الثابت ان الرئيس سعد الحريري اتخذ قراره، وهذا القرار هو التريث بإعلان تبني ترشيح النائب ميشال عون للرئاسة الأولى، لئلا يبدو وكأنه يسير عكس أجواء ضاغطة لا تستسيغ هذه الخطوة قبل ان تستكمل باتصالات، سواء مع الرئيس نبيه برّي، أو في الخارج، أو مع نواب كتلة «المستقبل» التي اكتفت بعد اجتماعها أمس بإعلان «ان الأولوية في هذه الفترة الحرجة والطويلة والخطيرة من الشغور الرئاسي هي لانتخاب رئيس للجمهورية وفقاً للدستور، لا وفق قواعد اخرى تعتمد من خارجه»، من دون ان تُشير بأي كلمة إلى مسألة ترشيح عون.
ولئن كانت مصادفة الذكرى السنوية الرابعة لاستشهاد اللواء وسام الحسن، حالت دون إعلان تبني ترشيح النائب عون الذي كان مقرراً اليوم، لاعتبارات وجدانية وذات مغزى وابعاد سياسية، وسادت معلومات عن ان خطوة قد تحدث خلال 48 ساعة، من دون تحديد شكل هذا الإعلان، ان عبر مؤتمر صحفي يخصص لهذه الغاية، أو عبر مؤتمر مشترك مع النائب عون الذي سيزور الحريري في «بيت الوسط»، فإن أحداً من نواب الكتلة أو مصادر «بيت الوسط» شاءت ان تتحدث عن شيء يتعلق بهذا الموضوع.
إلا ان مصدراً مطلعاً توقع ان يُشارك الرئيس الحريري في الجلسة التشريعية اليوم، حيث من المتوقع ان يلتقي رئيس المجلس نبيه برّي، الذي أوفد إلى «بيت الوسط» معاونه السياسي وزير المال علي حسن خليل، الذي التقى الرئيس الحريري لمدة عشر دقائق، ونقل إليه رسالة وصفت بالساخنة والعاتبة من الرئيس برّي، وفيها إعلان الفراق في ما خص مرحلة ما بعد انتخاب عون رئيساً، من خلال تحول الرئيس برّي من الموالاة إلى المعارضة، ونفض يده من أي اسهام في تشكيل حكومة يرأسها الرئيس الحريري، ساحباً ما سبق واعلنه من انه مع رئيس «تيار المستقبل» ظالماً كان أو مظلوماً.
ووصفت الرسالة التي نقلها خليل إلى الحريري اقدام الأخير على ترشيح عون بأنه «طعنة في الظهر للرئيس برّي وكتلة التنمية والتحرير التي قررت بكامل نوابها ألا تصوت للنائب عون بل ضده جهاراً نهاراً.
«بيت الوسط»
وكان «بيت الوسط» شهد يوم أمس وقبله، أي منذ عودة الرئيس الحريري إلى بيروت، حركة نيابية وسياسية ودبلوماسية تناولت حقيقة التوجه الجديد الذي قرّر السير به ومضاعفاته سواء على صعيد البيت الداخلي، أو على صعيد العلاقة مع أطراف وقوى سياسية، وسط توقعات من ان يتوجه موفد الخارجية الفرنسية جيروم بونافون إلى بعض العواصم الإقليمية المعنية بالوضع اللبناني، لا سيما المملكة العربية السعودية وإيران، بعدما ان كان التقى قيادات سياسية حثها على ضرورة إنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية.
وتوج الرئيس الحريري يومه السياسي الطويل في «بيت الوسط» بلقاء رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، في إطار ترتيبات إعلان الترشيح والزيارة المرتقبة والمواكبة لهذه الخطوة من قبل النائب عون إلى «بيت الوسط».
وتوقعت مصادر تكتل «الاصلاح والتغيير» ان تحدث الزيارة والإعلان في غضون اليومين المقبلين، أو يوم غد الخميس على أبعد تقدير.
وتحفظت المصادر عن كشف أية معلومات أخرى لئلا تستخدم كمادة في الاستهلاك السياسي، في ضوء التجاذب الحاصل، والذي وصفته بالكبير ويحصل لأول مرّة.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس الحريري طلب من الوزير باسيل تأجيل خطوة إعلان ترشيح عون التي كان من المتوقع ان يعلنها عند الخامسة من بعد ظهر اليوم من «بيت الوسط».
وذكر مصدر على خط الاتصالات ان فترة التأجيل تراوحت بين 48 ساعة أو بضعة أيام، من دون ان يستبعد ان تكون غداً فيما لو استجدت معطيات اقتضت ذلك، وإلا، فإنها ستكون الأسبوع المقبل، أي في 27 الحالي، ريثما يكون الرئيس نبيه برّي عاد من سفره إلى جنيف والذي قد يحدث مباشرة بعد الجلسة التشريعية التي تنتهي مساء اليوم أو في اليوم التالي.
ويستتبع، وفق المصدر، ارجاء الإعلان، ارجاء الجلسة الانتخابية المقررة في 31 تشرين الحالي إلى 17 تشرين الثاني، ريثما تكون اكتملت معطيات الاتصالات في شقيها اللبناني والخارجي.
وأبلغ نائب مقرب من الرابية رفض الكشف عن هويته ان النائب عون رفض اقتراح التأجيل، سواء في الشق المتعلق بزيارة «بيت الوسط» والإعلان عن الترشيح، أو موعد جلسة الانتخاب.
«حزب الله»
ومع هذا التوجه، فإن «حزب الله» الذي يطل أمينه العام السيّد حسن نصر الله الأحد المقبل في مناسبة أسبوع أحد قيادييه الذي قضى في حلب، يُبدي حماساً لمثل هذا التأجيل، نظراً لانهماكه في تشييع ضحاياه، وعدم تمكنه من اجراء اللازم، سواء مع الرئيس برّي أو بين عين التينة والرابية، وبالتالي فهو (أي الحزب) يميل إلى تأجيل جلسة الانتخاب لمدة أسبوعين، وهو ما كان ألمح إليه معاون الأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل أثناء اتصالاته.
وكان الحزب أبلغ أكثر من طرف في قوى 8 آذار انه معني فقط بإيصال عون إلى قصر بعبدا، بحكم التحالف معه ووعوده له، اما في ما عدا ذلك فلا علاقة له بالأمر وغير ملتزم به.
اشتباك عين التينة - الرابية
ولاحظت مصادر ديبلوماسية أن الاشتباك الحاصل بين عين التينة والرابية سجّل منسوباً مرتفعاً في الساعات الماضية، إذ وصفت محطة N.B.N الناطقة بلسان الرئيس برّي ما يجري «بزمن الانقلاب على الحوار والطائف والمؤسسات» واصفة الاتفاق الثنائي (في إشارة إلى ما تمّ بين الوزير باسيل والسيّد نادر الحريري) بأنه «دفع البلد نحو الهاوية، ويطيح بتجربة الشراكة، وهو أشبه بالخطيئة».
وأتت هذه الحملة، بعد كلام وزير المال علي حسن خليل وصف فيه ما حصل بأنه «ثنائية مسيحية - سنّية» وبعد بيان تكتل الإصلاح والتغيير أعلن خليل أنه لم يستخدم هذه التسمية على الإطلاق.
وكان التكتل ناقش في اجتماعه الأسبوعي الوضع بعد 13 تشرين، وفي ضوء الترشيح المرتقب لعون من قبل الحريري، رافضاً كلام وزير المال.
وجاء في البيان «أن هذا الكلام غير مقبول لا في الشكل ولا في المضمون، ونحن لا نفهمه ابتزازاً لنا من منطلق أن مرشحنا هو مرشّح طبيعي وميثاقي، بل هو ابتزاز لمن يؤيدنا ولا نقبله، وما لا نقبله لأنفسنا لا نقبله لمن يؤيّدنا».
كتلة «المستقبل»
إلى ذلك، نفت مصادر نيابية في كتلة «المستقبل» لـ«اللواء» أن يكون جو اجتماع الكتلة، أمس، مشحوناً بعدما تبلغ النواب من الرئيس الحريري خياره بتأييد ترشيح عون، لكنها لفتت إلى أن الجو كان متوتراً وبمعظمه سلبياً تجاه خيار الرئيس الحريري الذي استمع إلى آراء عدد من النواب لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، الذين عارضوا هذا الخيار، قبل أن يترك الاجتماع للقاء الوزير خليل، من دون أن يعود إلى اجتماع الكتلة مجدداً.
وبحسب المعلومات، فإن الرئيس الحريري عرض في بداية الاجتماع المبررات التي جعلته يُقرّر السير في خيار تأيد ترشيح عون، وهي نفسها التي سبق أن ألمح إليها في اجتماعات سابقة، بالنسبة إلى ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي والمخاطر التي تحيط بالبلد إذا ما استمر هذا الفراغ، لافتاً النظر إلى أنه سبق أن جرّب كل الخيارات المتاحة بهدف ملء الفراغ، ومنها ترشيح النائب سليمان فرنجية، إلا أن هذه الخيارات اصطدمت بعوامل وعراقيل دفعته إلى هذا الخيار الأخير الذي اعتبره بأنه بات الخيار المتاح والذي يعطي فرصة لإنهاء الفراغ، مؤكداً أن البلد لم يعد يحتمل أي تأخير، واصفاً عون بأنه الأوفر حظاً للوصول إلى رئاسة الجمهورية، إضافة إلى أنه الأقوى بين المسيحيين.
وتضيف المعلومات، أنه أعقب إعلان الحريري حسم أمره من عون، نقاش من قبل الرئيس فؤاد السنيورة وعدد من النواب لم يتجاوز عددهم الخمسة الذين عارضوا خيار عون انطلاقاً من أن التجارب السابقة معه غير مشجعة، فضلاً عن أنه متقلّب في مواقفه سواء من الطائف وغيره، وأن لا ثقة لهم به.
وأشار هؤلاء إلى أنهم سبق أن وافقوا على خيار ترشيح النائب فرنجية على مضض، لكن هناك فرقاً كبيراً بين الرجلين، رغم أنهما من فريق واحد، وأن خصومة فرنجية واضحة، وليس من دم على يديه، في حين أن عون متقلب.
وطلب هؤلاء من الرئيس الحريري أن يكشف عن الضمانات والتفاهمات التي أشار إليها في سياق تأكيد اقتناعه بخيار عون، إلا أنه لم يجب على السؤال.
ونفى النواب أن تكون لديهم معلومات حول كيفية إعلان الرئيس الحريري تأييده لعون وموعد هذا الإعلان، على الرغم من أن بعضهم كان سمع من الرئيس برّي أن هذا الإعلان سيتم في خلال زيارة سيقوم بها عون «لبيت الوسط» اليوم.
إلا أن أحد نواب الكتلة وهو من الشمال (خضر حبيب) لفت نظر الرئيس الحريري إلى أن اليوم ستصادف ذكرى استشهاد اللواء وسام الحسن، ثم تبعه النائب أحمد فتفت الذي توجه إلى الحريري قائلاً: «بما أننا محكومون بالإعدام لدينا طلب أخير وهو أن تعفينا من هذا الأمر غداً (اليوم)».
واستبعدت مصادر الكتلة أن يصدر عن الكتلة أي بيان بخصوص ترشيح عون، لكنها قالت أن للحديث بقية مع الرئيس الحريري من خلال لقاءات منفردة سيعقدها مع نواب الكتلة، بقصد إقناعهم بوجهة نظره، إلا أن المصادر لفتت إلى أن معارضة خيار عون كبيرة جداً داخل الكتلة.
وكان الرئيس الحريري ترك اجتماع الكتلة للقاء الوزير خليل الذي حمل له رسالة عتاب نارية من الرئيس برّي أبلغه فيها أن كتلة التنمية والتحرير غير معنية بتشكيل الحكومة الجديدة، ولا تريد المشاركة فيها، وأن الرئيس برّي غير مستعد لتقديم أي تسهيلات لتشكيل الحكومة لأنه قرّر الانتقال إلى صفوف المعارضة.
وأبلغ أحد النواب «اللواء» أنه سمع الرئيس برّي يقول للوزير خليل عندما كلفه لقاء الحريري: «قل له نحن كنا معك ظالماً أو مظلوماً، لكنك بعدما طعنتنا إنتظر الرد المناسب، لن نمشي بتشكيل الحكومة ولن نمشي بتأييد عون».
كما تبلغ الرئيس الحريري رسالة مماثلة نقلها إليه وزير الثقافة روني عريجي من النائب فرنجية، مفادها أن رئيس «المردة» مستمر في ترشيحه حتى ولو أعلن تأييده لعون متخلياً عن دعمه له.
الجلسة التشريعية
وفي ما يتعلق بالمشاركة في الجلسة التشريعية اليوم، ذكرت المصادر ان نواب تكتل الإصلاح والتغيير سيشاركون في الجلسة، انطلاقاً مما وصفه أمين سر التكتل رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان «بالمصلحة العليا التي تقتضي إقرار القوانين المالية التي من شأن عدم اقرارها فرض عقوبات على لبنان»، مشيراً إلى ان التوجه مبدئياً هو النزول مع «القوات اللبنانية» إلى الجلسة لإقرار البنود التي تراعي تشريع الضرورة فقط، كاشفاً ان زيارته لمعراب نسقت بالملف الرئاسي والجلسة التشريعية.
وكان مجلس النواب جدد لهيئة مكتبه (لأميني السر والمفوضين الثلاثة)، ولجانه النيابية بالتوافق والتزكية مع تغييرات طفيفة في عضوية اللجان، في جلسة لم تستغرق نصف ساعة، بعد قبول إستقالة النائب روبير فاضل (بتلاوتها في اول جلسة علنية)، مع الإشارة الى ان الدستور يحدد حالات إجراء الإنتخابات الفرعية في حال الشغور او الإستقالة على ان تتجاوز المهلة المتبقية لإنتهاء الولاية بستة أشهر . 
وبعد جلسة الانتخاب عمدت كل لجنة الى انتخاب رئيس ومقرر لها. ولم تشهد النتائج اي تغيير.
فيما غمز النائب زهرا من قناة النصاب مطالباً تحويل الجلسة لجلسة إنتخاب «طالما ان الطبخة إستوت فلتعلن»، وهو ما إكتفى الرئيس بري به بإعتباره كلام خارج النظام.