اللبنانيون كانوا ينتظرون «البشرى الرئاسية» من بيت الوسط بعد اجتماع كتلة تيار المستـقبل برئاســة الرئيــس سعد الحريري، لكن الغيوم البيضاء لم تتصاعد، فعلقت الرابية «الصبر مفتاح الفرج» و«الحل صبر سـاعة».
الانتظار قد يطيح كل اجواء التفاؤل التي سادت خلال الايام الماضية وحسمت وصول العماد ميشال عون الى بعبدا. ويبدو ان الرئيس سعد الحريري يواجه كماً هائلاً مـن الالغام يحتاج تفكيكها الى وقت طويل وجهود مضـنية.
الرئىس الحريري ما زال يحاذر اللجوء الى تبني خيار العماد عون، وما زال يصطدم بقاعدة مستقبلية وسنية رافضة لتبني خيار الجنرال. وهاتان القاعدتان لم تهضما خيار الحريري، حتى انهما لم يقتنعا برسائل عون الايجابية على O.T. V.  والتي صدرت بتمنٍ من الرئىس سعد الحريري، حتى ان مستمعي اذاعة «الشرق» التابعة للمستقبل نقلوا آراء المواطنين من الأحياء السنية في بيروت، وكانت كلها رافضة لوصول العماد عون الى القصر الجمهوري وبثت على الهواء. وهذا ما يؤشر الى عمق الخلافات داخل تيار المستقبل ونوابه  وقد برزت في اجتماع الكتلة في بيت الوسط امس. وكانت المسافات شاسعة بين الحريري ونوابه، وبالتحديد مع رئىس المستقبل فؤاد السنيورة الذي جدد بوضوح موقفه الرافض لمسار الحريري، حتى ان النائبين احمد فتفت وجمال الجراح جاهرا بموقفهما المعترض على توجه الحريري.
ووصل الامر بمنسق تيار المستقبل في الشمال مصطفى علوش الى التأكيد ان 80% من نواب المستقبل وجمهوره ضد وصول عون الى بعبدا.
وفي المعلومات، ان الحريري حاول اقناع نواب كتلته بخياره دون جدوى، فسعد الحريري اليوم لا يملك مفاتيح الحل والربط وهيبته غير هيبة الانطلاقة الاولى أيام البحبوحة المالية، فيما الشح المالي اليوم يمنعه من تقديم اي خدمة، فكيف سيؤمن متطلبات الشارع السني الذي وفر له والده الشهيد رفيق الحريري كل مستلزمات العيش الرغيد، فيما سعد الحريري يعيش ظروفاً صعبة و«ما باليد حيلة» لولا مساعدة الاصدقاء المحيطين.
النواب لن يمشوا بخيار الحريري، ولم يقتنعوا بأن رئاسة الحكومة حاجة حريرية الآن من الدرجة الاولى، فالنائب احمد فتفت واجه رئيسه بالتأكيد على توافقه مع الوزير أشرف ريفي وانه لن يخون قناعاته السياسية والنيابية «بعدما قضيت شبابي في مجلس النواب».
هذه الاجواء السلبية التي واجهت انفتاح الحريري على العماد عون من داخل منزله جعلته يضرب «الفرامل» و«يتريث» ويعيد حساباته في خياراته الجديدة، فقرر المغادرة الى الرياض للبحث مع المسؤولين السعوديين في  ما آلت اليه الاوضاع ورفض القاعدة السنية لخيار عون، وطلب مساعدة الرياض للخروج من المأزق.
وهنا يطرح السؤال، هل يبحث الحريري مع المسؤولين السعوديين في بدائل عن العماد ميشال عون، رغم ان غموض الرياض يشبه غموض الحريري من ترشيح عون؟ وهل يعود الى خيار زغرتا؟ لكن ذلك سيكلفه حرباً مفتوحة مع كل المسيحيين ومع العونيين والقوات، وقد يتفجر الشارع غضباً ولا يخرج الا بانتفاضة تبدل كل شيء. وقد ينضم حزب الله الى مساندة القهر المسيحي ضد ما يقوم به الحريري. لكن ذلك صعب جداً جراء اصرار حزب الله على الاستقرار الداخلي والوحدة الوطنية مع حفظ مواقع حلفائه، وتحديداً العماد عون ووصوله الى قصر بعبدا. فالعماد عون ينام الآن في الرابية رئيساً بعد اجواء الايام الماضية واي تراجع في موقف الحريري سيؤدي الى مشاكل كبرى، خصوصاً ان المسيحيين والموارنة باتوا مع خيار العماد ميشال عون وليس غيره بعدما رأوا الحرب التي تشن عليه من اكثر من جهة وتطويقه بالشروط، وهذا ما ادى الى رد فعل ايجابي في الشارع المسيحي داعم لعون ولا يتراجع بسهولة.
المسيحيون حرك فيهم العماد عون والدكتور جعجع الشعور بالغبن والظلم والاجحاف منذ الطائف. وظهر ذلك في اجتماع مجلس الوزراء امس عبر ملء الشغور في الوظائف الشيعية والدرزية بينما مئات الوظائف الشاغرة المسـيحية لم يحصل فيها تعيين موظف مسيحي.
هذا الشعور بالغبن لا يستطيع الحريري الوقوف في وجهه وان يكون رهن اهوائه وتبدلاته وهذا الامر يفهمه الحريري.
اما اللغم الكبير الذي يواجه الحريري فهو لغم الوزير اشرف ريفي الذي يتقدم «كالصاروخ» في الشارع السني ايضاً، ونجح في التقدم على الجميع في طرابلس خلال الانتخابات البلدية واسقط تحالف الاقوياء وتمدد نحو مناطق الشمال والبقاع وصيدا باعتراف الجميع، وبات يشكل حالة مستقلة مستنداً الى خطاب شعبي يدغدغ، ويحاكي الجمهور السني الرافض للواقع القائم. ويتحضر الوزير ريفي الان لخوض معركة الانتخابات النيابية بلوائح موحدة في كل المناطق وسط تأييد شعبي كان بمعظمه من جمهور تيار المستقبل. وهذا ما يشكل ضغطاً على الرئىس الحريري بأن تتكرر تجربة الانتخابات البلدية نيابياً، واذا استطاع الوزير ريفي المجيء بكتلة نيابية الى المجلس فسيحدث ذلك توازنات جديدة وعدم قدرة اي كان على شطب اسم اللواء ريفي من تولي رئاسة الحكومة، مستنداً الى قوته الشعبية. وهذا ما يجعل الحريري في حيرة حقيقية، الا اذا تم تأجيل الانتخابات النيابية كما بدأ التداول بالامر.
خطاب ريفي، عقبة اساسية امام طموحات الحريري الحكومية ولذلك يتريث في تحديد خـياراته ورهــاناته.
«غموض الحريري» وعدم صدور بيان عن كتلة المستقبل بدعم عون قفز الى الواجهة وجعل سجال السلتين بين بكركي وعين التينة يتراجع، رغم ان الاستاذ وببراعته السياسية وحنكته، سحب هذا «الفتيل» واعاد الكرة الى ملعب منتقديه عبر فتح صفحة جديدة مع بكركي وكأن شيئاً لم يكن. وضرب الاستاذ ضـربة معـلم جديدة، وسيوفد اليوم وزير المال علي حسن خلـيل الى بكركي لسماع رأي البطـريرك الراعي مباشـرة وهواجسه، حتى ان الرئىس بري ربما يقفز فوق سلته اذا كان ذلك يسحب فتيل التوتر، وربما ابلغ خليل البطريرك الراعي ان السلة سقطت، ولم تعد قائمة اذا كان ذلك يرضي المسيحيين مقابل ضمانات من العـماد عون تتعهد بتنفيذها بكركي وتتعلق بالمرحلة المقبلة وغيرها مع خطاب عوني جديد معـتدل ومـتوازن.

 بري: لا اتدخل الآن 

وقد تحدث الرئيس نبيه بري أمام زواره عن المستجدات في الشأن الرئاسي فقال «ليس لدي اي شيء جديد... وانا لا اتدخل الآن... وعندما يحصل الاتفاق كما قلت ادعو لجلسة انتخاب الرئىس خلال يومين».
واضاف الرئيس بري: «مشغول الآن بالتحضير للجلسة التشريعية، وهناك مشاريع قوانين واقتراحات، وقد دعوت لعقد جلسة لمكتب مجلس النواب الاثنين وسنرى ما يمكن طرحه من مشاريع على جدول الاعمال في إطار تشريع الضرورة»...
على صعيد آخر، سمع وزير سابق بعد زيارته لمرجع نيابي «ان لا جديد في الملف الرئاسي، والانتظار سيد الموقف».

 مجلس وزراء وخلاف زعيتر ـ بو صعب 

اجواء الحراك الرئاسي الايجابي استدعت مبادرة «حسن نوايا» من العونيين وجمعت على طاولة مجلس الوزراء كل مكوناتها، رغم غياب الوزير جبران باسيل الذي سيحضر الجلسة المقبلة بعد تمنيات الرئىس سعد الحريري، لكن «القلوب المليانة» بين عين التينة والرابية كادت تفجر الجلسة بعد سجال حاد بين الوزيرين غازي زعيتر والياس بو صعب الذي اعترض على عدم مراعاة التوازن الطائفي في عملية التوظيف وشراء الخدمات في وزارة الاشغال، مما استدعى رداً عنيفاً من الوزير زعيتر. وعلت الاصوات وغادر العديد من الوزراء، مما استدعى رداً من الرئىس سلام على الوزير غازي زعيتر وتحميله مسؤولية السجال وقال لزعيتر: «انت لا تدع احد يتكلم، انت تفتعل مشكلة من لا شيء». ورفع الجلسة وغادر القاعة الى مكتبه.  فلحق به عدد من الوزراء ومن ضمنهم الوزير زعيتر وتمت تسوية الامور واستؤنفت الجلسة. وتم تعيين الوظائف الشيعية والدرزية في المراكز الشاغرة، بينما بقيت المراكز المسيحية شاغرة ومن دون تعيين. وهذا ما ادى الى اعتراض بو صعب وعدد من الوزراء المسيحيين وقال بو صعب: «اذا غاب حزب الله او اي مكون آخر تتعطل الحكومة ولا تؤخذ القرارات، اما اذا غاب التيار الوطني والكتائب والوزراء المسيحيون وتعقد الجلسة وتتخذ القرارات، وهذه هي مشكلة البلد، وهذا ما نطالب به من خلال طرحنا للميثاقية». 

 التعيينات 

وقد تم تعيين البروفسور فؤاد ايوب رئيساً للجامعة اللبنانية، والتمديد سنة اضافية للدكتور معين حمزة كأمين عام للمجلس الوطني للبحوث العلمية والقاضي عبدالله احمد مديراً عاماً لوزارة الشؤون الاجتماعية، كما تم تعيين اللواء حاتم ملاك رئيساً للاركان في الجيش اللبناني.