اذا كان مستوى التوتر العالي الذي قفز الى المشهد الداخلي بفعل الهجمات العنيفة التي شنها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله على المملكة العربية السعودية في اطلالتيه في ذكرى عاشوراء والردّين الحادّين لزعيم "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري و"كتلة المستقبل" عليه يصلح مقياساً لمآل المسار السياسي الرئاسي فلا موجب للاكثار من الخلاصات الموغلة في السلبية. ولكن يبدو ان "فترة السماح" لبلورة بعض المعطيات المتصلة باستمرار تحرك الحريري لا تزال تبقي نصف فتحة في مسار الانتظار، علماً ان ما يصدر من مؤشرات عن "التيار الوطني الحر"، المعني الأول بترقب أي تطور محتمل في هذا المسار، لا يزال يوحي بان قراءة التيار للتطورات والمواقف الاخيرة تختلف عن معظم الانطباعات الأخرى التي يغلب عليها التحفظ او التشاؤم بامكان تحقيق اختراق حقيقي قبل موعد الجلسة الانتخابية في 31 تشرين الاول.
وليس أدل على ذلك مما بثته محطة "أو تي في" التلفزيونية الناطقة باسم التيار مساء أمس من ان رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب العماد ميشال عون سيلقي الاحد المقبل كلمة في الاعتصام الذي ينفذه أنصاره على طريق قصر بعبدا في ذكرى عملية 13 تشرين الاول 1990 "ستكون أقرب ما يكون الى مشروع عهد". وقال رئيس التيار الوزير جبران باسيل إن الرئيس الحريري "تحدث معنا عن مهلة محددة وإن هدفنا الاستراتيجي هو التفاهم مع تيار المستقبل البلد لا يقوم بلا مكوناته الاساسية". لكن باسيل استدرك في حديث الى برنامج "كلام الناس" من المؤسسة اللبنانية للارسال بأنه "لا يجزم بتبني الحريري لترشيح العماد عون إلّا عندما يعلن ذلك ويعود إليه الحرية والوقت لاعلان الدعم العلني للجنرال". وفي موضوع "رفع الفيتو" السعودي عن وصول عون إلى الرئاسة قال: "نحن لا نعرف الإجابة وهذا الموضوع عند الرئيس الحريري والمملكة تقول إنها غير معنيّة".
واعتبرت أوساط نيابية ان الاجواء التفاؤلية التي أشاعتها أوساط موالية للعماد عون مساء أمس يراد من ورائها التهيئة لإنجاح مهرجان الاحد . ولاحظت ان المعطيات المتوافرة عنة أجواء بعض العواصم المعنية تفيد أن هناك موقفاً خارجياً يؤيد وصول شخصية "غير تصادمية" الى سدة الرئاسة في لبنان.

 

الحريري في باريس
وفي آخر محطات تحركه الخارجي، التقى الرئيس الحريري ظهر أمس في مقر وزارة الخارجية الفرنسية في باريس وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت. وأفاد المكتب الاعلامي للحريري أنه عرض خلال اللقاء "لمخاطر استمرار الشغور في رئاسة الجمهورية اللبنانية والجهود التي يبذلها لوضع حد له، كما طلب تحركاً فرنسياً عاجلاً لدى الدول الصديقة للبنان لمساعدته على مواجهة اعباء النزوح السوري اليه، فوعد الوزير ايرولت ببذل كل الجهود الممكنة للاستجابة في هذا المجال".
كما شهدت معراب حركة ديبلوماسية لافتة أمس، فزارها على التوالي السفير البريطاني هوغو شورتر والسفير الفرنسي إيمانويل بون اللذان التقيا رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. وتناول اللقاءان الأوضاع السياسية العامة ولا سيما منها أزمة رئاسة الجمهورية.
في غضون ذلك، أصدرت "كتلة المستقبل" عقب اجتماعها برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة بياناً ردت فيه بحدة على مواقف السيد نصرالله في مناسبة عاشوراء وخصوصاً ما وصفته "بالهجوم الجائر والفاجر على المملكة العربية السعودية والمسؤولين فيها". وحذرت من ان نصرالله "يعرّض مجدداً مصالح لبنان واللبنانيين لأخطار كبيرة غير مكترث أو عابئ بالنتائج". وقالت ان ذلك "يقدم مثالاً صارخاً جديداً على ولاء حزب الله لايران ومصالحها ودليلاً دامغاً على التخريب المتعمد الذي يقوم به الامين العام للحزب ضد مصلحة لبنان". واذ اتهمت الكتلة تكراراً الحزب بتعطيل الانتخابات الرئاسية شددت على ان "المدخل لولوج باب الحلول يكمن في المبادرة قبل أي شيء آخر الى انتخاب رئيس الجمهورية وفق القواعد التي ينص عليها الدستور ومنطق الدولة وتحت سقف اتفاق الطائف بعيداً من محاولات الفرض أو الزام النواب الاقتراع لمرشح بذاته تحت طائلة تعطيل عملية الانتخاب".

 

مجلس الوزراء
في غضون ذلك، علمت "النهار" من مصادر وزارية ان جلسة مجلس الوزراء أمس مثّلت إستعادة المجلس عافيته السياسية والادارية والانتاجية. وقللت المصادر شأن دلائل تغيّب وزير الخارجية جبران باسيل عن الجلسة ما دام الوزير الآخر في "التيار الوطني الحر" الياس بوصعب قد شارك فيها. ولفتت الى ان الجلسة أبرزت إهتمام الحكومة بقضايا الناس. ذلك أنه بعد الجلسة السابقة التي إتخذت قرارات بدعم مزارعي التفاح، قررت الحكومة دعم مزارعي الكرز في عرسال واصحاب مزارع الدواجن. وأضافت ان إعتماد المجلس الفصل بين الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام من جهة وجهاز أمن الدولة في موضوع المخصصات هو بمثابة توطئة لتغيير مدير جهاز أمن الدولة.
وتحدثت المصادر عن نقاش دار حول موضوع التعويضات لمزارعي عرسال إنتهى بإعتماد مفهوم التعويضات المتوازنة مما أدخل مزارعي القاع والطفيّل وسائر القرى الحدودية في شرق البقاع وشماله في دائرة الدعم.
واثمرت الجلسة افراجاً عن المخصصات السرّية للجيش وقوى الامن الداخلي العالقة منذ 25 آب الماضي بعد فكّ ارتباطها بالمخصصات السرية لجهاز أمن الدولة. وعلم ان الوزراء المسيحيين ومعهم الوزير بو فاعور طالبوا بالمساواة بين الأجهزة، وانسحب الوزير ميشال فرعون من الجلسة، ليس اعتراضاً على اعطاء الجيش والاجهزة الاخرى مخصصاتها، بل لأن وعداً اعطي بمعالجة أزمة امن الدولة منذ ثلاثة أشهر ولم يتحقّق. الا أن رئيس الوزراء تمام سلام أكد أنه مسؤول عن هذا الجهاز وكل حقوقه تصله، باستثناء المخصصات السرّية لاعتراضه الشخصي على أداء المدير العام للجهاز معه، داعياً الى الاجتماع لمعالجة هذه العقدة.
وبسبب رفع الجلسة، ارجئ البحث في دفتر شروط مناقصة ادارة وتشغيل شبكتي الهاتف الخليوي، ومشاريع القوانين الاربعة المرفوعة من وزارة المال والمتعلّقة بالشفافية وتبادل المعلومات لأغراض ضريبية متصلة باتفاقات مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وطالب وزير المال بإقرارها وانجازها في مجلس النواب قبل نهاية الشهر، لكن الوزير محمد فنيش طالب بمناقشتها قبل اقرارها، ولذلك تقرر ان تكون بنداً أول في الجلسة المقبلة.
وعلم في هذا المجال ان رسالة تحذيرية وردت الى وزارة المال من هذا المنتدى الدولي تطالب بإقرار هذه الاتفاقات قبل وضع لبنان على اللائحة السوداء. وتمكّنت وزارة المال بمراسلاتها من ارجاء هذا الاجراء الى حين انعقاد المنتدى في الرابع من تشرين الثاني المقبل والذي يشارك فيه وزير المال في جورجيا.