يبدو أن صبر موسكو بدأ ينفد أمام استمرار أنقرة في التوسع شمال سوريا دون مراعاة لمصالح روسيا وحليفها الرئيس السوري بشار الأسد والتخطيط لبناء قاعدة تركية في شمال حلب شبيهة بقاعدة بعشيقة شمال الموصل.

وقال مراقبون إن القصف الذي طال مقاتلين سوريين موالين لتركيا لا يعدو أن يكون قرصة أذن روسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورسالة إليه مفادها أن الصمت على تدخله لتحجيم دور الأكراد لا يعني ضوءا أخضر للاستمرار في التوسع واقتطاع أجزاء واسعة من الأراضي السورية.

يأتي ذلك بعد يوم واحد مما وصفه الجيش التركي بأنه هجوم ببراميل متفجرة أسقطتها طائرة هليكوبتر سورية على المعارضة المدعومة من أنقرة في قرية قرب بلدة أخترين جنوب شرقي دابق.

وكانت دابق معقلا سابقا لداعش انتزع مقاتلو المعارضة السيطرة عليها من التنظيم المتشدد هذا الشهر.

وهذا هو أول اشتباك مباشر في ما يبدو مع القوات السورية منذ أن توغلت تركيا في شمال سوريا في أغسطس.

وكان الجيش السوري قال الأسبوع الماضي إن وجود القوات التركية على الأراضي السورية تصعيد خطير وانتهاك صارخ للسيادة السورية.

وحذر من أنه سيسقط أي طائرات عسكرية تركية تدخل المجال الجوي السوري.


ليونيد سوكيانين: روسيا ستلعب دورا في التهدئة بين تركيا وسوريا
وقال محللون إن الطيران السوري لا يمكن أن يجازف باستهداف مقاتلين مرتبطين بتركيا لو لم يكن هناك تنسيق مع روسيا التي يتسيد طيرانها الحربي الأجواء السورية.

وينهي هذا الاستهداف ما تروج له تركيا بأن تدخلها شمال سوريا تم بالاتفاق مع روسيا وأن الهدف منه تحجيم دور الأكراد وتحدي الولايات المتحدة التي راهنت عليهم لخلق وضع جديد كردة فعل على التدخل الروسي.

وتحرص روسيا على أن تكون الرسالة الموجهة إلى أردوغان عن طريق القوات السورية، هي الحفاظ على حبل الود مع تركيا مع استثمار الضغوط التي تسلط عليه من جهات مختلفة من بينها إيران.

واستبعد ليونيد سوكيانين أستاذ العلاقات الدولية في المدرسة العليا للاقتصاد والتاريخ السياسي في موسكو، أن يستمر التصعيد العسكري بين تركيا والجيش السوري ولا سيما أن روسيا ستلعب دورا في التهدئة بين الطرفين لأنها ترى أنه من مصلحة البلدين تطبيع العلاقات وليس التصعيد والعودة إلى ذروة الأزمة من جديد.

وقال سوكيانين في تصريح لـ”العرب”، “لا أختلف مع البعض من المحللين الذين يروون أن هجوم جيش النظام السوري على قوات المعارضة المدعومة من تركيا جاء نتيجة رغبة إيران التي تشعر بقلق من الدور التركي في العراق وتخشى أن يتوسع نفوذ الأتراك.

وسعى الرئيس التركي إلى استثمار الخلاف الروسي الأميركي بشأن التهدئة في سوريا لينفذ خطته بفرض منطقة عازلة يديرها مقاتلون معارضون موالون لأنقرة، وهو الأمر نفسه الذي يسعى إليه الآن في شمال العراق من بوابة معركة الموصل.

وتنفي تركيا باستمرار نيتها في التمدد نحو حلب، لكن روسيا وحليفها الأسد يعتقدان أن أردوغان يريد البحث عن بعشيقة جديدة شمال سوريا للتمركز وبناء قاعدة عسكرية تتولى تدريب مقاتلين موالين لأنقرة، وتكون منطلقا لضخ كميات من الأسلحة للجماعات الإسلامية المتشددة.

وفي قاعدة بعشيقة، يتمركز المئات من الجنود الأتراك الذين أرسلوا لتدريب متطوعين من السنة تمهيدا لاستعادة الموصل.

وكان نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش قد أعلن منذ أيام أن الهجوم على بعشيقة يعدّ بمثابة الهجوم على أنقرة، في إشارة إلى أن بلاده ستحارب من أجل استمرار وجودها العسكري على أرض العراق.

وحذرت القوات الموالية للأسد تركيا الأربعاء من أي تقدم باتجاه مواقعها في شمال وشرق حلب قائلة إن أي تقدم سيتم التعامل معه “بحزم وقوة”.

جاء ذلك على لسان قائد العمليات الميدانية للقوات الموالية لدمشق خلال جولة على جبهات القتال بشمال حلب.

وقال القائد، الذي لم يكشف عن اسمه، إن أي تقدم سيمثل “تجاوزا للخطوط الحمراء”.

وأعلن أردوغان الأربعاء أن عمليات الجيش التركي في سوريا تهدف إلى تأمين السيطرة على بلدتي الباب ومنبج لكنه لا يعتزم أن يمد هذه العمليات إلى حلب، مضيفا أن “حلب ملك لأهلها. علينا أن نوضح ذلك”.


صحيفة العرب