وكان يعمل مدرباً شخصياً في أحد نوادي الرياضة واللياقة البدنية في لبنان، وكان مدرّباً على قيادة الدراجات الهوائية.

وبكلمات مؤثرة ودعته شقيقته التي قالت إنها كانت بمثابة الأم له، كتبت عن "عريس الأشرفية: "يا تقبرني يا خيي. ما بعرف كيف بدي كمل بلاك. مشتاقتلك. يا يسوع المسيح دخيل اسمك. الله يرحمك lousa . يا ريتني محلك".

كما نشرت ميرنا صورة أخرى لشقيقها وحبيبته التي كانت ترافقه في اسطنبول وقالت: "خاف عا حبيبتو البطل الياس وارديني هجم المسلح برم وخباها بجسمو. رصاص طلعوا في. يا تقبرني مَش حرام. البطل يموت".

العريس الثاني في قافلة شهداء أول العام، لم يمضِ على زواجه أكثر من خمسة أشهر. هيكل مسلم ابن البيرة الشوفيه، البالغ 34 عاماً من العمر. كان يعمل مدرباً في فريقي "الحكمة" و"التضامن" لكرة السلة، ويملك نادياً رياضياً، وإلى خبرته في التدريب يحكي رفاقه بأن هيكل كان الإنسان الذي لا تفارق الضحكة وجهه كما قلبه وروحه. وكان يمكن أن ينجو لو أنه تأخر لثوانٍ في المرحاض، إلا أن المسلح عاجله بالرصاص لحظة مغادرته، في الوقت الذي نجت زوجته ميراي خوري لتشهد على أبشع ليالي العمر التي لن تفارقها، وقد فقدت شريك عمرها، وبقي الخبر مدوياً الى حين جريمة أخرى، وفي حصيلة ملهى "لارينا": "مسلح بزي بابا نويل يطلق 180 رصاصة من 6 مخازن ذخيرة على مدى 7 دقائق.. والحصيلة فراق ووجع يبقى العمر كله".