قصّة "توفيق ضاهر" تشبه الحلم الذي كنا نعتقد بأنّه لا يتجاوز صفحات القصص ومسارح الأفلام، قصّة شاب مقعد عاش تجربة مريرة أدخلته السجن، من دون أن تتمكن قضبانه من أسر إبداعاته التي أوصلته إلى العالمية من بابها العريض. ليست المرّة الأولى التي تكتب الصحافة عن توفيق ضاهر ولن تكون الأخيرة، بعد أن اقترن اسمه بالرمز الذي أبى الإنكسار، محوّلاً واقعه الأليم إلى منارة إبداعية قلّ نظيرها.

من عيدان الكبريت التي لا يهتم أحد لأمرها، تماماً كما لم يهتم أحد لحاله في مصيبته، حوّل إعاقته الجسدية إلى قصّة نجاح، فصنع مجسّمات متنوعة أبرزها: طاولة زهر، قلعة بعلبك، سفن من التراث الفينيقي، كنيسة سيدة حريصا، باخرة "تايتانيك" الشهيرة، وصولاً الى برج «ايفل» الفرنسي. ذاع صيته وأبهر العالم بمجسّمات عيدان الكبريت هذه، التي أوصلته إلى العديد من المسارح العالمية، وقصر الإليزيه واحد منها، فحصد العديد من الجوائز التقديرية وتصدر صفحات التميّز عبر كتاب "غينيس بوك" مرتين: الأولى عام 2002 من خلال صنعه لأكبر مجسّم لباخرة التايتانك من عيدان الكبريت، والثانية عام 2009 من خلال صنعه لأطول مجسّم في العالم لبرج إيفل.

معرض في ذوق مكايل

ضاهر الذي حوّل منزله إلى متحف دائم، يعرض اليوم في ذوق مكايل بمناسبة الأعياد عدداً من القطع الفنية التي أنجزها على مر أعوام، ويستمر معرضه حتى السابع والعشرين من الشهر الحالي، من الرابعة بعد الظهر ولغاية العاشرة ليلاً. وعبر " لبنان 24 " يلفت ضاهر إلى أنّ هذه المحطة في ذوق مكايل تأتي بعد مشاركته في العشرات من المعارض، أبرزها معرض خاص به في قصر الأونيسكو على مدى أسبوع شهد نجاحاً لافتاً، إضافة إلى معارض رشيد كرامي، فورم دو بيروت، البيال، واكسبو بيروت الدولي.

توفيق ضاهر صنع المجسّم الأول من عيدان الكبريت داخل قضبان السجن، الذي دخله ثأراً ممن أطلق عليه النار وأصابه في قدمه متسبباً له بالشلل، هناك صمم على جعل اسمه يقترن بالإبداع الذي لا حدود له، وكان يطلب من والدته أن تزوده بعيدان الكبريت ولوازم أخرى، فصنع بيتاً لولاّعة استخدم فيه 63 عوداً، ثم أنجز علبةً تبغ وإطارات للصور وعلبة محارم.

وبعد خروجه من السجن أعاد تأهيل المجسّمات التي كان يرسلها مع والدته، ليشارك في 16 كانون الأول في معرض للمرة الأولى. "قلعة بعلبك" أول تحفة فنية كبيرة الحجم صنعتها أنامل المبدع توفيق ضاهر خلال أربعة أشهر، وتطلبت استعمال 18000 ألف من عيدان الثقاب ، تلتها سيدة حريصا استغرق إنجازها ثمانية أشهر، مصنوعة من 130000 من عيدان الثقاب ومجسم السيّدة مريم العذراء مصنوع من 16000 من عيدان الثقاب، ثم أنجز سفينة "تايتانك" التي حلّ من خلالها بطلاً على صفحات "غينيس". ترتفع السفينة بطول 3 أمتار وعرض 60 سنتم وارتفاع متر و80 سنتم، واستغرقت 6600 ساعة عمل، والسفينة تضم ستّ طبقات بكامل تفاصيلها، وهي قابلة للتفكيك واعادة التركيب وتحتوي على 2100 لمبة.

برج إيفل يصل طوله الى سبعة أمتار بقاعدة متر و92 سنتم. وبرج إيفل أدخله غنيس للمرة الثانية، وقد استعمل فيه أكثر من ستة ملايين عود كبريت و500 كيلوغرام من مادّة الغري اللاصقة، مؤلّف من ثماني قطع كبيرة واخرى صغيرة قابلة للتفكيك. ولجهة الاضاءة فقد وضع فيه 2116 شريطاً، يحوي 6240 لمبة، واستغرق تنفيذه 13000 ساعة عمل. كما أنجز ضاهر سفناً فنيقية ومجسم للمركب الكويتي التراثي، تطلبت كل منها خمسة أشهر من العمل، استخدم خلاله 40 ألف عود كبريت. ويؤكد ضاهر أنه يقوم بتصميم المجسّمات وتنفيذها منفرداً، فيرسم أولاً المجسّم على الورق مقدّراً القياسات المطلوبة من دون اللجوء الى حاسوب، ثم يعمل على تنفيذه.

تجربة ضاهر مثال حي على الإبداع الذي يولد من رحم المعاناة، وعمله لن يتوقف عند هذا الحد، فبطل غينيس يتحضر لإنجاز مجسم للمسجد الأقصى.

لبنان24