التقى الرئيس الاميركي باراك اوباما نظيره الروسي فلاديمير بوتين على نحو غير رسمي لمدة اربع دقائق على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا المحيط الهادئ في البيرو في آخر زيارة للخارج يقوم بها اوباما الذي سعى خلالها الى طمأنة الحلفاء الى سياسة الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة مع فوز دونالد ترامب بالرئاسة الاميركية داعيا الى اعطاء الاخير فرصة في رئاسته. وذكر مصدر في البيت الابيض انه تم البحث في موضوعي سوريا واوكرانيا في هذا اللقاء الخاطف على نحو لا يعطي من حيث المبدأ اي ملمح ايجابي انطلاقا من تساؤل هو كيف يمكن بحث موضوعين شائكين في اربع دقائق وماذا قيل خلالها او ايضا ما الذي استحوذ على الدقائق كلها سوريا او اوكرانيا علما ان ذلك يعني ان اوباما ترك لخلفه هذه الملفات العالقة وراءه ومهمة التصدي لروسيا مبدئيا في هذين الملفين في ظل تساؤل آخر ما الذي ستتركه الولايات المتحدة لروسيا في نهاية الامر اوكرانيا او سوريا او الاثنتين معا .

لكن اذا كانت بعض التعيينات الاولية التي اجراها الرئيس الاميركي المنتخب ترامب شكلت مؤشرات مبدئية حول المنهج السياسي الذي سيعتمده لا سيما في االدلالات التي اوحت بالتشدد تجاه ايران، فان الوجه الآخر لرصد طبيعة هذه التعيينات ارتبط في شكل اساسي بالمقاربة التي سيعتمدها ازاء روسيا ايضا او في الدرجة الاولى بالاحرى. وقياسا على اسماء من شملتهم التعيينات لا سيما مستشاره لشؤون الامن القومي مايكل فلين فان النصائح التي وجهها الرئيس الاميركي الذي يغادر الرئاسة باراك اوباما ازاء عدم التهاون مع روسيا قد لا تجد آذانا صاغية كليا . فالمؤشر الثاني الذي تلمسه المتابعون الى جانب تعيين فلين كان التمديد سنة للجنة التحقيق في استخدام الاسلحة الكيميائية في سوريا . فهذا التمديد تم الاسبوع الماضي لمدة سنة اضافية بعدما كانت انتهت مهلة عمل اللجنة في اواخر تشرين الاول لكن الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا في الموضوع السوري خصوصا بعد فشل الاتفاق الذي عقده كل من وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في ١٠ ايلول الماضي عرقل التفاهم بين الجانبين على تمديد عمل لجنة التحقيق خصوصا انها كانت توصلت الى خلاصات تفيد باستخدام النظام السوري غاز الخردل ضد شعبه ثلاث مرات في مقابل استخدام تنظيم الدولة الاسلامية هذا الغاز مرة واحدة. روسيا لم تقبل مرة باتهام النظام واستخدمت الفيتو خمس مرات من اجل منع ادانته وهي سعت الى ادخال تعديلات على مهمة اللجنة بالاتفاق مع الاميركيين علما ان هذا التفاهم كان متعذرا في الآونة الاخيرة رغبة من روسيا في عدم بيع اوباما اي مكسب ولو جزئي لرئاسة راحلة وانتظار انجاز هذا الامر مع رئاسة جديدة تبين انها ملائمة اكثر حتى الان بالنسبة الى روسيا التي كان رئيسها فلاديمير بوتين لا يحبذ وصول هيلاري كلينتون الى الرئاسة الاميركية . وبعدما تم التمديد للجنة التحقيق لاسبوعين فقط في اواخر تشرين الاول اي حتى منتصف الشهر الحالي توصل الجانبان الاميركي والروسي خارج مجلس الامن الى تفاهم ابدى عبره الجانب الاميركي مرونة في صياغة تعطي مجالا من اجل التعاون مع الحكومات في تقرير استخدام تنظيمات ارهابية اسلحة كيميائية. وليست المرونة الاميركية هي المؤشر على احتمال مقاربة جديدة بين روسيا والولايات المتحدة انطلاقا من ان اي قرار يحتاج مجلس الامن الى اقراره بموافقة اعضائه انما يستلزم صياغات تأخذ في الاعتبار مصالح واعتبارات الدول المعنية على ما حصل في قرار التمديد للجنة التحقيق في الاسلحة الكيميائية . لكن المغزى هو في التوقيت والرسالة التي يمكن ان يوجهها التفاهم حول هذا الموضوع بعد تشنج كبير بين الولايات المتحدة وروسيا انعكس توترا بين البلدين على خلفية ازمة سوريا ويقول البعض ان الادارة الاميركية لا تزال حتى مطلع السنة ادارة الرئيس الحالي باراك اوباما لكن عناصر جديدة دخلت على الخط عبر الانتخابات الرئاسية التي ادت الى فوز دونالد ترامب ومن مصلحة روسيا ابداء القدرة على التفاهم مع ادارة جديدة تبادلت معها حتى الان عبارات المجاملة والود فيما كان الرئيس المنتخب يظهر انفتاحا على علاقات اكثر حرارة مما كانت بين سلفه وبوتين.
وفي ظل رد فعل ابدته ادارة اوباما على القصف الذي استهدف حلب في الايام الاخيرة محذرة دمشق وموسكو من عواقب مثل هذه الاعمال اي ما سمته سوزان رايس مستشارة الامن القومي بالقصف الشائن فانه غدا واضحا ان هذا الموقف لا يقدم ولا يؤخر . هو لم يفعل في وقت سابق ولن يكون له اي مفاعيل بالتزامن مع رفض النظام على لسان وزير خارجيته خطة لشرق حلب عرضها عليه المنسق الدولي لسوريا ستيفان دو مستورا مستقويا كما في السابق ولكن اكثر من اي وقت مضى باستمراره القسري في السلطة بدعم حلفائه وبوقت اميركي ضائع علما ان امال النظام كبرت بانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة. لكن المؤشرات المذكورة ليست كافية ولن تكون كذلك حتى انطلاق رئاسة الرئيس الاميركي المنتخب. والاسئلة حول طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في عهده ليست محور اهتمام كبير فحسب بل محور تجاذب ايضا خصوصا مع الحلفاء الاوروبيين وسواهم كما في داخل الولايات المتحدة على الارجح خصوصا في حال لم يشأ ترامب الاستفادة من الفرصة التي يمكن ان يمنحها له الاخرون كما طالب اوباما من اجله .

 

النهار