اياً تكن قصيدة الزجل التي سينظمها أنصار ميشال عون للتغني بـ «قدراته» الرئاسية، ومهما تضمنت من مواصفات «استقلالية» فضفاضة تتناسب وعنترياته المعتادة، فإن الرجل لا يعدو كونه «انتقالياً» جاء في مرحلة انتقالية يُرسم خلالها مصير سورية ولبنان معاً بأيدي قوى خارجية، تتقدمها إيران وروسيا، ولن يملك إلا أن ينضوي في المسار الذي ستحدده هذه الأيدي، ويذعن لإرادتها، وينفذ الجزء البسيط المتعلق به في عملية إعادة ترتيب الهلال الشرق أوسطي الجارية بالطائرات والمدافع.
فإيران التي تعتبر نفسها الوصي على النظامين السوري واللبناني، وتشعر بأنها تملك حرية تصرف شبه مطلقة في البلدين، ترى تكاملاً بين العلويين والشيعة، يمتد أيضاً إلى العراق، لا يمكن أن تسمح بفك عراه، حتى لو أدى ذلك إلى تقسيم سورية. وهي لا تنظر إلى لبنان سوى باعتباره «ضلعاً» في «محور المقاومة» يخدم هدف توسيع نفوذها الإقليمي وتكريسه. ويلعب المسيحيون السوريون واللبنانيون في هذا المحور دوراً «فولكلورياً» على غرار النواب الأرمن واليهود في مجلس الشورى الإيراني. ولا يخرج منصب الرئيس اللبناني المسيحي بالنسبة إليها عن هذا الإطار، بما لا يشكل تهديداً للنسيج العابر للحدود، وهي حدود لم تعد قائمة عملياً سوى في الخرائط الرسمية، بعدما خرقتها دمشق أكثر من مرة في اتجاه، وبادلها «حزب الله» خرقها في الاتجاه الآخر.
ولأن سورية أهم بالنسبة إلى طهران التي تؤكد أن نتائج الحرب فيها قد تحدد مصير النظام الإيراني نفسه، فإن عون لن يكون في أفضل الأحوال أكثر من «نائب» لبشار الأسد، معيّن على «ولاية لبنان» التي يديرها من الخلف وكيل «الولي الفقيه» في الضاحية الجنوبية، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى الرئيس الإيراني الذي تخضع صلاحياته وسياساته لرقابة المرشد خامنئي.
ولا بد أن سعد الحريري يدرك هذا الواقع أو بعضه، لكنه على رغم ذلك أقدم على ترشيح عون وقرر دعمه في تحقيق هدفه الدائم بالوصول إلى الرئاسة. وربما هناك من نصحه بالانحناء أمام العاصفة الإيرانية ريثما تخف قوتها وتتغير بعض المعطيات، كي لا يبقى هو ومن يمثل خارج المعادلة الجديدة. أو ربما خشي من أن يكون مصير السنّة في لبنان مماثلاً لمصير نظرائهم في العراق وسورية، حيث القتل والتهجير، واعتقد أنه بتنازله قد يحميهم من اجتياح الحلف غير المقدس القائم بين الخبث الإيراني والبطش الأسدي.
لكن أياً تكن نتائج خطوته «الوقائية»، فإن ما تخطط له إيران أسوأ بكثير مما يظن، ويقوم على استبدال المرجعية العربية في اتفاق الطائف بمرجعيتها هي في «اتفاق» جديد، مكتوب أو غير مكتوب، يطبق تدريجاً ويُحكم قبضتها على لبنان. ولن يكون أمامه بعد اليوم سوى أن يقدم المزيد من التنازلات بعدما مشى الخطوات الأولى في هذا الاتجاه، وهو ما ستثبته مشاورات تأليف الحكومة العتيدة، سواء كلف تشكيلها هو أو غيره، والتي ستكون وظيفتها في أفضل الأحوال تغطية ما تحيكه طهران، وما «يتفاهم» عليه الثنائي نصرالله وعون في شأن أدوار مكوناته.
وإذا اجتاز الحريري «قطوع» تشكيل الحكومة، فستكون يداه مكبلتين بمطالبات عون باستعادة صلاحيات رئاسية منحها اتفاق الطائف إلى رئيس الوزراء السنّي، فيما الشيعة الذين يملكون القدرة على تعطيل دور كل منهما يتفرجون على الكباش، ويلعبون دور الحكم المقرِر. أما الكلام عن «المشاركة» و «التوافق» و «الميثاقية» فسيصبح مجرد ذكرى من الماضي.