تحت عنوان "أبعد من سفن "ساعر".. من هو اسكندر صفا؟" كتب حلمي موسى في صحيفة "السفير": لم تتوقف الصحافة الإسرائيلية عندما ذكرته أمس الأول حين نشرت عن مساهمةٍ إماراتيةٍ لبنانية في حوض بناء سفنٍ أنتج لإسرائيل سفناً حربية لحماية منصّات الغاز البحرية، فعادت أمس، إلى الإشارة للملياردير اللبناني الشريك في حوض السفن اسكندر صفا، وزعمت "يديعوت أحرونوت" التي كانت فجّرت القصة حول مساهمة كل من إيران والإمارات ولبنان في شركة السفن الألمانية، أنه كان لصفا أدوارٌ سابقة، وخصوصاً في الاتصالات بشأن الإفراج عن الطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد.


وبحسب "يديعوت أحرونوت"، عُقد لقاءٌ على متن يختٍٍ فاخر في الريفييرا الفرنسية بين شابٍ إسرائيليّ عرّف عن نفسه باسم عاموس والصحافي الفرنسي روجيه أوك.

وقال عاموس للصحافي من دون مقدمات "إن لنا طياراً اسمه رون أراد، محتجز في الأسر منذ 1986. نحن نعتقد أن من أفرج عنك من الأسر في بيروت يمكنه أن يساعدنا". ووصفُ هذا اللقاء بهذا النحو منقولٌ من كتاب سيرة الصحافي الفرنسي، ونشرَ بعد موته، والمقصود بمن أفرج عنه رجل الأعمال اللبناني اسكندر صفا الذي حظي بلقب "ساندي".

وكانت "يديعوت" كشفت أنّ حوضَ السفن الذي بنى لسلاح البحرية الإسرائيلية سفناً من طراز "ساعر 6" تملكهُ شركة في أبو ظبي، وأن مدير هذه الشركة، وهو يملك 30 في المئة من أسهمها، هو نفسه اسكندر صفا. وقالت إن الصلة، بحسب كتاب الصحافي الفرنسي أوك، بين "ساندي" وإسرائيل ولدت قبل ذلك بسنواتٍ طويلة في عام 1989 في ذلك اللقاء في الريفييرا الفرنسية.

وبحسب الكتاب، فإن الإسرائيليين طلبوا من الصحافي أن يصل بينهم وبين صفا، الذي كان أنقذ الصحافي الذي كان قد اختطف في بيروت واتُهِمَ "حزب الله" باختطافه. ومقابل المساعدة في الصلة مع صفا "وعدوني بالسماح بإجراء مقابلة مع الشيخ عبد الكريم عبيد". ويروي أوك في كتابه أنه قبِل بالعرض ووصلَ إلى إسرائيل حيث كان بانتظاره عاموس مع عميل موساد آخر ومنسق الأنشطة الإسرائيلية في لبنان حينها، أوري لوبراني. ولم تجرَ المقابلة مع عبيد، ولكن بدلاً منها، حصلَ على قصة أخرى. ويذكر أوك "أنني عندما عدت إلى باريس أدّيت بدوري الصفقة وأقمت الصلة بين لوبراني وصفا".

وفي مكالمة هاتفية مع لوبراني أمس الأول، أكّد لـ "يديعوت أحرونوت" الأمر، وقال "التقيت الكثير جداً من الشخصيات اللبنانية بهدف جمعِ معلوماتٍ عن مصير رون أراد، وأتذكّر أن بينهم شخصاً واحداً اسمهُ صفا". ويذكر كتاب أوك أن اللقاء بين لوبراني وصفا تمّ في شقّته الواسعة في أحد الأحياء الراقية في باريس.

وبحسب "يديعوت"، فإن اسكندر صفا وُلدَ قبل 64 سنة لعائلةٍ مسيحيةٍ مارونية ثريّة في بلدة غدير في شمال لبنان، وقد موّل والده، الذي كان موظّفاً حكومياً كبيراً، دراسته الاقتصاد وإدارة الأعمال في الولايات المتحدة، وحرص على أن يعدّ له شبكة متفرّعة من العلاقات في الساحة التجارية. وفي سنّ الـ22، عمل صفا في شركة مقاولاتٍ في السعودية وأشرف على مشروع كبير هو بناء المطار العسكري في الرياض، ونال شهادة الماجستير في كلية "إنساد" العليا في فرنسا، وبدأ يستثمر في الصفقات العقارية، وفي مرحلة لاحقة، أقامَ مع شقيقه أكرم شركةَ سفنٍ وكسب لنفسه خصوماً ومنافسين. واعتاد قضاء إجازاته في سان ـ تروبيز.

"لبنان هو وطني ولكن بعد 20 سنة حرب أهلية، أشعر بأنني في البيت في فرنسا وفي بريطانيا أيضاً"، شرح صفا تنقلاته بين لندن، باريس وإمارات النفط في الخليج. بل كشف ذات مرة بطنه أمام عدسة الكاميرات وعرض ندوباً لحقت به جراء إصابتين بالرصاص أثناء الحرب الأهلية، حين قاتل في إطار "الميليشيات" المسيحية. وفي حينه أيضاً التصق به لقب "ساندي".

صفا، الذي يعرف نفسه بأنه "مواطن العالم الكبير"، يفضّل إدارة أجزاء كبيرة من نشاطاته السرّية من إمارة أبو ظبي في الخليج، حيث يسكنُ اليوم. في أبو ظبي، يمكنهُ أن يهبطَ بطائرتهِ الخاصة، يخرج ويدخل من دون أن تلوح صوره في وسائل الإعلام، ولا أحد يحقق معه من هم رجال الاتصال الذين من خلالهم يدير أعماله التجارية.

ولكن رغم محاولاته الابتعاد عن الأضواء، فإن صفا هو اسم معروف للجمهور الفرنسي بسبب دوره في قضيتين في الثمانينيات والتسعينيات. الأولى، في نهاية الثمانينيات، ترتبط بالفديةِ التي دفعتها الحكومة الفرنسية لتحرير مجموعة من الديبلوماسيين والصحافيين الفرنسيين الذين اختطفوا في لبنان.

القضية الثانية، المسماة "أنغولا ـ غيت"، تفجّرت في عام 1991 عندما تبين أن سياسيين من اليمين في فرنسا حاولوا أن ينقلوا أسلحة بقيمة نحو 790 مليون دولار إلى رئيس أنغولا جوزيه ادواردو دوس سانتوس الذي قاتل ضد الثوار في بلاده.

وفي الحالتين، اختفى قسمٌ من المبلغ على الطريق، وطُرحَ اسم صفا في التحقيق كمن توسّط بين الطرفين ونال سمسرةً دسمة. وروى مصدر غير مذكور الاسم لصحيفة فرنسية في تلك الفترة بأن لاسكندر "علاقات في كل المجتمعات في الشرق الأوسط، بما في تلك إسرائيل والموساد".

ومنذئذ، تمكّن صفا أن يقيم مع أخيه شركة "فريبنفست"، التي تقيم مكاتبها في باريس وفي بيروت. وهما يسيطران على شركة الاستثمارات "ترياكورب"، على حوض سفن CMN الفرنسي، وكذلك على حوض سفن "أبو ظبي مار" وهو الذي يبني سفن "ساعر 6".

وفي عام 2010، ذُكر اسم صفا كوسيطٍ بين السعودية وشركة "داسو" الفرنسية، التي تحاولُ أن تبيعَ للسعوديين طائراتها القتالية من طراز "رفائيل".

وفي عام 2012، نُشر أن صفا، الذي كان صديقاً لسيف الإسلام، ابن معمر القذافي، حاول التوسّط في صفقات بين ليبيا وأحواض سفن مختلفة في العالم. كما أنه توسّط في صفقة شراء سفينتين قتاليتين لسلاح البحرية الجزائري من شركة السفن الألمانية TKMS. وقبل سنتين، في مقابلة نادرة، شرح صفا أن "التجارة بالطائرات والسفن القتالية أكثر جدوى من البناء وسمسرة السفن المدنية".