الولد لا يمكنه الاعتياد على فكرة مناداة زوجة أبيه "يا ماما" مهما كانت حنونة وتعامله بلطف، وكذلك المشاهد لم يتمكّن من التفاعل بشكل طبيعي مع برنامج "بي بي شي" على رغم تشابهه الكبير في الشكل والمضمون مع برنامج "شي إن إن".

ولعلّ المشاهد وعد نفسه بنقلة نوعية للبرنامج، إلا أنه وجد نفسه أمام الخلطة الإعلامية نفسها، وبنفس اللاعبين، لكن مع لمسة عصرية بسيطة تمزج ما بين مفاصل البرنامج.

سلام الزعتري يلعب الدور نفسه في إدارة الحوار والممثلين المقدّمين الذين يشاركونه البرنامج، وفؤاد يؤدّي لعبة الاستغباء والتعتير نفسها، وعباس جعفر يحافظ على نفس العلاقة مع الحشيشة واللغة الشوَارعية، وعبد الرحيم عوجة نقل معه كيس الجلاغة من البرنامج القديم الى الجديد، وجنيد زين الدين ما زال يقلّد ويبدع كوميدياً ضمن الأطر نفسها.

المشكلة ليست أبداً في قدرات الشخصيات وإبداعاتهم أمام الكاميرا، ولكن المشكلة في خيبة أمل المشاهد من بعض التغيير الذي لم يأت سوى في الشكل وعلى المستوى السطحي... فترانا أمام البرنامج ذاته، بنفس قفشاته وتلطيشاته لكن مع جرعة أقلّ من الكوميديا.

لم يتمكّن المشاهد حتى الآن من التفاعل بشكل تام وطبيعي مع "بي بي شي" كما كان يفعل مع "شي إن إن"، لأنه ما زال يشعر بخيانة تغيير إسم البرنامج ومحطّة العرض واستقصاء أبو طلال، ولكن من دون تغيير شيء جوهري في البرنامج.

غياب أبو طلال يشكّل الحلقة الأضعف في السلسلة الكوميدية التي يتعلّق بها البرنامج على سقف المشاهدات، إذ انه كان الشخصية الأبرز التي ينتظرها المشاهد، ليرتاح قليلاً من اللطشات والتهكّمات السياسية والاجتماعية التي يخلطها الزعتري في إطار لا يخلو من الثقافة الدسمة والبحث المُضني عن المعلومة التي تصيب في مكانها.

مهما تكن سيارتك جميلة وسريعة وقوية، ومهما كنت تحبّها ومتعلّق بأشكمونها... فمن شبه المستحيل أن تسعى إلى تغييرها، فتشتريها نفسها لكن بلون مختلف... وكذلك نحن، انوَعَدنا ببرنامج جديد مع الشباب، وإذ بنا أمام البرنامج نفسه لكن في استديو مختلف فقط.

وبما أنّ الجنس اللطيف يغيب تماماً عن فريق عمل البرنامج، لماذا الالتجاء إذاً إلى وضع بضع فتيات كمزهريّات في خلفية الصورة؟ وهل يهدف ذلك إلى تحقير الفتاة اللبنانية والتقليل من أهميتها في الكوميديا؟ أو لم يَكن من الأفضل السعي إلى إيجاد فتاة مهضومة يمكن مزجها مع خلطة البرنامج الذكية، فتشكّل طعمة مختلفة وإضافية إلى الشكل الجديد، أم اننا نكتفي بالشعارات بلا تطبيق؟

ولماذا التركيز الفائض على اللطشات الجنسية؟ ولماذا تقَصُّد قول كلمة "خرا" غير مرة في الحلقة وفي كلّ حلقة؟ وهل التحرّر يعني فقط التلفّظ بما يخشاه الآخرون، أو يمكن خلقه في المادة التي لا يفكّر بها الآخرون؟

لم ينجح سلام الزعتري بفضل جماله وتناسق محاسنه، ولم ينجح فريق "شي إن إن" بسبب تطابق مقاساته مع معايير مسابقة ملكة جمال الفيليبين... لكنّ البرنامج نجح بذكاء نصّه وطرافة جنوده وتميّزه عن البرامج الكوميدية والحوارية الأخرى...

ولا يمكن ضمان نجاح "بي بي شي" إلّا بالتأكيد على انّ فريق عمله أكبر من "شي إن إن" وقادر على تقديم المختلف والمميّز في قالب جديد وجريء... وطالما سنتذكّر البرنامج القديم في كلّ حلقة من "بي بي شي"، طالما سنواصل المقارنة ونشعر بنوستالجيا إلى الحبيب الأول.

 

(الجمهورية)