اليوم، يطوي اللبنانيون آخر ورقة من سنة 2016، بحلوها ومرّها، بكل أثقالها، بنفاياتها، وكل الملوِّثات، بأزماتها المتراكمة وملفاتها المستعصية، وبسياستها وكل ما فيها من مكايدات ومزايدات ومناكفات حتى على جنس الملائكة. يطوونها وأنظارهم شاخصة الى السنة الجديدة. و«الجمهورية» تتطلّع معهم الى سنة لعلها تكون رحيمة تحمل معها ما قد يخفف الحمل الثقيل عن كاهل كل الناس، وتزرع في الاذهان السياسية المتصلبة شيئاً من الشعور بالمسؤولية والتواضع والموضوعية والواقعية، لا بل الاقتناع بأنّ مصلحة لبنان هي فوق كل اعتبار، وهنا فقط يكمن الامتحان... إمتحان الوطنية والمصداقية للجميع.
بالتأكيد، إنّ غداً، يفترض انه يوم آخر، وبالتأكيد انّ أيّاً من اللبنانيين لن يترحّم على السنة الراحلة الماضية الى غير رجعة، بل يطلبون الكثير من السنة الجديدة، ويرمون عليها كل طموحاتهم وآمالهم.

هو حلمهم الطبيعي في أن يشهدوا بأمّ العين، ولَو لمرة واحدة، مراسم الانتقال الجدي من العتمة الى النور فبَرّ الأمان، عتمة سنوات الجفاف العجاف، سياسياً واقتصادياً ومعيشياً واجتماعياً وفي شتى المجالات، التي مرّت عليهم.

إنما هذا الحلم يبقى حلماً طالما ساعة أهل الحل والربط السياسي ما زالت تؤشّر الى كوابيس متجسدة في المتاريس التي ما زالت مرفوعة، وفي الخلافات لا بل التناقضات الأقرب ما تكون الى خطوط متوازية لا تلتقي حتى على المبادىء والمسلمات.

ما من شك في انّ اللبنانيين تأمّلوا خيراً في ما أمكن إنجازه في نهاية السنة الماضية، وخصوصاً لناحية انتخاب رئيس جمهورية جديد، وإنهاء الحالة الشاذة التي تمثّلت في الفراغ الرئاسي الذي استمر لأكثر من سنتين ونصف السنة، وكذلك لناحية تشكيل حكومة تَعِد بإنجازات سياسية وفي شتى المجالات.

وتبعاً لذلك، ها هي المحطة الاولى في جلسة مجلس الوزراء المقررة يوم الاربعاء المقبل، تشكّل أول اختبار، حيث تحدثت مصادر وزارية عن جلسة دسمة لناحية إقرار المراسيم المتعلقة بالملف النفطي، تأتي مقدمة لِما وصفت بسلّة إنجازات يفترض ان تليها في الآتي من الايام.

أولويات العام الجديد

وفي ملخص لأولويات العام الجديد، فقد مرّت الحكومة في ثلاث مراحل:

المرحلة الاولى، ما بين التكليف والتشكيل التي بلغت نحو خمسين يوماً، ما سمح للعهد الجديد بالتفكير في الاولويات.

المرحلة الثانية، ما بين التشكيل والبيان الوزاري التي سمحت للحكومة بأن تضع برنامجها السياسي والاقتصادي.

المرحلة الثالثة، ما بين البيان الوزاري وما قبل نهاية السنة. ويفترض بالحكومة خلال هذه الفسحة الزمنية ان تضع آلية تنفيذ الهدف من تشكيلها كحكومة وحدة وطنية، وتنفيذ البيان الوزاري.

وعليه، يتعطّش الرأي العام اللبناني لإنجازات كبرى ولأسباب عدة، أولها انّ هذا الرأي العام يعلّق آمالاً كبيرة على انّ رئيس الجمهورية هو المعني اولاً بحلّ كل المشكلات على اعتباره رئيساً قوياً. كما انه يعلّق آمالاً على ما يعتبرها حكومة تضمّ الجميع، اي انها قادرة على العمل والانتاج ولا أحد من داخلها يفترض ان يعارض سياستها وتوجهاتها وما تقرره.

كذلك انّ الرأي العام متعطّش لأنّ هناك أزمة كبرى يعانيها البلد، وبالتالي لم يعد باستطاعته ان ينتظر اكثر ممّا انتظر، خصوصاً انّ مجموعة هواجس تسكنه وأبرزها الرواتب والاجور، والعمل والضمان، والنفايات، وهاجس الامن والى ما هنالك من هواجس لا تحصى. من هنا يفترض بالحكومة، وقبل الشروع في رحلة الموازنة والقانون الانتخابي، ان تؤمّن للبنانيين ما يهمّهم ويحتاجونه فعلاً، إذ ليس بقانون الانتخاب وحده يحيا الشعب، على رغم أهميته.

فهو يريد إنجازات أولها سلسلة الرتب والرواتب الموعودة، الخدمات على اختلافها، توفير الانماء المتوازن، وإصلاح الطرق، وحل أزمات الكهرباء والمياه والنفايات، وقبل ذلك يريد الدولة الدولة، بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة، إذ انّ الدولة اليوم شبه فاقدة لاسمها، وخدماتها شبه مفقودة، والمؤلم انه بعد مرور نحو 41 سنة على الحرب الاهلية ضاع وقت طويل والامور من سيىء الى أسوأ، وكأنّ الحرب لم تنته منذ 40 سنة بل كأنها انتهت أمس.

من هنا، يتوقّع أن تشهد السنة المقبلة صراعاً بين طموحات الناس ووعود المسؤولين، مع ترجيح أن يخفّض اللبنانيون سقف طموحاتهم، وان يختصر المسؤولون وعودهم الى الحد الادنى، لأنّ الوضع اللبناني الداخلي ليس منفصلاً عن محيطه، بل سيزداد تأثره بتطورات المنطقة، خصوصاً انّ المعادلات السياسية القائمة حالياً في لبنان هي معادلات مؤقتة لأنها تعاني اختلالاً فاقعاً في التوازن.

خريطة عون

في غضون ذلك، وعشيّة تساقط آخر ورقة من روزنامة العام 2016، أطلق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إشارة اطمئنان جديدة بوَضع خريطة إنجازات مسبقة لعهده تتمثّل بتحديث الدولة ومحاربة الفساد وتأمين الاستقرار والامن، مؤكداً أنّ تحقيق هذه العناوين «ينعكس إيجاباً على الاستثمار في لبنان ويُساهم في تحسين الوضع الاقتصادي وتطوير المشاريع السياحية».

وأكّد عون انّ الامور في لبنان الى مزيد من التحسّن، وانّ الاتجاه الايجابي بدأت مؤشراته في الظهور، خصوصاً في القطاع السياحي.

الحريري

وفي إشارة واضحة المعالم الى انّ التسوية السياسية التي أنتجت انتخاب الرئيس عون مستمرة في المجالات كافة، سواء السياسية او حتى الاقتصادية التي تلامس ملفات حيوية مثل ملف النفط، أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري أنّ «مجلس الوزراء سيجتمع يوم الأربعاء المقبل، وستكون المراسيم التطبيقية لقطاع النفط على جدول أعماله»، مشيراً إلى وجود تفاهم مع رئيس الجمهورية حول معظم الأمور الاقتصادية، لافتاً إلى أنّ «زيارة عون إلى المملكة العربية السعودية ستساعد بشكل كبير في عودة السيّاح إلى لبنان».

وقال الحريري خلال استقباله وفداً موسّعاً من الهيئات الاقتصادية والقطاع الخاص: «هناك العديد من الأمور التي سنُطلقها تباعاً. ونحن نحاول أن نحصل على توافق سياسي حول الملفات لكي نقرّها في مجلس الوزراء.

كل هذه الأمور تحتاج إلى تعاون وعمل مع الجميع، وزيارة الرئيس إلى السعودية ستساعد بشكل كبير في عودة السياح إلى لبنان، ففخامته لا يمثّل اليوم فريقاً بل يمثّل كل اللبنانيين، وبوجوده في المملكة سيريح الأجواء بما يُعيد الدفع إلى الحركة السياحية.

وأنا وفخامة الرئيس متفاهمان حول نحو 95 في المئة من الأمور الاقتصادية، وستجدونه سبّاقاً في العديد من الأمور التي نريدها وتريدونها وسيكون داعماً لكل هذه السياسات الاقتصادية. صحيح أنّ عمر هذه الحكومة لن يكون طويلاً، ولكن يمكن خلال هذه الفترة إنجاز العديد من الأمور التي تساعد الاقتصاد وتريح المواطن».

وأضاف: «تعرفون أننا تجاوَزنا قطوعاً كبيراً، وقد احتاجَ ذلك الى مبادرات كبيرة، وسياستي من الآن فصاعداً أنه ممنوع العودة إلى الانقسام السياسي، فقد تبيّن أنّ الانقسام السياسي لا يفيد إلّا بعدد قليل من الأصوات الانتخابية من هنا أو هناك، في حين أنّ وجود بلد يتقدم اقتصادياً يفيد الجميع وحتى اللعبة الديموقراطية والسياسية ستصبح أفضل والخطاب السياسي سيختلف جذرياً، بحيث يعمّ الهدوء ويزدهر الاقتصاد، وكل الأفرقاء السياسيين يجب أن يخفضوا نبرة خطاباتهم من أجل الحفاظ على هذا الجو وعدم خسارته».

إنجاز أمني جديد

في الموازاة، تأمّل اللبنانيون خيراً في الانجازات الامنية الكبيرة التي حققها الجيش والاجهزة الامنية في كل المناطق اللبنانية خلال السنة الماضية، وخصوصاً لناحية ملاحقة المجموعات الارهابية وتفكيكها. وفي هذا السياق، حققت مخابرات الجيش إنجازاً جديداً بتَمكّنها أمس من إلقاء القبض على خلية ارهابية مولفة من ثلاثة اشخاص في منطقة التبانة في طرابلس، وضبطت بحوزتهم حزاماً ناسفاً وسلاحاً كاتماً للصوت وكمية من الأسلحة والذخائر.

ويعطي هذا الانجاز إشارة اكيدة الى جهوزية الجيش الدائمة، لكنه في المقابل يعطي إشارة دقيقة الى انّ المجموعات الارهابية ما زالت تكمن للبنان واللبنانيين، بما يوجب إيلاء الوضع أقصى درجات الحذر والعناية والانتباه، على حدّ ما ينصح به أكثر من مرجع أمني وعسكري.

ابراهيم

وفي هذا الإطار، وصف المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الوضع الأمني في لبنان بالمستقر، لكنه لم يستبعد حدوث عمل إرهابي. مشيراً إلى أنّ معظم الموقوفين في لبنان يتلقّون أوامرهم من الخارج، وتحديداً من الرقة.

ولفت ابراهيم الى أنّ الأجهزة اللبنانية تتعاون مع أجهزة أمنية عربية وغربية، وهي زوّدت بعض الدول الغربية بمعلومات حصلت عليها من اعترافات الموقوفين المُنتمين لجماعات إرهابية، كاشفاً عن توقيف إرهابي خطر في لبنان خلال الساعات الماضية.