دحضت زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان إلى لبنان، الأنباء التي تحدثت عن فتور سعودي حيال ترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لرئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون في منصب رئاسة الجمهورية في لبنان.

وتزامنت الخطوة السعودية مع موقف لافت للمنسقة الخاصة لشؤون الأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ، التي اعتبرت أنه يمكن اعتبار عون رئيسا توافقيا بعد دعم الحريري له.

وتقطع زيارة السبهان الشك باليقين في ما يتعلق بموقف الرياض من لبنان ومن زعامة سعد الحريري، وتقول بشكل واضح إن هذا البلد لا يزال يحتل موقعا مركزيا على جدول الاهتمامات السعودية، وإن الحريري لا يزال الزعيم السني الأبرز هناك.

ويحفل جدول الوزير السعودي في لبنان بلقاءات مع مجموعة كبيرة من الشخصيات اللبنانية تشمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ومفتي الجمهورية اللبنانية والشيخ عبداللطيف دريان، ورئيس تكتل “التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون، ورئيس حزب القوات سمير جعجع، والرئيس السابق ميشال سليمان، والرئيس الأسبق أمين الجميل، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة تمام سلام، ورئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، ورئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، فضلا عن لقاء سيجمعه مع الحريري.

وكانت وكالة رويترز قد نشرت مؤخرا تقريرا يفيد بأن إقدام الحريري على ترشيح الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى، إنما جاء ردا على سياسة التضييق التي تمارسها السعودية على شركة “سعودي أوجيه” التابعة له وما استتبع هذا التضييق من تراجع في قدرات الحريري المالية وشعبيته، وقدرته على لعب دور سياسي فعال.

ويناقض التوجه السعودي إلى إيجاد حلول لأزمة شركة “سعودي أوجيه” المنطق السائد في تقرير رويترز، وكذلك الأجواء الحالية في بيروت والتي توحي ببداية انفراج أزمة الحريري المالية والشروع في سداد بعض الديون والمستحقات.


أمين وهبي: الدعم السعودي لرئيس المستقبل سعد الحريري واضح ومؤكد
كما تلجم زيارة السبهان الإشاعات التي راجت حول ميل السعودية إلى تبني خيارات مناهضة للحريري من قبيل وزير العدل المستقيل أشرف ريفي أو سواه من الشخصيات السنية التي ترفع خطابا متشددا، حيث أن جدول زيارة الوزير السعودي لا يشمل أي لقاء مع أي من هذه الشخصيات.

ويعلن هذا المناخ أن السعودية تنظر إلى المعركة مع إيران من زاوية استراتيجية بعيدة المدى، لا يكون فيها انتخاب الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية إنجازا لوصاية إيرانية تامة على البلد على الإطلاق، بل تفصيلا صغيرا ضمن مشهد صراع أوسع وأشمل.

وبدت الأجواء الإيجابية التي نتجت عن ترشيح الحريري لعون منسجمة مع السياسة السعودية التي لم تلغ لبنان من دائرة أولوياتها، ولكنها أجبرت اللبنانيين، وبشكل خاص من يحسبون عليها، على اجتراح حلول تقوم هي بدعمها مع تحميلهم كامل المسؤولية عنها.

وبدا واضحا في الآونة الأخيرة أن مبادرة الحريري لم تكن، كما حرص حزب الله على الترويج عبر وسائل إعلامه، انتصارا له، فهي قد تمت بمعزل عنه، ولم يكن شريكا في بلورتها ولا في صناعتها، حيث ظهر مضطرا للسير فيها على خلاف رغباته.

وهكذا فإن النجاح في إنجاز التسويات وإيصالها إلى خواتيمها السعيدة إنما ينسب فعليا إلى مبادرة الحريري التي حظيت بدعم سعودي، والتي لم يكن ممكنا أن تتم دونه في حين أن الدعم الإيراني لميشال عون عبر حزب الله، لم ينتج سوى فترة طويلة من الفراغ دون أفق واضح للحلول.

ونجحت السياسة الحريرية السعودية إذن في نقل فتيل الأزمة المشتعل من ساحة المستقبل الى ساحة حزب الله وفريق الممانعة الذي لا يمكن اعتبار الخلافات التي ظهرت في صفوفه إثر هذا الترشيح المفاجئ عابرة وبلا وزن.

وتدل هذه الخلافات في أبسط تجلياتها على أن الجنرال عون لم يكن المرشح الحقيقي لحزب الله، بل إن ترشيحه كان نابعا من استحالة القبول به من قبل خصومه المسيحيين ومن قبل الطائفة السنية. وأتى ترشيح الحريري للجنرال والذي باركته السعودية ليجعل من وصوله إنجازا سعوديا في لبنان وليس إنجازا إيرانيا.

ويستشعر التيار الوطني الحر هذا الأمر، ويعتبر عمليا أن الفضل الأول في وصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة لم يكن لحزب الله، بل لقرار الحريري المدعوم سعوديا.

ومن ناحية أخرى بدا أن هناك أزمة ثقة عميقة بين حزب الله والتيار الوطني الحر وصلت إلى حد إجبار نصرالله على الإعلان عن نية كتلته التصويت للجنرال ميشال عون بأوراق مكشوفة في الجلسة الانتخابية إذا كان القانون يتيح ذلك.

وفي قراءة لزيارة السبهان اعتبر النائب عن كتلة المستقبل أمين وهبي أنها” تثبت أن هناك تقديرا إيجابيا من المملكة للخطوات التي قام بها الحريري من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي، وهي تأكيد على أن المملكة تدعم دائما ما يتوافق عليه اللبنانيون”.

ورد وهبي على ما جاء في تقرير رويترز الذي ورد فيه أن ترشيح الحريري للجنرال عون جاء نتيجة التضييق على شركة “سعودي أوجيه” في السعودية، قائلا “هناك بعض التحليلات ذات طابع شخصي، أو موحى بها من قبل طرف له مصلحة في قول مثل هذا الكلام، ولكن ما يحكم في النهاية هو الوقائع، وواقع الدعم السعودي لسعد الحريري واضح ومؤكد”.

وأكد على أن المناخ الذي تشيعه الزيارة يعلن أن السعودية تنظر إلى نجاح هذه الخطوة بوصفها “مدخلا لترميم علاقة لبنان مع المحيط العربي، ودعما لاتفاق يحفظ مصلحة الدولة اللبنانية”.

ومن جانبه يرى النائب عن التيار الوطني الحر زياد أسود أن زيارة السبهان تؤكد على “تبني التقارب اللبناني الذي دخلت على خطه مجموعة كبيرة من القوى اللبنانية الوازنة من قبيل تيار المستقبل، وحزب الله، وهو في جزء منه رد على محاولات التعطيل وعرقلة هذه التسوية”.

وأكد أسود أن هذه البادرة السعودية قد تشكل مدخلا يسمح “بإنتاج شكل جديد من العلاقات بين المسيحيين والسعودية تقوم على معايير مختلفة في التعاطي”.

 

 

العرب: شادي علاء الدين