قد يكون تناول برنامج من حلقته الأولى أو حتى الثانية ونقده (سلباً أو إيجاباً)، فيه شيء من التهوّر والإجحاف. الإنطباع الأوليّ لا مفرّ منه، لكنه متى اُبرم، حوّل صاحبه عناداً مزعجاً. لكن الحال أيضاً أن المضمون يُقرأ من العنوان. باشرت LBCI عرض "Take Me Out نقشت"، النسخة العربية من البرنامج البريطاني Take me out، وهو من إعداد رولا سعد وإنتاجها، وإخراج باسم كريستو، وتقديم فؤاد يمين. الموعد كلّ أحد عند العاشرة إلا ثلث مساء. منذ بثّ الحلقة الأولى الأسبوع الماضي، راح الجمهور يتفاعل على "السوشيل ميديا"، وكالعادة ثمة من انتقد وامتعض وحاضر مذكراً "بقيمنا وأخلاقياتنا وعاداتنا"، وثمة من صفق وضحك وروى الغليل. المخرج ناصر فقيه غرّد حينذاك، من دون إضافة سمة البرنامج: "الهواء التلفزيوني أوقات أرخص من الفجل". فُسرّت تغريدته على انها انتقاد لاذع للبرنامج.

تمّ وضع "نقشت" على "المشارح" الإعلامية، وفُحص الشكل والمضمون. هل هذا مكان "فوفي" (فؤاد يمين) الأنسب؟ هل ينجح في إدارة الحلقة ويبقي على طابعها الكوميدي من دون الانزلاق في وسخ الدعابات الجنسية المبتذلة؟ و ماذا عن السيدات المتباريات، هل "هذه هي صورة الفتاة اللبنانية" التي نريد تعميمها في أرجاء المعمورة؟ وماذا عن الشباب – العرسان...هل صار "التاتو" يصنع رجلاً؟ وماذا عن المساواة بين الجنسين. وماذا عن مفهوم "الموعد الغرامي" في مجتمعنا الشرقي؟ وماذا عن معادلة "الجمال الداخلي أفضل من الخارجي"؟ وماذا عن المشاهد المصطنعة وغير العفوية وغير الحقيقية المطلوبة لإضافة الإثارة؟ وماذا... عن الحب؟!

تساؤلات كثيرة تُطرح ولا تزال. بشكل مفاجئ، قد يهتمّ كثيرون بخوض نقاشات فكرية ومجتمعية عميقة. قد يحدث هذا وأكثر، فيما يستمرّ عرض البرنامج في موعده، والهدف واحد، والحقيقة كذلك. المطلوب تسلية الجمهور، لا أكثر ولا أقلّ. في عصر "السوشيل ميديا" والتطبيقات الهاتفية، لا يحتاج الشبان والشابات الى "سماسرة" تعارف وحبّ وارتباط. هذا واضح. يرفع القائمون على "نقشت" شعار "البرنامج يلي بحبّ الحب"، فيبتدعون نوعاً جديداً من الهوى. "أفلاطون" في قبره. وكذلك قيس وليلى وروميو وجولييت. ما بالنا أصلاً من كلّ تلك الخرافات؟! عشق اليوم بحاجة الى قطة مسكينة، لتشتعل القلوب وسواها من الأعضاء البشرية. "عرّاب الحب" (فؤاد يمين) يبدو أكثر حذراً من ثلاثين سيّدة حينما يتعلق الأمر "بزبدة" البرنامج الجنسية. يسأل: "كيفن اليوم"؟، فلا تتردد إحداهنّ بالبوح صراحة :"مش مناح، مش لابسين" (صدرها)! المطلوب إذاً، الإكثار من الايحاءات الجنسية، على رغم "فشل" بعضهنّ في تصنّع ذلك. وربما يكون الأمر مقصوداً: الصبايا يمثلّن معظم "أنواع" الأنثى في المجتمع اللبناني. هناك الخجولة، المحافظة، الجريئة، العفوية، "المتحررة"، السطحية.. لكنّ جميعهنّ برأي أغلبية المتابعين، يُعرضن كسلع أو دمى جنسية، فيختار "العريس، البطل، شيخ الشباب..." واحدة ليخرج معها في موعد غراميّ.

غير أن "قواعد اللعبة" في البرنامج تحاول الإيحاء بعكس ذلك. الكلمة هنا للنساء. هنّ من يقيّمن "العريس"، فيخترنه أو يرفضنه بكبسة زرّ! "يا نيّالنا"! فهذا في الجولات الأولى حين يُعرض أكثر من تقرير تعريفيّ عن الشاب الذي يطلّ أخيراً كاشفاً عن وجهه ومواهبه. نادراً ما تُطفأ الأضواء كلها، "فيُبخع" الرجل. المرحلة النهائية تستوجب "إطفاء القلوب"، فيدور "الجغل" على الصبايا اللواتي يرغبن بمواعدته، وسط بعض الصراخ والعويل والمناشدة والإستماتة:"خليني خليني". ما هي معايير الاختيار المعطاة لكلّ من الرجل والمرأة؟! طبعاً، تتكرّس المعادلة السائدة في الواقع: الذكر "يبني" حبه على الشكل الخارجيّ. تماماً كما في سوق الدعارة، "المضمون" يُكتشف في الأمسيات اللاحقة!

لحسن الحظّ، او ربما لسوئه، ثمة مجال صغير لسؤال يطرحه الشاب على الصبيتين الأخيرتين المتبقيتين بعد "الغربلة"، وعلى أساسه يحزم أمره. "انا بحب بجسمي عضلاتي، انتو شو بتحبو بجسمكن؟". السؤال أعمق من اللزوم. البرنامج بحدّ ذاته عميق في السطحيات، وهذا من متطلبات برامج "المنوعات والتسلية" وقواعدها في العالم أجمع. تنقصه فقط إطلالة من فارس كرم يغني "بلا حبّ وبلا بطيخ..."!

 

لبنان 24