يمرّ لبنان في حالٍ من المراوحة السياسية بسبب عوامل عديدة، أهمُّها ضبابية الصورة الإقليمية والدولية، ويبدو أنّ المساعي إلى إتمام الاستحقاق الرئاسي في جلسة 31 الجاري عادت إلى نقطة الصفر بعد إطلالتين عاشورائيتين للأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله لم تقدّما إجابات حاسمة حول الاستحقاق، وقد سبَقتهما تمنّيات كثيفة من الرابية في اتّجاه الحزب لكي لا تأتيا عاليَتي النبرة، مع تراجعِ نسبة التفاؤل حيال حركة رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري الهادفة إلى إعلان ترشيح رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية رغم تنقّلِه بين الرياض وباريس قبل أن يحطّ في واشنطن لاحقاً، وتمسّكِ رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية بترشّحِه وبتحدّيه عون حضور جلسة الانتخاب المقبلة. وسط هذه الأجواء، انعقد مجلس الوزراء في جلسةٍ كانت كسابقاتها لجهة نِصف المشاركة من «التيار الوطني الحر»، بغياب وزير الخارجية جبران باسيل، وبعلامات استفهام لبعض الوزراء حول مسألة إقرار المخصّصات السرّية للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي من دون إقرار الشيء المماثل لمديرية أمن الدولة، مع انتظار التحرّك العوني بإحياء ذكرى 13 تشرين، المتوقع أن يكون نصفَ تصعيديّ في 16 الجاري على طريق قصر بعبدا.
توقّفت مصادر في قوى 14 آذار بسلبية عند خطاب نصرالله، كونه أرخى سلبيات كبيرة على الملف الرئاسي، خصوصاً الهجوم العنيف الذي شنّه على السعودية، وهذا وفقَ معلومات المصادر، وكان مبعثَ استياء بالغ لدى المملكة التي اعتبَرت أنّه إذا كان هناك مِن تقدُّم في الملف الرئاسي فمِن شأن هذا الخطاب أن يردّه خطوات إلى الوراء.

وبرغم أنّ نصرالله أكّد التزامه بعون، إلّا أنّه لم يعطِ كلاماً شافياً وعملياً حول هذا الأمر، بل بدا أنّ الخطاب انحازَ بشكل مباشر إلى موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري.

«المستقبل»

واستنكرَت «كتلة المستقبل» التي اجتمعت أمس برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة هجومَ نصرالله على السعودية، واعتبرَت أنّه «بتعطيله المستمر للانتخابات الرئاسية يعرّض مجدّداً مصالحَ لبنان واللبنانيين لأخطار كبيرة»، ومواقفه «كشفَت مجدداً، بما لا يدع مجالاً للشك، أنّ حزبه وبما يمثّله من بُعدٍ إقليمي ايراني هو المعطل الحقيقي لانتخاب رئيس للجمهورية.

ورأت أنّ «ما ادّعاء تأييدِه اللفظي والملتبس لمرشح معيّن إلّا تأكيد جديد على تعطيل «حزب الله» لعملية الانتخاب بشكل لم يعُد ينطلي على أحد، وذلك بالرغم من محاولاته وحزبه البائسة لإلصاق هذه التهمة بتيار المستقبل أو بالمملكة العربية السعودية».

زهرا

وقال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا لـ»الجمهورية» إنّ «كلام نصرالله فرملَ مبادرة الحريري عندما أكّد دعم العماد ميشال عون شرط إجرائه تفاهمات مع الرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية، كأنّه يقدّم له شيكاً بلا رصيد».

وأضاف: «إذا كانت هناك بارقة أمل، جاءت كلمة نصرالله لتجهضَها نهائياً، بل شكّلت مزيداً من الإحراج للحريري وعون. يبدو أنّه علينا المزيد من الانتظار. وقد قالها نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أنّه عندما تبدأ الحلول في المنطقة تبدأ الحلول عندنا، لذلك نرى أنّه لا يزال باكراً الكلام عن حلول. ونتوقّع أن يطول الانتظار كحدّ أدنى حتى آخر السنة».

«التيار الوطني الحر»

في المقابل، اعتبرَت مصادر في «التيار الوطني الحر» أنّ مَن قرأ مواقف الأمين العام لـ»حزب الله» بأنّها موجّهة ضد مبادرة الحريري وتقطع الطريق أمام وصول عون إلى الرئاسة هو مَن لا يريد أن يكون عون رئيساً، ففسّر هذه المواقف على ذوقه، أمّا نحن فنعتبر أنّ في كلام الأمين العام تحفيزاً للحريري لكي يستمر في مبادرته.

وسألت المصادر: مَن قال إننا لا نريد أن نتفاهم مع الرئيس بري والنائب سليمان فرنجية ومع الجميع؟ فالذي يريد أن يكون رئيساً للجمهورية لا يعادي أحداً، بل يصبح أباً لكلّ اللبنانيين.

وإذ لفتَت المصادر إلى أنّ السيّد نصرالله فصَل بين الشأنين الإقليمي والمحلي، ذكّرت بأنّ «المستقبل» يجلس مع «حزب الله» في حوارهما الثنائي، على رغم كلّ شيء، ودعت الى اعتبار أنّ الوضع الرئاسي يشبه هذا الحوار، بغضّ النظر عن أيّ تطوّر إقليمي يحصل .

مصدر وزاري

وردّاً على سؤال: هل إنّ الحريري سيبادر في الأيام القليلة المقبلة إلى إعلان ترشيح عون؟ تساءلَ مصدر وزاري: بعد خطاب نصرالله هل يمكن أن يبادر بعد؟ واستدركَ بالقول لـ«الجمهورية»: الدنيا «خربانة» هناك انقسام حاد داخل كتلة «المستقبل» وانقسام حاد داخل تيار«المستقبل»، والنقاش جارٍ على قدم وساق من دون الوصول الى نتيجة حتى الآن، حتى في الاجتماع الاخير لكتلة «المستقبل» والذي ترَأسه الرئيس الحريري لفتَ الانتباه إلى أنّ الحريري وعندما عرض موضوع مشاوراته وتوجّهه الى تحديد خيار جديد من دون ان يسمّي عون، لم تسجّل أيّ ردّات فعل أو تلقّف إيجابي من غالبية الحضور حيال خياراته الجديدة، بل صمتَ حتى من يصنَّفون في موقع أكثر المتحمّسين لهذا التوجّه.

وأضاف: « كان يفترض أن تعقد الكتلة اجتماعاً برئاسة الحريري اليوم (أمس) إلّا أنّه لم يحضر، والسبب على ما يبدو أنّه لم يحصل على ضوء أخضر بعد، ثمّ كيف يحضر والدنيا «خربانة»؟

الحريري

وكان الحريري قد واصَل حراكه الخارجي، فالتقى في باريس أمس وزيرَ الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت في مقرّ وزارة الخارجية الفرنسية، بحضور مستشار الحريري للشؤون الأوروبية المحامي بازيل يارد ورئيس دائرة الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية جيروم بونافون وعدد من الدبلوماسيين.

وعرضَ الحريري خلال اللقاء لمخاطر استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية والجهود التي يَبذلها لوضع حدّ له، كما طلبَ تحرّكاً فرنسياً عاجلاً لدى الدول الصديقة للبنان لمساعدته على مواجهة أعباء النزوح السوري إليه، فوعد الوزير ايرولت ببذلِ كلّ الجهود الممكنة للاستجابة في هذا المجال.

تفاؤل في الرابية

وخلافاً لكلّ الأجواء السائدة، لا يزال التفاؤل سيّد الموقف في الرابية التي تترقّب جواب الحريري النهائي وتؤكّد في الوقت نفسه استمرارَها في سياسة اليد الممدودة الى الجميع، والانفتاح والإيجابية بهدف إنقاذ لبنان .

وإذ يتحدّث زوّار الرابية عن تمديد المهلة المعطاة للحريري لكي يعلن موقفَه الرسمي، توقّعت أن يأتي الجواب بعد 16 تشرين، إن لم يكن قبل.
وفي مقابلة تلفزيونية ليل أمس، قال الوزير باسيل: «لم يكن هناك تفاوضٌ بيننا وبين «تيار المستقبل»، وهذه ليست المرّة الأولى التي نتحاور بها، وهذا الأمر ليس بجديد، فنحن لدينا هدف استراتيجي بالاتفاق مع «المستقبل» لأنّ لبنان لا «يركب» من دون التفاهم مع ممثّل الطائفة السنّية». واعتبَر مواقف نصرالله بشأن البحرين، والموجّهة ضد السعوديّة، لا تمثّل الخارجيّة أو الحكومة أو حتّى «التيار»

عين التينة ـ الرابية

وعلى خط عين التينة ـ الرابية، لم يَبرز أيّ جديد يعبّد الطريق بين المقرَّين، بل على العكس، فخطاب الوزير علي حسن خليل في عاشوراء، والذي يعبّر عن موقف برّي صراحةً بما تضمَّنه من مواقف من موضوع التفاهمات الشاملة ورفض التفاهمات الثنائية، لم يكن صداه مريحاً في الرابية.

«القوات»

وفي الحراك الرئاسي، زار أمس كلّ مِن السفير البريطاني هوغو شورتر والسفير الفرنسي إيمانويل بون معراب، وعرَضا على التوالي مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للأوضاع السياسية العامة، خصوصاً أزمة رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى التطوّرات في المنطقة.

وقالت مصادر مطلعة على اللقاءَين لـ»الجمهورية» إنّ اللقاءين تخللتهما نقاشات حول الوضع اللبناني والمنطقة واحتمالات المرحلة المقبلة، وإنّ الشأن الرئاسي استحوَذ على جانب أساسي من اللقاءين، وكانت أسئلة ديبلوماسية تسعى إلى استشراف المآل الذي سيذهب إليه هذا الملف من دون الدخول في الأسماء، وتؤكّد أنّ الاستقرار في لبنان هو أساس.

وأضافت المصادر أنه بَرز خلال هذه النقاشات رؤية مشتركة بين السفيرين وجعجع على أهمّية الاستقرار في لبنان، وأنّ جعجع أبلغَ إليهما قوله: واضح أنّ هناك قراراً دولياً أكيداً بالاستقرار وهو في الوقت نفسه قرار محلّي، حيث لا يبدو أنّ هناك أيّ طرف في الداخل يريد المسّ به، بمن فيه «حزب الله».

وفي الموضوع الرئاسي، أبلغَ جعجع الى السفيرين أن لا رئاسة جمهورية بلا عون، وأنّ الظرف الحالي أو بالأحرى تركيبة المجريات السياسية القائمة في لبنان توصل الى خلاصة أن لا رئيس للجمهورية إلّا ميشال عون. وتوجّه إليهما بالقول: إذا أردنا أن نخلّص الجمهورية علينا إنجاز رئاسة الجمهورية في أسرع وقت.

جلسة منتجة

حكومياً، شقّت الحكومة الأجواء السياسية الضبابية، مرتكزةً على جرعات دعم من قوى سياسية اساسية، وآخرها تأكيد نصرالله على عدم تعطيلها، بجلسة ثانية مكتملة النصاب والمكوّنات، وبحثت في جدول اعمال من 146 بنداً، فأقرّت 20 منها.

لكنّ فرحة الحكومة بإعادة انتظام عملها لا يبدو انّها ستكتمل بعد تجدّد الخلافات القديمة والدائمة، والتي بَرز منها امس ملفّ امن الدولة عند مناقشة بند صرف المخصّصات المالية للجيش وقوى الامن والأمن العام، إذ أعاد الوزير ميشال فرعون اعتراضَه على عدم صرفِ مخصصات أمن الدولة السرية، وسانَده الوزير الياس بوصعب مطالبَين بتوقيف الصَرف، لكنّ البند أقِرّ على نيّة وعد قطَعه الرئيس تمّام سلام أن يبحث الأمر في اجتماعات خارج مجلس الوزراء.

أمّا الخلوي وتعيين محافظ جبل لبنان فتأجّلا الى الجلسة المقبلة.

بوصعب

وقال بوصعب لـ«الجمهورية»: سنستمر في المشاركة في الجلسات طالما التعاطي معنا إيجابي وميثاقي، أمّا حضور الوزير جبران باسيل فمرتبط بحسابات ومعطيات أخرى لم تتبدّل من الاسبوع الماضي. وأضاف: سننزل إلى الشارع للتعبير عن رأينا الأحد، ونزولنا له أوجه عدة، فنحن لدينا كلّ الحق في أن نعبّر بالطريقة التي نراها مناسبة، والظروف هي التي تحكم.

بوفاعور

وقال بوفاعور لـ«الجمهورية»: بات كلّ الأفرقاء على يقين أنّ الحكومة تكاد تكون الملاذ الأخير لهم، لذلك هم يَعملون على حمايتها من كلّ التجاذبات السياسية، وينعكس هذا الأمر رغبةً بالحضور واكتمال النصاب. ولفت إلى أنّ «كلّ الأجهزة اللاسلكية صامتة أمّا الأنتينات فلم تتوقّف مرّة».

سلام

وعلمت الجمهورية» أنّ سلام أثار في بداية الجلسة موضوع استنزاف الوقت في الحكومة، وأعاد التأكيد أنّ 3 ساعات كافية لبتّ أمور كثيرة، وقال للوزراء: معظم بلدان العالم يناقشون جدول أعمالهم في جلسات الحكومة خلال ساعة أو ساعة ونصف، أمّا نحن فنغرق بنقاشات عصيبة لساعات وساعات من دون إحراز أيّ نتائج. وأكثر من ذلك لا نلتزم بالأدبيات في تعاطينا مع بعضنا، فأدعوكم الى تجنّب المشادات الكلامية ومحاولة أخذ النقاش الى مكان منتج.

ولوحِظ أنّ بوصعب يطالب بإقرار بنود وزير الخارجية في غيابه، ما أثار اعتراض بعض الوزراء، مطالبين بحضور الوزير المختص، الأمر الذي دفعَ بأحد الوزراء الى السؤال عن سبب هذه المسرحية، حيث إنّ «التيار الوطني الحر» يقاطع إعلامياً، فيما هو داخل الحكومة أكثر المطالبين بإقرار بنود تتعلق بوزاراته.

بري

وكان بري قد توقّف بارتياح أمام انعقاد مجلس الوزراء بكلّ مكوّناته، وقال امام زوّاره أمس: هذا ما يجب ان يحصل دائماً، كان يمكن ان نتفادى كلّ ما نحن فيه من خلافات وتعطيل لمجلس الوزراء والحكومة، لو تمّ الالتزام بالنص الدستوري وتُركت الحكومة تعمل ولم توجَّه السهام إلى مجلس النواب تارةً بتعطيله وتارةً اخرى باعتباره غيرَ شرعي.

أنا على يقين أنّني شخصياً والرئيس تمّام سلام ما كنّا إلّا لنسير بإيجابية في المؤسّستين، ولم نطرح على بساط البحث أيّ قضايا تثيرالتباسات أو اعتراضات أو هواجس لأيّ كان. أسأل ماذا حقّقنا خلال سنتين ونصف من التعطيل؟ الجواب واضح، وصَلنا الى ما نحن فيه من خلافات.

وأكّد بري تمسّكه بعقد جلسة تشريعية بعد جلسة انتخاب أعضاء المجلس النيابي الثلثاء المقبل، وقال: هناك أمور مالية ودقيقة يجب أن نقرّها، ولا أعتقد أنّ هذه المواضيع المهمة جداً والتي ستُدرَج في جدول الأعمال يمكن أيّ طرف ان يكون ضدّها وضد المشاركة في جلسة إقرارها.
وعن حضور كلّ الأطراف، قال بري: لن أدخل في الاحتمالات، الجلسة مهمّة جداً وستُعقد