يكاد لا يمرّ أسبوع إلا ويؤتى على ذكر "أنطوان الحاج" وبرنامجه ("مأكول الهنا" على تلفزيون لبنان) في عدد من برامج الكوميديا والنقد الموّزعة على المحطات المحليّة. الرجل ظاهرة وحالٌ فريدة من نوعها. نبرة صوته، أسلوب كلامه، بساطة لغته، صراحته، عفويّته... كلّها صفات وعوامل ما كانت لتجعل منه "الشيف أنطوان" الذي لا يشبه إلا حاله، لولا انها اقترنت بدهر يفيض خبرة وشغفاً أمضاه في المطبخ. عاشق الطبخ دخل المنازل منذ سنوات، فباتت إطلالاته التلفزيونية عبر برامجه ضرورية "كالملح والبهار" اللذين اذا ما غابا لصار الطعام بلا نكهة ولا طعم ولا لذّة.

بات الشيف أنطوان في الآونة الأخيرة محطة شبه ثابتة في برامج مثل "منا وجرّ"، "هيدا حكي"، "لهون وبس"، علماً بأنه كان ضيف عادل كرم مرتين، كما مرّ على استوديو هشام حداد. فماذا يقول الطاهي المبدع الذي بات أيضاً ضليعاً في اللعبة الإعلامية عن هذا الأمر؟!

في حديث لـ "لبنان 24" يوافق الحاج على أن ظاهرة البرامج النقدية بطابع كوميدي التي تنتقد بعضها وبرامج أخرى تعرض على محطات منافسة، هي جديدة على الإعلام والرأي العام اللبنانيين. برأيه، "لم يعد لديهم فحوى في المواضيع الخاصة والمبتكرة، فلجأوا إلى هذا النوع من البرامج... وهذا أمر سلبيّ!". سرعان ما يقرّ بأنه يتابعها أحياناً أو تصل إلى مسامعه مضامينها في أحيان أخرى، ويعترف بأن "برنامج بيار رباط (منا وجرّ) كان أقواها، لكنهم (فريق العمل) في الآونة الأخيرة "عم يزيدوها".

"يزبط لحيتو"

لا يفلح الشيف أنطوان بكبت امتعاضه من "ايلي سليمان" (مقدم فقرة "رادار" في برنامج "منّا وجرّ)، فيقول: "إنو شخص مثلو صار مصدق حالو وبيطلع بيقول عن ألين أحمر "ما في ألين أكثر من هيك"، علماً أن المسكينة كانت تتلو ما كُتب لها... مش عيب؟! قبل ان ينتقد، يزبط بالأول لحيتو وذقنو وشبوبيتو"!

نسأل الشيف أنطوان عن السبب الحقيقي وراء عدم "هضمه" سليمان على رغم نجاح فقرته بشهادة كثيرين ممن ينتظرونها بفارغ الصبر، وما اذا كان لتناوله شخصياً علاقة بالموضوع، فيجيب: "على العكس تماماً، فأنا من الأشخاص الذين يتقبلون النقد شرط ان يكون بناءً، بيد أن ما يحصل لا يرتقي الى هذا المستوى في كثير من الأحيان. من المعيب الإستسخاف بالناس أو التحريف في الحقائق. أكرر بأن برنامج رباط قويّ لكن ثمة أمورا صغيرة غير مقبولة، كإضحاك المشاهدين من دون أن يعرفوا السبب".

يسترجع الشيف أنطوان الحلقة الأخيرة من البرنامج المذكور، فيخلص إلى أن من بين "الزحطات" المهضومة والأساسية كان اكتشاف سيارة موديل 2015 في مسلسل "امير الليل". "كثير حلوة هيدي"، لكنه يعقب: "انو علّق على "الجيليه" (السترة) يللي لابسها عياش انو مرة مبكلة ومرة مفكوكة... شو المشكلة ما هي بتفكّ!".

يستغرب الشيف أنطوان كيف أن سليمان علّق على ترداده كلمة "ألياف" أكثر من مرة في احدى حلقاته. الرجل الصبور، الدقيق في شرحه، صاحب اللغة المبسطة، يؤكد أنه يتوّجه إلى شرائح المجتمع كافة ويسعى الى أن تصل المعلومة الى كلّ سيدة بطريقة واضحة ومفهومة. ليس هذا وحسب، بل يهمّه تسهيل الأمور على ربات المنازل ومساعدتهنّ حتى على التوفير. يتسرجع قصة "الفليفلة" التي رشّها سليمان بالأصفر، معتبراً انها سخافة وتحريف للحقيقة، "فالناس لم تعد ترى ما سبق وما أعقب هذا الموضوع".

تشتدّ النبرة حين يوضح الشيف أنطوان أنه كان يؤشر بيده كلّها في خلال عرضه مكوّنات الطبق، "غير ان سليمان قام بفبركة المشهد، اذ عمد الى حجب الأصابع والابقاء على واحد فقط"! ويضيف: "كل البرامج المنقولة مباشرة على الهواء معرضة لهفوات وأخطاء، وهذا ما انسحب أيضاً على "منا وجرّ" مؤخراً (عرض تقرير ريما كركي عوض تقرير الاستقلال). أعترف بأن تعليقهم على الذبابة التي كانت تحوم في الاستوديو في تلفزيون لبنان، كان في محلّه ولم أنزعج منه! هذه "اللقطة" كانت حقيقية، اذ عانينا في فترة ما، كما جميع اللبنانيين، من الحشرات بسبب أزمة النفايات".

"حدي بكون في قليّة بصل أو دجاج، غاز، براد، مكنة شغالة...أما هم ففي منازلهم وكلّهم آذان صاغية، وربما يقومون بتسجيل حلقاتي لرصد تفاصيلها...عدا عن أنهم أكثر من شخص ويشكلون فريق العمل الذي يلتقط هذه المشاهد التي تمرّ على الهواء"، يقول الشيف أنطوان الذي يبدو غاضباً على تناول ألين احمر أكثر من التعليق عليه شخصياً: "أنا يا جبل ما يهزك ريح. ابتكرت بالدجاج وحده أكثر من 70 طبقاً غير موجودين في قواميس العالم ولا كتبها. واثق مما أقوله على الهواء "بالغرام" و"الحبّة" ولا يستعصي عليّ أي سؤال أجيب عليه بكل ثقة ومحبة".

في قرارة نفسه، يدرك الشيف انطوان بأن تناوله في مثل هذه البرامج مردّه الى كونه شخصية محبوبة وقريبة من الناس ومميّزة. واثقٌ هو من نفسه الى أبعد الحدود، فخبرته في فنّ الطبخ تجعله قادراً على تخطّي كل المفاجآت. يسرد علينا بعض القصص مما لم تلتقطهما "رادارات" البرامج والمحطات، فنلحظ بسهولة سرعة البديهة التي يتمتع بها.

ذات مرة كان يحضّر طبقاً إيطالياً من "الباستا" التي يدخلها "الباذنجان" المقلي. بعدما بدأ بقليه، فرغت قارورة الغاز ولم يكن من اخرى بديلة. ماذا يمكن أن يفعل في هذه الحال وهو في نقل مباشر؟ طبعاً، لم يُخبر المشاهدين بالأمر. قال لهم أن ثمة اشخاصاً يتبعون حمية غذائية بهدف تخفيض الوزن أو لأسباب صحية، وعليه سيحوّل هذا الطبق صحياً ومناسباً لهم. أخرج "الباذنجان" من الزيت ووضعه في "صينية" داخل فرن كهربائي وأعدّ الوجبة الشهية.

"الطبخة مشوشطة"

على رغم بعض العتب الذي عبّر عنه الشيف أنطوان بسبب ما يعتبره تسطيحاً وتسخيفاً في برامج أمسيات الترفيه والنقد، لا يسعه الا أن يقدم نصائحه لمقدميها كي لا "تشوشط طبخاتهم": "عادل كرم الأنجح برأيي مؤخراً فهو يحترم نفسه وضيوفه. أحببت "أديل" ولهجتها العفوية والبسيطة وكيف علّقت على طبق "السوشي" قائلة "انو كلا شقفة رز وعليها خيار وسمك". هشام حداد "عم يزحط" بعض الشيء، كونه يتناول أحياناً أموراً غير أساسية. برنامج بيار رباط كان منيح، هلق عم تفلت منو. على أي حال، لكلّ منهم طريقته الخاصة التي يتميّز بها، هناك من "يشلح ويزتّ" وهناك من هو جديّ اكثر وبنّاء في نقده و"كوميديته". ولهم التوفيق".

مدير المعهد الفني الفندقي اللبناني ورئيس اللجنة الفاحصة الفندقية في لبنان مستمرّ في برنامجه على شاشة "تلفزيون لبنان"، وهو في طور اعداده كتاباً جديداً متخصصاً بمأكولات الحمية الغذائية (كونه درس علوم التغذية أيضاً). الرجل الذي صار موسوعة في الطبخ بسبب شغفه لهذه المهنة، يستطيع أن يكتشف "ماذا حدث مع الطهاة في خلال اعدادهم الطبق بمجرد أن ينظر اليه". في العام الجديد، سيخصص حلقة او اثنتين لاعداد اطباق صحيّة خالية من الدهون تتميّز عن سواها بقدرتها على الحفاظ على النكهة والمواد الغذائية :"كثير هيّن نقول للواحد وقف اكل او امتنع. المهم انو نقدملو الطبق يلي بحبو وبيسشع منو".

الموعد اذاً سيظلّ متجدداً مع "ملك المطبخ" والشاشة على حدّ سواء. لا يمكن الشيف انطوان الا أن ينهي حديثه بنصيحة الى جميع السيدات: "القاعدة الذهبية للطبخ هي العمل بمحبة".

لبنان24